أقلام حرة

جمهوريات العراق السبع

ويفصح بعضها بقصد وتعمد عن بعض الأسرار  التي تقف وراء  الغزو، ويتماهى بعضها الآخر مع الحوادث والأحداث اليومية الجارية ليستنبط منها تنبؤات مستقبلية، ويفضح قسم آخر منها بعض صور الخرائط التي رسمت في دهاليز السلطة الكونية  للمرحلة العالمية المستقبلية ومنها مستقبل العراق تحديدا لما يمثله الثقل العراقي من تأثير على مجمل الأحداث العالمية المستقبلية ولاسيما أنه سيكون مقر حكومة الدولة المهدوية الموعودة.

وآخر ما خرج من جعبة أحد هؤلاء الجنرالات كان حديث عن السنين النارية العراقية القادمة الثلاث، هذا العسكري المتنبيء هو العقيد المتقاعد جيري أندرسون (Gary Anderson )  واحد من نخبة قيادات الجيش الأمريكي انتدبته الخارجية الأمريكية للعمل معها في العراق بعد تقاعده من الجيش، وحديثه جاء في مقال نشرته مجلة (السياسة الخارجية ) (Foreign Policy ) المعروفة اختصارا بإسم (FP ) في عددها لشهر آذار 2010  بعد عودته لأمريكا مؤخرا بما يبدو وكأنه استغناء عن خدماته.

وكالمعتاد ابتدأ هذا العسكري السياسي مقاله بالجملة النمطية التي لا يكاد يخلو منها موضوع (Iran is already the big winner in Iraq's national election)  في محاولة للدس الرخيص تريد أن تظهر إيران وكأنها المستفيد والرابح الأكبر من الانتخابات العراقية، ثم تحول فجأة إلى متنبيء وقاريء للغيب له قدرة معرفة ما سيحدث في العراق خلال السنوات الثلاث القادمة بشكل دقيق جدا حيث رسم صورة سوداء قاتمة لمستقبل العراق ربما محاولة منه لاستغلال ما يعرف عادة بـأسلوب            (الخطاب الدبلوماسي) لكي يحث القادة العراقيين الذين يخافون كثيرا من المستقبل وما يخبئه على التوسل بالقوات الأمريكية لكي تبقى في العراق سنين أخرى بهدف توفير الحماية للنظام أو على أقل تقدير ترك قوة أكبر من القوة المتفق عليها في الاتفاقية الأمنية التي سيتم بموجبها سحب معظم القوات الأمريكية من العراق بعد شهر آب القادم وإبقاء قوات رمزية غير قتالية في قواعد محددة.

ويقول العقيد  في نبوءته أنه يتوقع للعراق خلال السنين الثلاث القادمة محرقة لا تبقي ولا تذر تبدأ بانقلاب دموي يسيطر فيه الانقلابيون على مقاليد الحكم في العراق ويوقفون العمل بالدستور ويعلنون الأحكام العرفية ويعيدون مجد الحكومة الشمولية والدكتاتورية القديمة، وسيؤدي هذا العمل إلى انطلاق معارضة شعبية تقودها عصابات طائفية تنشيء كل منها منطقة أو محمية وتتمركز فيها وتبدأ بمقاتلة جيرانها من العصابات والمحميات الأخرى بحيث يصبح لكل محلة دكتاتورها ولكل منطقة دكتاتورها ولكل محافظة دكتاتورها وتعلن الأقاليم ومنها إقليم الشمال وإقليم الجنوب أنفصالهما عن المركز وتنشئان لنفسيهما أنظمة حكم دكتاتورية وتقوم كل منها بمحاربة الأقاليم الأخرى. وملخص هذه النبوءة  أن سنوات العراق الثلاث القادمة سوف تشهد انقلابا دمويا يؤدي إلى نشوب حرب أهلية ضارية تؤدي بدورها إلى تقسيم العراق إلى سبع مقاطعات منهكة تافهة فقيرة محطمة لا حول لها ولا قوة.

يجد من يدقق في هذه النبوءة التافهة أنها بعيدة عن الواقع وتمثل تصورا طالما كان موجودا في العقلية الأمريكية للمسئولين الأمريكيين في العراق سواء منها ما ترسخ في اذهانهم نتيجة استقراء الأحداث القديمة أو الحديثة أو نتيجة وجود نوايا عدوانية مسبقة لدى هؤلاء يريدون تمريرها وتنضيجها بعد الانسحاب لكي تحدث نوعا من الاضطراب الداخلي الكبير ولا يستبعد أن تكون القوات الأمريكية التي تملك فرقة تسمى الفرقة القذرة تم إعدادها وتدريبها بمستوى عال يفوق كثيرا قدرات قوات الأمن العراقية والتي لم تتطرق لمصيرها الاتفاقية الأمنية بين العراق وأمريكا إضافة إلى عناصر التنظيمات الإرهابية التي جندتهم هذه القوات خلال مدة سجنهم في سجونها  والتي لم تكن للقوات الأمنية العراقية سيطرة عليها ولا تعرف عدد ونوع وجنسية من كان فيها وهم الذين أطلقت القوات الأمريكية سراحهم ورفضت تسليمهم إلى الحكومة العراقي واكتفت بتسليم 3000 منهم من مرتكبي الأعمال الإرهابية النمطية فقط، لا يستبعد أن تكون قد أوكلت لهاتين الجماعتين مهمة تنفيذ بعض الأعمال النوعية التي لم يتم تنفيذ ما يشابهها في الحقبة الماضية لإحداث فوضى خلاقة عارمة تؤدي إلى تخلخل الوضع الأمني في العراق وربما تؤدي إلى هرب وتخفي بعض المسئولين أو اللجوء إلى مناطق حصينة يسيطر عليها أتباعهم وعشائرهم وأبناء قومياتهم.

نعم نحن كعراقيين ومراقبين للوضع الأمني والسياسي العراقي والعربي وحتى الدولي لا نستغرب وقوع مجازر دموية جديدة أو أعمال تخريبية كبيرة أو حتى لجوء بعض المكونات لتكوين ما يشبه الأقاليم المستقلة ولكن كل ذلك منوط بأداء الحكومة وقواتها الأمنية ولذا نعقد أملنا ورجاءنا بجهتين مهمتين أولا بالحكومة العراقية القادمة التي نتمنى أن تكون أقوى وأكثر حكمة من الحكومات السابقة لكي تجنب العراق والعراقيين ويلات وعذابات المستقبل، وبالدول العربية ودول جوار العراق التي نتمنى أن تكف عن دعم الإرهاب وتبادر لدعم الحكومة المنتخبة ومساندتها لأن الفوضى إذا ما نشبت هذه المرة ستؤدي حتما إلى جر المنطقة للدخول في حروب بينية تدمرها وتخرب بناءها مما يدفع القوات الدولية بمساعدة إسرائيلية للتدخل لحماية مصالحها من خلال السيطرة المباشرة على منابع البترول عصب حياة العالم الغربي وتحويل شعوب المنطقة إلى عبيد وخدم يكدون ويكدحون لتنفيذ مطالبها 

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1369 الجمعة 09/04/2010)

 

 

في المثقف اليوم