أقلام حرة

ما ذا يقدم الاعلام لما يحتاجه العراق في هذه المرحلة

التضليل والتلفيق الى غير ذلك من السليبات التي ترافق بداية اي تغيير في اي مجال كان، والاعلام ليس بخارج عما يتاثر به اي امر اخر بالظروف العامة ومستجداتها.

لا اريد ان اتكلم عن الاعلام الحزبي، وهو معلوم وله الحق في ان يعمل وفق ما يمليه عليه اهداف الحزب واعتقاداته، وايمان الوسيلة الاعلامية تلك بالجهة التي تتبناه والمصالح الواجب مراعاتها والهدف المعلوم  والمخفي ورائها، ولكن من الفروض ان يلتزم بالاخلاق والاداب والقوانين المرعية والمتصلة بها وعليها الاعتماد على ما لا يخل بالوضع العام ويقع لصالح المسيرة الاعلامية والسياسية . اليوم نشاهد ان الاغلبية من هذا النوع او من المحسوبين على هذا الطرف او ذاك، وكما هو الحال للاحزاب فان لهم قنواتهم واتصالاتهم وداعميهم ولكن كل شيء بثمن هناك قنوات تدعم من الاحزاب بشكل سري وهي تنكر ذلك . وحتى وسائل الاعلام الموجودة منقسمة بحالها منها لها ثقلها ومكانتها وكل حسب خلفياتها ومموليها، ومنها بسيطة وبدائية ورغم صحة ما تطرح فانها تبقى غير مؤثرة، وهذه هي دنيا الراسمالية وتداعياتها التي لا تنصف .

اما ما يهمني هو ما يمكن ان نسميه الاعلام الحر المحايد المستقل والذي يسمى في هذه المرحلة بالصحافة والاعلام الاهلي او المعتمد على الذات في كافة النواحي المادية المعنوية والمعلوماتية، والعامل من اجل هدف واحد ومصيري وهو بيان الحقيقة بوضوح دون ميلان لاحد هنا او هناك. ويمكن ان تعتمد عليه بشكل كبيرالمسيرة التقدمية لاي بلد، ويكون لصالح الاكثرية والتي تشكل الفقراء والمعدومين والطبقة الكادحة الاكثرية الساحقة منها، وهذا ما يقع في خانة المصالح العليا للشعب ويفيد الوصول الى الاهداف السامية من ضمان العدالة الاجتماعية الى المساواة والحرية والاستقلالية .

اذن ما يحرك الملفات العديدة التي ترعب السلطات وتحسب لها الف حساب هو الاعلام الحر المستقل، هو المحطة والقناة المهمة لاثارة الشعب على رفض السلبيات وتحريك ما يخص بالفساد وطرح العلاجات، وضمان الشفافية ودعم الديموقراطية واثارة الراي العام حول المواضيع التي تخص عموم الشعب. الاعلام هو الذي يجسد العوامل الضرورية للالتزام بالديموقراطية والشفافية والمجتمع المدني المنفتح ومحاربة البيروقراطية والصفات البالية وما يضر المجتمع. وما يُحس به هو ان الاعلام الاهلي يميل في اكثر الاحيان الى المعارضة لتوازن القوى والاهتمام بما هو لصالح العام، ويستند عليها للحصول على المعلومات المطلوبة لطرح المواضيع بشكل صحيح اعتمادا على الدلائل والقرائن والوثائق المتصلة بكل موضوع.

بعد عقود من الدكتاتورية البغيضة والحزب الاوحد والاعلام المنفرد المغلق على نفسه، ماذا يمكن ان نراه وكيف نتغير بعد ما يمكن ان نسميه الانفجار الحاصل في حرية والانطلاق بقوة والسيل الجارف من الوسائل الاعلامية بالاخص، وما يحسه الفرد من زوال العواقب وانبثاق وتاسيس العدد الهائل من المؤسسات المرئية المكتوبة المسموعة بشكل مفاجيء ومن دون مقدمات، لابد ان يحس الجميع بوجود الخلل وعدم التنظيم فيها وبشكل نسبي، وهذا طبيعي في ظرف كهذا الذي نعيشه نتيجة السرعة وانفلات البعض من السؤولية دون وجود ارضية خصبة لنجاح الوسائل الاعلامية الحرة، اوانفلق بعض منه بامر خارج عن اهداف الاعلام الحقيقي او بايدي خارجية ولاهداف معيقة للاعلام الحر، وفي ظل نظام انتقالي وفي جو تتغلب عليه المصالح الضيقة والطريق مفتوحة لعدم وجود قانون يخص الاعلام والصحافة ويكون مفتشا ومرشدا ودليلا له.

اذن كل ما نسير عليه هوالاجتهادات في العمل والاستناد على الافكار والعقليات السياسية والمصالح المتنوعة، ومنها ليس لها اية علاقة بجوهر الصحافة والاعلام بشيء، وما نلمسه هو الاعلام لاجل التنظيم الحزبي او نشر فكر او عقيدة او ايديولوجيا ليس الا، والادهى في ذلك تدخل الدول العديدة العالمية والاقليمية بما لديهم من الاعلام في هذا الشان او بما يدعمون من الاعلام الممكن ان نسميه المرزتق ودعمهم لكتلة او تجمع او موالين لهم  باسم الاعلام الحر والحرية منه براء.

و جل ما نشاهده ليس في صالح المجتمع في اي مجال كان والمؤسف ان يصبح الاعلام الة بيد المخابرات المحتلفة لتنفيذ الاجندات وطرح المواضيع والافكار والمواقف والاراء التي تمليها هذه المراكز المخابراتية حرفيا،و هو لصالح تلك الدول وليس العراق .

يحصل كل ذلك باسم حرية الصحافة والاعلام ولا يوجد لهذه الحرية الفوضوية غير المقيدة مثيل في العالم وحتى اكثر الدول الديموقراطية والتقدمية لها حساباتها ونظمها وقوانينها في هذا الجانب، وهم لم يخرجوا من اطر والحدود التي تحافظ على الامن القومي والمصالح العليا للشعب، لا بل الاعلام هناك هو من يساند في ما يحافظ على المزايا العامة والمصالح ومستقبل بلدهم بكل ما يملكون. هذا ما يدعنا ان نصرٌ على ايجاد الطريقة المثلى لحل هذه المعضلة، ومن اولويات الحكومة والبرلمان المقبل البدء في تصحيح هذا المسار وتنظيم العمل الاعلامي كمهمة ضرورية ومن اهم دواعم تجسيد الديموقراطية وضمان الحرية وتامين المستقبل، ومنع اية ردات التي من المحتمل ان تحصل في هذا المجال.

لنا ان نؤكد هنا على انه ليس هناك صحافة او اعلام حر نزيه في ظل نظام سياسي مقيد له او برلمان غير حر او قضاء تابع، والذي يفرض على اي باحث ان يدرس الصحافة ان يضع الظروف السياسية العامة امام انظاره لتقييم الحال والخروج بنتيجة ومجموعة من التوصيات والارشادات التي تعتبر من الضرورات لتنوير الطريق امام الصحافة والاعلام المستقل الحرمستقبلا.

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1369 الجمعة 09/04/2010)

 

 

 

في المثقف اليوم