أقلام حرة

انفال انفال وما ادراك ما الانفال

دلالاتها التي لا يمكن ان نفسرها بشكل مطلق بعيدا عن ما كانت سائدة في حينها من اللغة والظروف الاجتماعية الاقتصادية. ولكن المعنى الخاص بها وجوهر ما تعنيه وليس مجازا فيه من الغدر والاعتداء وانتهاك للحقوق ليس لها مثيل كما طبقت، وتعبٌر عن العقلية التي تعاملت مع الاحداث وكيف كانت الظروف الاجتماعية والامور العامة والاحوال والعلاقاتو اخلاقيات المجتمع في تلك الحقبة من الزمن على الاقل وفي تلك المنطقة الجرداء.

على كل حال، نترك ما تتحمل الكلمة لعديد من الاوجه من النواحي المختلفة الحياتية وما تتحمل من القوانين التي يجب ان تصدر عن ما ارتكبت من الجرائم باسمها وبما يمنح الملمين بتلك الافعال وما استندوا عليه شرعيا، نتركه للمختصين ولا نتدخل فيه، الا اننا لنا ان  نتمنى الغوص فيها من قبل المشرعين وخاصة في البرلمان العراقي القادم، انني هنا بصدد ما مورس واعتدي على الناس ليس لهم فيما ظلموا من اجله ناقة ولا جمل، فيما يخص ما افتعلت من اجله وطبقت على ارض الواقع بهذا العنوان من القتل والتشريد والتعدي والظلم والغدر في قرن العشرين!! وكانها عملية اعتيادية واعادة لما مورست من قبل وفي منطقة اسلمت وامنت بهذا الدين الذي يؤمن بهذه الاية، وكانها على نفس الشاكلة منذ بدايات الفتوحات.

 معلوم لدى الجميع ان الدكتاتور العراقي البغيض لم يكن يختار عناوين حملاته العسكرية اعتباطا، على الرغم من كونه شخصا لم يؤمن يوما بالاسلام كفكر وفلسفة وعقيدة ودين مهما تبجح، بل استغل هذا الدين في اواخر حكمه من اجل مرامه واهدافه السياسية وفي لحطة غافلة من الزمن لقب نفسه بعبد المؤمن وامير المؤمنين وتبعه نفر غير قليل من جميع الفئات والشرائح وصدقوه من الانتهازيين والمصلحيين سوى من ما حسبوا نفسهم من عبد الله المؤمن او من السياسيين الحكماء!!، وهو استخدم كل ما يملك من الحيل وباسم هذا الدين زورا وبهتانا. حارب بكل قوته دولة اخرى وسمى كافة معاركه المتعاقبة باسماء دينية اسلامية وتضليلا للجميع ايضا واستخدمها طيل سنين حربهمع جارته ايران التي تعتبر نفسها غارقة في الدين الاسلامي، وساعده على البقاء صامدا من كان له المصالح السياسية ومن دفع الثمن هو ابناء الشعب العراقي فقط.

 وبعدما فرغ من بغضه ماشاء من حرب طويلة ضروسة، انتقل الى ما سماها بالجبهة الداخلية ووجه بكل ما يملك من القوة والجيش الجرار ضد من اعتبرهم في العلن فقط انهم شعبه وفي الخفاء هم الخونة والعملاء ولم يستثني منهم احدا.

بعد ان توقفت الحرب رسميا وقبلت بها ايران، شن الدكتاتور الحاقد في مثل هذه الايام حربه وصب جام غضبه وحقده بكافة السبل على الشعب الكوردستاني ووصلت قمتها في منتصف الشهر الرابع من العام نفسه التي انتهت فيه الحرب العراقية الايرانية، فقتل من وصلت اليه يديه من الناس العزل الابرياء وفي حملة عشوائية مسح حوالي مئتي الف من الشيوخ والنساء والاطفال عن الوجود بعد نقلهم الى غياهب السجون وما عاملهم ومارس بحقهم ما لا يمكن ان يوصف في الصحراء القاحلة، ولم يبق منهم ما يذكر الا القلة القليلة في هذه الحملة الشرسة والفريدة من نوعها من الابادة البشرية، ولم يرف له جفن لا بل لم ينبس اي بلد من الصديقة والشقيقة ببنت شفة نتيجة سيطرة المصالح على الاحاسيس الانسانية لديهم وفي مقدمتهم الدول التي  تتبجح بالانسانية واحترام حقوق الانسان من الراسمالية العالمية، ولم تنطق من اعتبر الدكتاتور حامي البوابة الشرقية لهم غير المدح والثناء له، الى ان وصلت النار الى عتبة بيوتهم وتأذٌوا منه ومن فعلته، بعد ذلك بدئوا يكشفون عن جرائمه وبعد فوات الاوان. خربت  الدكتاتورية ودمرت وعاثت على الارض فسادا وكانت الوقود دائما الشعب العراقي، ونال الكورد والطائفة الشيعية اكثر حصة من هذه الجرائم على الاطلاق، والانفال يذكرنا بما حصل، ولم يبق الا ان يتحرك الجميع وما تحرك هذه الجريمة ضمير العالم ليعترفوا به كجريمة ضد الانسانية على الاقل. خربت البيوت وسوت مع الارض اربعة الاف قرية واستباحت اعراض هذا الشعب الامن، بحيث فصل وفرق الابن عن الاب، الزوج عن الزوجة، الخطيب عن خطيبته، العريس عن عروسته في ليلة الزفاف، الرضيع عن الام وهو في شهوره الاولى، الاخ عن اخيه، الاخت عن كل ما تملك، ولم يعثر لحد اليوم حتى على جثث الاكثرية الساحقة منهم، وصار بعض منهم ضحية بيد المخابرات الدولية وشتتوا في الدول التي تعتبر نفسها مهدا لارض الانبياء والرسل، وتفتخر بالالتزام بهذا الدين الذي نهكت الاعراض باسمه وقتلت وذبحت الاطفال بدم بارد مستندين على اياته وسوره، ولم ينطق مفتي او عالم دين ويعلن برائه من الدكتاتور الظالم وما فعله، واطلق من تلك العناوين على حملاته، لا بل ايدته اكثريتهم. ان لم تكن للفعلة صلة بما سميت، لماذا لم تدان او تنكر، لماذا لم ينطق ما يفتون اليوم بقتال المحتل ويسمونه بالجهاد ولم ينكروا ما اقدمت عليه الدكتاتورية على اخيهم المسلم، وان كان من غير عرقهم او مذهبهم . يتبادر الى الاذهان الف سؤال وسؤال حول ما حصل في حينه اثناء الفتوحات الاسلامية ومدى تشابهه مع ما اقدمت عليه الدكتاتورية البعثية ووجه التشابه بينهما، اليس الضغط والاحتلال والقتل والذبح وانتهاك الاعراض واخذ الجباية من دون وجه حق واسر الشيوخ واستحلال الغنائم والتمتع بالجواري من الافعال الطبيعية اثناء الفتوحات، اذن ما وجه المقارنة بين الحملتين وبنفس الاسم في عصرين وحقبتين مختلفتين، فهل من مجيب؟

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1373 الاثلاثاء 13/04/2010)

 

في المثقف اليوم