أقلام حرة

التحزب والثقافة السياسية في العراق

حريتها في التصريح والنقاش والانتقاد في كافة المجالات، استنادا على القناعة الذاتية لها وما تملك من القدرة والعقلية والثقافة العامة بعيدا عن الركائز العلمية الاساسية للسياسة وما يتعلق بها، وهي ليست ببعيد عن هذا الوصف .

بعد الكبت والخنق الطويل الامد لعقود والشعب العراقي تحت سيطرة ثقافة الحزب الاوحد والراي والموقف والشخص الواحد، ليس من العيب ان ندرك ولو متاخرا ان الوضع القائم وما نقيم عليه هو ساحة غارقة في الجهل وعدم المعرفة حتى ببدايات السياسة بشكلها العلمي وما تحتوي وما يهم مصالح الشعب ومستقبله، والظروف الذاتية وتداعياتها والظروف الموضوعية ومتطلباتها، والعوامل الرئيسية المطلوبة للقيادة والخبرة والممارسة التي تحتاجها في ظل انعدام المؤسساتية التي تقلل مما على كاهل الجميع وتوزع المسؤوليات وتدير الامور بعيدا عن المزاج والعقلية الفردية.

لازال الخوف من ما هو الجديد وما توارثه الشعب من الصفات الشاذة خلق ما يسمى بفوبيا التحزب والسياسة لدى الاكثرية وانطلقت الاقلية منذ سقوط الدكتاتورية بشكل عشوائي مستغلة الفراغ التي غطت على الساحة السياسية، ووجهت ما تجري على ارض الواقع مما غيرت الحال دون استقرار طيل هذه المدة، ومازاد الوضع خطورة هو تدخل الجهات كافة حتى في كيفية ادارة العملية السياسية ومضمونها بعيدا عن الثقافة السياسية الذاتية الصحيحة، وتسلط من يمكن ان نعرفهم بمن يلعبون في الخفاء دائما، هذا اضافة الى اسباب ذاتية داخلية اخرى، من عدم الاعتماد على الخطوات والطرق العلمية والاستناد على الروابط الاجتماعية وقلة المعلومات وحجم الوعي، مما قلل من فعالية عمل القادة.

العجيب في الامر ان تتساوى الجهلة في السياسة مع اصحاب نسبة مناسبة من العلم والمعرفة السياسية في ادارة البلد والحزب والتحزب، مما خلق ازمة مستديمة منذ مدة ليست بقليلة، ولم نلحظ التغيير المطلوب على الرغم من توفر مقوماتها من الحرية ولو بنسبة محدودة، لانعدام النسبة المطلوبة من المساواة والعدالة الاجتماعية وتوفر الفرص الملائمة للجميع.

الاخطاء المتراكمة خلال هذه المدة القصيرة من عمل الاحزاب الموجودة على الساحة، فرضت على ابناء الشعب مجموعة من الشروط وبعفوية، مما فرض عليهم الخشية من التقرب من الحزب والعملية السياسية قاطبة، ولهذا خلقت الخشية هذه المسافة الطويلة بين المختصين من ذوي الاختصاصات السياسية بالاخص من التقرب من التحزب والسياسة، وخلقت فوبيا التحزب لدى اكثريتهم، على الرغم من ان التعددية الحزبية من الشروط والعوامل والمقومات الاساسية لتجسيد الديموقراطية الحقيقية والتحزب الطبيعي .

 اي الانتقال المفاجيء من الدكتاتورية وما فرضتها الى الديموقراطية والحرية وما تتطلب، خلقت ظروفا غير اعتيادية وحالة نفسية واقتصادية واجتماعية وثقافية غير طبيعية للفرد والمجتمع على حد سواء. هذا ما فرض الانقسام الحاد بين مكونات وشرائح المجتمع وابتعاد النخبة المثقفة من السياسة والتحزب، واعتبارها حالة شاذة، اي انقسام شرائح المجتمع بين السياسيين والمثقفين من الادباء والكتاب والشعراء والصحفيين بعيدا عن الثقافة السياسية العامة التي تفرض نفسها في الحالة الطبيعية من حياة اي مجتمع كان.

 في الحقيقة لا توجد سياسة بعيدة عن الثقافة ولكل اختصاص سياسة خاصة به، وليس من العيب ان يكون المثقف سياسيا او له موقف سياسي خاص به،و الغريب ان يُنظر اليه على ان يكون دائما خارج دائرة السياسة كما هو حال العراقيين الذين ينظرون الى المثقفين على ان يكونوا كذلك سوى كان بقصد او دونه.

يتوضح من الواقع الذي نعيشه، ان المثقف والسياسي يبتعدان عن بعضهما خوفا من تداعيات اهتمامات كل منهما وان لم يعلنوا ذلك على الملا، واول الاسباب خوف من الالتزام بايديولوجيا وموقف وفكر معين، وكأن التقدم لاي بلد يتوقف على مجموعة من السياسيين، واما المثقفين فعليهم التفسير والتحليل للامور والقضايا بعيدا عن مشاركتهم، وهذا خطا فضيح فرضته الدكتاتورية ولم يدع الا المثقف البعثي ان يشارك في الامور السياسية العامة، وتوارثته الاجيال من النخبة المثقفة، والا فالتطور والانتقال من مرحلة الى اخرى لا يمكن ان ينجح دون مشاركة كافة الفئات والشرائح والاستناد على اليات وطرق علمية دقيقة.

عندما تصبح المصالح المادية هي من الاولويات في الاهداف السياسية للفرد والمجتمع والحزب، فان التحزب لم يبق له اي معنى ويتحول الى شركة مساهمة، وعندما تكون الاهداف غير معلومة او على الاقل مفقودة ولم تتوضح على العلن فان المنتمين للجهة العاملة لتلك الاهداف يدورون في حلقة مفروغة وان كان التنظيم حزبا، وعندما تكون الاهداف متركزة على الحصول على موقع ومنصب حكومي والاستاثار بالسلطة فان الانتماء لاي حزب لا يفرق عن الدخول الى اي شركة تجارية، مهما كانت نوعية الاحزاب، وعندما لا يتمتع الحزب بفكر وعقيدة وايديولوجيا معينة غير التركيز على توفير وتامين الوضع المعيشي للمنتمي فيتحول الحزب الى ماكنة لتوظيف المنتمي وتعينه .

 وهذه المسميات لاي حزب كان والتحولات في عمل ونضال الاحزاب دعا المثقفين ان يخشوهم ويبتعدوا عن ماهو معروف حتى بافضلهم ويلعنوا عالم السياسة وكأن السياسة هذه هي التي ما يحصل الان على ارض العراق بعد سقوط الدكتاتورية، والسياسة منه براء.

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1375 الخميس 15/04/2010)

 

 

في المثقف اليوم