أقلام حرة

الماركسيّة باقية وإن خبا بريقها

 للنظرّية الفلسفية (الماركسية) التي أسترشدت بها هذه المنظومة .. ويخطيء من يتصوّر ان النظام الرأسمالي الحر هو الذي انتصر في النهاية .. ولعلّ الأزمة الخانقة  التي عصفت بالرأسماليّة مؤخّراً  والتي هددّت وجودها برمّته، والتي لا زالت لحدّ الآن تعاني من تبعاتها هي والدول المرتبطة بعجلتها، لهو دليل على إنها ستشهد يوماً تفكّكها وزوالها حينما تنتهي مبررّات وجودها .

إن إيماني بحتمية بقاء وإنتصار الماركسية متأتّي من جملة حقائق ..

أوّلاً ـــ إن الماركسية فلسفة ماديّة .. أي إن بقاءها وزوالها يعتمد على بقاء وزوال المادة التي هي الوجود الفيزيائي المادي المحسوس .

ثانياً ـــ الماركسية تتبنّى حقيقة  أن كل شيء في حالة تغيّر مستمر حتى الأفكار، أي إنها لا تؤمن بالمسلّمات والثوابت مهما كان مصدرها .. لذلك فهي باقية لا زالت الحياة مستمرّة وفي تغيّر مستمر، وتنتهي عندما تتوقّف الحياة ويتوقّف الزمن، وهذا يصعب تخيّله بطبيعة الحال ..

ثالثاً ـــ الماركسية فلسفة إقتصادية قبل كل شيء وذات بعد إنساني، بيئتها الأحياء الفقيرة للشغيلة والطبقات المسحوقة  الذين هم الغالبية العظمى من البشر، ووجودها مقترن بوجود هذه الطبقات التي لا تختفي ولا تضمحل الاّ في ظل نظام إشتراكي يهتدي بالماركسيّة الحقّة  .

رابعاً ـــ الماركسية تتبنّى في جوهرها الصراع الأزلي بين النقائض، وما جدليتها في المنهج الديالكتيكي، الاّ تفسيراً علميّاً له .. إذن بقاء الماركسية مرهون ببقاء هذا الصراع  .

خامساً ـــ الماركسية .. نظريّة علميّة شمولية تغطيّ كل الفعاليات الأنسانية وذات طابع أممي لا تقتصر على قومية او دين أو جنس أو لون .

سادساً ـــ إن الصراع الطبقي بين المُستغِل والمُستغَل، بين رأس المال والعمل هو المادة الجوهريّة والأساسيّة التي إشتغلت عليها الماركسيّة، وهو مبرّر نشوءها، إذن هي باقية لا زال هذا الصراع حقيقة ماثلة أمامنا .

سابعاً ـــ بعد الماركسيّة .. لم تظهر نظريّة علمية تنطوي على حلول جذريّة لمشاكل الأنسان .. إذن مبررّات بقائها لازالت قائمة لكونها أرفع نظريّة تحقّق العدالة المجتمعية التي إبتدعها عقل الأنسان حتى اليوم .

ثامناً ـــ إن النجاح الباهر الذي حققّته التجربة الأشتراكيّة في الصين الشيوعية بعد أن وعت القيادة الكفؤة مسألة إستغلال المرونة المبدأية وقدرة النظريّة على التكيّف مع معطيات العصر.. هو دليل ناصع على صحة هذه النظريّة .

من كل هذه الحقائق، يتّضح لنا إن الدعوات التي إنطلقت تبشّرُ بإنهيار المعسكر الأشتراكي مصحوبة بالزغاريد وإقامة قدّاس الموتى على ضريح الماركسية ومتاعبها .. هي محضُ خرافة .. فلا زالت جهود الشغيلة المستلبة مطلباً يطارد مالكي وسائل الأنتاج وأصحاب رؤوس الأموال، وكابوساً يقضُّ مضاجعهم .

ولعلّ الأجراءات التي إتخذتها معظم دول أوربا الغربية والدول المتقدّمة صناعيّاً والتي تصبُّ في صالح المواطن، كتأمين عيشه في حالة عدم حصوله على فرصة عمل، وشموله بالتأمين الصحي والتأمين بعد سن التقاعد، ونشؤ نقابات العمال، وتخصيص نسب من الأرباح توزّع عليهم، وشمولهم بالرعاية الجتماعية .. جاءت كلّها بفعل ضغط المباديء الأشتراكيّة التي نادت بها الماركسيّة، كما هي محاولة لأمتصاص غضب الشغيلة التي تلوك جهدها الألة الأنتاجية الرأسمالية مقابل فتات لا يكفي لأدامة الحياة .

أنا أتفّقُ تماماً مع من قال أن أحّد اهم أسباب تآكل التجربة الأشتراكية وإنهيار منظومتها السياسية، هو إن القائمين عليها حوّلوا الماركسية من نظرية علميّة ديناميكية متحرّكة مرنة تستجيب في أكثر مفاصلها الى متغيرات العصر، الى دينٍ بكل ثوابته ومسلّماته، حتى أصبحت بعض أقوال منظريها وقادتها أشبه ما تكون بنصوص منزّلة من السماء، وبفعل ذلك تراجعت هذه التجربة وانكفأت على نفسها. بينما كان العالم يحثُّ الخطى ويتسارع ويتجدّد بفعل الثورة المعلوماتية والرقمية والتكنولوجية، التي لا تنتظر الخاملين من سدنة مزارات الأولياء الثوريين الذين أدّوا ما عليهم في فترات الحروب العالمية .

فالماركسية باقية وإن خبا بريقها، وإن سبعين سنةٍ من عمر تجربتها على الواقع وفشلها ونكوصها، لا يعني شيئاً في زمن الوجود الأنساني الذي يمتد ملايين السنين. .

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1375 الخميس 15/04/2010)

 

 

في المثقف اليوم