أقلام حرة

الكويت وتكرار الخطأ

أكتاف رفاق الأمس بعد سحقهم وتدميرهم، وأنت لا يمكن أن تجد بينهم قائدا واحدا جاء برضا الأمة ومرضاة الله أو أن شعبه يوافق على بقائه على الكرسي، ولا تجد بينهم من يعترف بأخطائه ويسارع لترك عمله تأييدا لمطالب شعبه، ولذا تخمرت مؤخراتهم من طول جلوسهم على كراسي الحكم.

وقادة بمثل هذه المقاييس النمطية التقليدية التي تعود بدايات ممارستها إلى بدايات معرفة الإنسان الفطري الأولى بنظم الحكم لا يمكن أن يسعدوا شعوبهم أو يسهموا في إسعاد شعوب الجيران الأخرى، أو يقدموا  نفعا للإنسانية. ولذا جروا الويلات والمصائب على شعوبهم وشعوب جيرانهم باسم القانون، القانون الذي وضعه الحكماء ولونوه هم بالألوان التي تتناسب مع ذائقتهم الهابطة بالتأكيد.

وفي أواخر سبعينات القرن الماضي حينما حاول أحدهم إعادة أمجاد الهتلرية من خلال بناء قوة شرسة لاقتحام وغزو دول الجوار صفقوا له بجمعهم لأنهم رأوا فيه محققا لأحلامهم المريضة، ثم لما قام بمغامرة غزو إيران سارعوا لدعمه وتمويله ولم يقفوا عند هذا الحد وإنما قاموا بإلقاء القبض على أبناء شعبه المقيمين على أراضيهم وتسليمهم إلى قواته الأمنية لمجرد اعتراضهم على أعماله الدموية ودكتاتوريته الغبية، فتسببوا بإعدام عشرات العراقيين الذين لم ترحمهم قوات الأمن حينما وقعوا بقبضتها. ولكنه لما استذئب وتوحش وبات قاب قوسين أو أدنى من الجنون انقلب ضدهم وغزا بلدهم وعاث فيه فسادا ونهب أبناؤه وقياداته الحزبية والعسكرية خيراتهم ومدخراتهم وصرفوها على موائد القمار والخمر ولو قيض له حينها إلقاء القبض عليهم لكان قد نفذ فيهم حكم الإعدام دفنا بالرمال حالهم حال غيرهم ولكنهم كانوا في الهزيمة كالغزال فنجوا من سكينه ومقصلته ومعوله ومثرمته.

واليوم بعد أن تغيرت الظروف فمن المفروض بهم أن يكونوا قد استفادوا من تجربة الغزو والهزيمة تلك لكي لا يعيدوا ارتكاب مثل هذا الخطأ القاتل. ولكن تبين أن إفلاسهم الفكري والسياسي قد حرمهم من هذه النعمة،  ولذا عاودوا للسقوط في هذا المستنقع مرة أخرى وغرقوا فيه حتى أرانب أنوفهم يوم قاموا باعتقال وترحيل المصريين المغتربين في الكويت من مؤيدي محمد البرادعي بحجة إن المعتقلين والمُرحلين خالفوا القوانين الكويتية الخاصة بالتجمعات العامة وتشويه السمعة، عبر انتقاد الرئيس المصري حسني مبارك. حسب أقوال وزير داخليتهم الشيخ جابر الخالد الصباح في تصريحاته يوم السبت الماضي.

وإذا كان العراقيون المقيمون بالأمس في الكويت لم يجدوا ناصرا ينصرهم ويدافع عنهم فإن المصريين وجدوا في منظمة (هيومن رايتس ووتش)  نصيرا لهم حيث نقلت محطة البي بي سي يوم 11/4 مطالبة المنظمة لقوات أمن الكويت بالتوقف عن اعتقال وترحيل المصريين والإفراج الفوري عن جميع المصريين الذين ما زالوا رهن الاحتجاز والسماح للمُرحّلين بالعودة إلى أعمالهم ومنازلهم في الكويت.وقالت (سارة ليا ويتسن) المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المنظمة: إن الكويت تمكن بعملها هذا السلطات المصرية من الإجراءات القمعية ويجب أن يسأل الكويتيون عن سبب مضايقة أجهزتهم الأمنية للمصريين الساعين للإصلاح في وطنهم، بدلاً من حماية المصالح الأمنية الداخلية!!

 اللافت للنظر أن مراسل البي بي سي في الكويت أفاد بأن السلطات الكويتية رحلت 17 من أصل 20 مصريا فقط  من مؤيدي محمد البرادعي وهو مجموع ما وقع بيد السلطات الكويتية. بينما كانت أعداد العراقيين الذين رحلتهم الكويت استجابة لطلب صدام أو تأييدا لسياساته المجنونة بالمئات ولم يجدوا صوتا واحدا يدافع عنهم ولذا لم يلتق بهم أبناؤهم وأقرباؤهم إلا بعد سقوط حكم صدام ،ولكن أين؟ في المقابر الجماعية طبعا وحتى هذه الفرصة المرة لم تتوفر للجميع حيث لا زال هناك من يبحث عن جثة ابنه أو أبيه وما زالت هناك من تبحث عن جثة ابنها أو بعلها أو أخيها في المجهول ولكن دون جدوى!

 

 

 

 

 

في المثقف اليوم