أقلام حرة

اهم نقاط التحول في تاريخ العراق الحديث

جوهر التغيير وما جلب معه بعد عقود من القهر والظلم والقمع المستمر، ولم تحتوي هذه العقود في طياتها غير الاتقلابات والمؤامرات وسكب الدماء من اجل السيطرة على السلطة وحكم البلد باي شكل كان. منذ تاسيس الدولة العراقية بفعل فاعل خارجي وفرض الملك عليه، ويسير الشعب العراقي  وفق ما تفرض عليه من الاوامر من بغداد دون ان يؤخذ ولو براي او موقف واحد له، وحدثت تحولات طفيفة جدا خلال سنين طويلة، وبعد موت الملك فيصل الاول بدات سلسلة من الانقلابات الدموية بين فترة واخرى، وحدثت اضطرابات وتم القتل والنفي لعديد من القادة، وبدات بقتل الملك غازي بحادث مدبر في نيسان 1939 ومن ثم انقلاب تموز 1958 وقتل الملك فيصل الثاني الى قتل عبد الكريم قاسم وتسلم عبد السلام عارف الحكم ومن ثم بعده عبد الرحمن عارف الى ان وصل قطار البعث ومخططاته السوداء كنقطة تحول قاتمة في العراق بعد تنحية عبد الرحمن عارف او بالاحرى ابعاده بشكل لم يتمكن من التصدي ولو لفترة قصيرة.

 لا نريد هنا ان نتطرق الى ظروف المنطقة في تلك المرحلة والدخول في الوضع السياسي العام وكيفية ترابط الحكومات وخاصة الجمهوريات الفتية في هذا الاقليم والدعم والاسناد الذي لاقوه اثناء التغييرات التي كانت تحصل في اية دولة في هذه المنطقة من قبل هؤلاء، العراق وسورية ومصر واليمن في مقدمة البلدان التي كانت لها التاثيرات اللمتبادلة على البعض، ولم يحدث اي طاريء في اي من هذه البلدان الا ويتوضح فيما بعد ان التخطيط والاثارة والدعم جاءت من احدى تلك الدول الاخرى، اي لم تكن حكومة جديدة مهما كانت نوعها مستندة على استقلاليتها الا وتكون مستندة على عوامل خارجية واساسها نابع من التوافقات والمؤامرات السرية التي تحاك لقلب اي نظام ان كانت هناك نسبة معينة من احتمال النجاح في الاستقلالية.

 بعد دراسة هذا التاريخ بشكل علمي والدخول في ثنايا ما حصل بالتفصيل سنكون على دراية كافية بمجريات الامور وما كانت تلك الدول تعمله والنظام الذي يحكمه والعلاقات التي تربطهم طيل تلك الفترة، وسيكون طبيعيا ان نعلم بان التدخلات التي كانت كبيرة وفي وضح النهار دون اي اعتبار للسيادة، وكانت اعتمادا على شعارات الامة العربية الواحدة والمصير الواحد والوطن العربي الواحد، وتوارثت الاجيال هذه الادعائات، فلا يكون ما نراه غريبا جدا  ولاما يحصل اليوم من التدخلات المستمرة ومن الجهات العدة عجيبا، اضافة الى ما كان  الترابط والتكتل الايديولوجي هو السائد في حينه، فاليوم دخلت على الخط قوى اخرى ليس من منطلق الجمهورية ونبذ الملكية والادعائات التقدمية او المحافظة على المصالح الملكية وانما استنادا على الصراع الديني والمذهبي للحفاظ على التوازنات الجديدة .

عندما ننظر الى هذا التحول الكبير والطريقة الفريدة في التغيير والتداعيات مابعد التغيير والاليات التي تعتمد في حكم البلد، والاستناد على المفاهيم الجديدة والغريبة عمليا ومارسة عن المنطقة بشكل كامل، يجب ان لا نتعجب من الصراع الحامي وما تشهده الساحة الاقليمية وتدخلاتهم الفاضحة حول تشكيل الحكومة العراقية الجديدة بكل ثقلهم، وهذه نتيجة طبيعية لتعقيدات ما تفرضها الديموقراطية والانتخابات، والخوف والرعب الذي يدخل نفوس الحكام المتسلطين وخشيتهم الكبيرة من نتائج المعادلات التي لا تكون لصالحهم في حال تطبيق الديموقراطية، ويحالولون بشتى السبل التدخل فيما يجري على الساحة العراقية، كما كان من قبل ولكن بوسيلة اخرى، ان كان عن طريق الانقلابات  والقتل وسكب الدماء في تغير الحكومات هو شغلهم الشاغل حتى الامس، فاليوم التعددية التي اثبتت نفسها سدت امامهم الكثير من الطرق، الا انهم وجدوا ثغرة اختلاف المكونات الاساسية للشعب العراقي ويحاولوا ان ينفذوا منها للتدخل وتنفيذ اجنداتهم التي كانت تطبق من قبل عن طريق الانقلابات العسكرية الدامية.

 عند استقرار الاوضاع في العراق بشكل تام وتتجسد الديموقراطية وتنظم حياة العراقيين، فتُعتمد القوانين التي هي لصالح كافة المكونات ويحس المواطن بالمواطنة والحرية ونسبة من العدالة الاجتماعية، حينئذ يمكن ان تترسخ الاجواء السلمية وتثبت عملية تداول السلطة عمليا وتفصل السلطات الثلاث عن بعضها، التنفيذية التشريعية القضائية وتؤمن الخدمات ونقترب من الدول المؤسساتية، هنا وفي هذا الوقت تقطع الطريق امام المتدخلين، وهذه اعظم نقطة تحول في تاريخ العراق والمنطقة ايضا وتغلق الابواب نهائيا، ويبتر التدخل الفاضح  المستمر بشتى الطرق حتى اليوم، وسوف تتغير المعادلات التي لعبت عليها الاطراف المختلفة في محاولتهم لميل الكفة لصالحهم،و بترسيخ الديموقراطية المنشودة هذه نعطي دروسا لهؤلاء ويجبرون على اعادة النظر في عملهم ويهتمون بشؤونهم الداخلية ويحتذون بنا اجباريا،و سيكون العراق الورقة المؤثرة على المنطقة وفي حينه سننتج نقطة التحول الاعظم للمنطقة باكملها.

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1377 السبت 17/04/2010)

 

 

في المثقف اليوم