أقلام حرة

هذه دولة وليست زورخانة؟

 تلك الزورخانة التي أسست لمبادئ رياضة المصارعة العراقية المشهود لها عربيا ودوليا وطرحت أبطالا كثر.

وشتان بين السياسة والرياضة لكن سياسيينا الأفذاذ حولوا المشهد السياسي الذي أراده العراقيون أملا للخلاص من تبعات الفاشست البعثيين والنفاذ إلى أفق بناء الإنسان المخرب والوطن المنكوب، إلى ساحة تحدي، فبدل أن يضع السياسيون أيديهم بيد شعبهم للوصول إلى الأهداف التي ضحى العراقيون من اجلها  كثيرا بمشاركاتهم الثمينة بالانتخابات والإدلاء بأصواتهم وهم تحت رحمة الصواريخ والموت الذي كان يحيط بهم في كل اتجاه  تلك الانتخابات التي كانت المحطة المهمة في تاريخ العراق المعاصر بعد انهيار الطاغية لكن من اختارهم الشعب ووضع ثقته بهم  للبحث عن الخلاص حولوا التنافس الخطير بينهم إلى حلبة مصارعات.

إن هذه دولة لها تاريخها وحضارتها تأسست على أشلاء مئات الآلاف من الضحايا وانهار من الدم المقدس ولم تؤسس على أيديكم ولا على من سبقكم بعد أن حولتموها إلى مرتع للموت والمقابر الجماعية والمليشيات القذرة وتهديم البنى التحتية وبات المحو للعراقيين أقرب من رمشة عين ولم يعرفوا من هدأة العيش ونعمة السلام والأمن لا على يد الطغمة البعثية ولا على يد فرسان التغيير بالكلام لا بالأفعال، فلا امن ولا عيش آدمي لأهل أغنى دول المعمورة ولا تعليم ولا صحة ولا وسائل حياة كريمة نريدها  اقل من رغيدة ولا .. ولا.. والإخوة الأعداء يتناحرون على الكراسي تاركين فراغا سياسيا خطيرا بعد أن سحبت كل الكتل المصونة البساط والحصير وحتى البارية من تحت رجلي السيد المالكي  وحكومته بعد أن أصر الجميع على تسميتها بحكومة تسيير أعمال أي حكومة شبه خدمية ولا صلاحيات أخرى لها وبات العراق بلا حكومة لها قراراتها المصيرية وبات الكلام يدور على تأليف الحكومة القادمة التي  قد يكلف بزوغها شهور حتى عاد بعض الوزراء على قناعة بأنهم بعد وقت قصير لم يعودوا كذلك وكل وزير يقول (آنا يا هو مالتي وشعليه) وبات الوضع السياسي وتسيير شؤون البلد على كف عفريت، كل هذا اللغط  وهذه الهوسة بسبب توزيع الكراسي وكيف يوزعون الكعكة بالتساوي ومن سيكون رئيسا للوزراء وهلم جراحا وفتكا بالعراقيين وتفخيخا لأجسادهم المنهكة اصلا من كثرة الفواجع والحوارات لم تصل إلى بداياتها بعد والله وحده يعلم متى تطل على العراقيين حكومتهم الجديدة ومتى يصادق عليها البرلمان ومتى يستلم الوزراء مهامهم وكيف بعد هذا اللف والدوران يحافظ العراق على

أمنه وامن ساكنيه ومن يتولى المهمة ناهيكم عن مشاريع البناء الهائلة والمعطلة التي لم نر منها غير ما تلعلع به بعض وسائل الإعلام بتحقيق نسب متقدمة منها والحقيقة لا مساكن ولا رعاية صحية ولا مدارس جديدة ولا شوارع مزفتة ولا عمل للعاطلين ولا قضاء على أمية ولا هم يحزنون.

إن كل هذا الكلام هو وجع حقيقي وإحساس بالمرارة وخوف على مستقبل العراق وعلى حياة الناس ووجع الأسئلة تفقد المرء صوابه وتجعله أكثر حنقا على من يساهم بشكل أو بآخر ولأي سبب في هذا التفتت في الوضع العراقي وعلى من ينتمي حقا للعراق أن يبتعد عن نواياه الذاتية بقليل من التضحية وفاء لهذا الوطن الذبيح ووضع حد لمعاناة البشر التي دامت أكثر من نصف قرن ولم تزل الدماء تنزف يوميا.

هل يستحق هذا الكرسي اللعين كل هذا الخراب؟

صحيح أن على من كسب ثقة العراقيين وحصل على أصوات المتلهفين للتغيير أن يدافع عن استحقاقاته الانتخابية التزاما بالسلوك الديمقراطي الذي يعتبر من اكبر انجازات التغيير في عراق ما بعد البعث، إنما ينبغي أن ينفتح السياسيون على بعضهم رغم تفاوت مواقفهم بإيمان لا يتزعزع بالمكسب الديمقراطي  فهم متنافسون على السلطة داخل أروقة السياسة ودهاليزها إلا أنهم متحابون ويحترم احدهم الآخر خارج هذا الابتلاء كما نرى في دول العالم العريقة بهذه الممارسات الديمقراطية.

يقينا أن المواطن سوف لن يحترم مثل هذا التكالب المقزز على السلطة وعدم قدرة السياسيين بإيجاد مقاربات تكون عتبات للعمل السياسي لتدعيم العمل الديمقراطي لان المهم هو تذليل العقبات وخلق قواسم مشتركة للعمل والوصول إلى حلول تعطي تصورا  واطمئنانا أن صوت المواطن لم يذهب هدرا ذلك ان الكراسي زائلة والوطن باق.

أخيرا عندي أن أبطال الزورخانة أنقى سريرة من العديد من السياسيين الحاليين لأنهم كانوا وبنكران ذات يخدمون العراق بوسائلهم البسيطة إنما بقوة شكيمتهم ونقاء انتمائهم لرفع اسم العراق في حين إن سياسيينا قد أعطوا صورة ممسوخة عن العراق وأجهضوا فرحة العراقيين وأساءوا كثيرا لسمعة المشهد السياسي الجديد الذي استبشر به الجميع من عراقيين وأصدقائهم وكانت شوكة بعيون الصداميين ومن صفق لهم من عرب وعجم ولكنهم وبهذه الأفعال قد أساءوا لسمعة الوضع الجديد آملين أن يتغير اتجاه بوصلاتهم صوب العراق وأهله بعيدا عن التشتت المهلك للجميع في المواقف والتناحرات التي لا تجلب إلا الدمار على الوطن ورؤوس ساكنيه وأولهم أصحاب الكراسي.

وطوبى لأبطال الزورخانة العراقيين الاصلاء.

[email protected]

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1378 الاحد 18/04/2010)

 

 

في المثقف اليوم