أقلام حرة

كلك ذوق .. وتعالوا نعيشها صح

ومع ازدياد التفجيرات والأعمال الإرهابية وحالة الانفلات المجتمعي، وكردود فعل رافضة لنمط العيش القاسي الذي يعيشه المواطن ولاسيما شريحة الشباب الغاضب وهو يرى العالم يرفل بالنعيم والعز والرفاه  بينما لا يجد هو فرصة عمل مهما كانت بسيطة ليعيل بموردها عائلته، تزايدت حالات الخروج على منظومة الأخلاق والعرف المجتمعي الموروث وتعاليم الأديان ومنهج الحياة السوية والشعور بالمسئولية وفقدان الروح الوطنية والألفة المجتمعية. ثم أن ضعف الأداء الحكومي وفقدان الرقابة أسهما من جانبهما في تشجيعهم على ارتكاب المخالفات الأخلاقية وتحطيم الذوق المجتمعي العام، وباتت الأنوية وعدم الشعور بالمسئولية وعدم الاهتمام بالقضايا الإنسانية ظاهرة طغت على كل الظواهر الأخرى حتى السلبية منها.

 ورغم أن التأثير السلبي الذي يصيب منظومة الأخلاق في بلد ما يترك عادة تراكما سالبا على مسيرة ذلك البلد كلها بما يوجب على المسئولين والسياسيين ورجال الدين والمثقفين والوطنيين الحريصين على سمعة ومكانة بلدهم المبادرة الفورية للتصدي لهذه السلبيات وإيقافها عند حدود يمكن مستقبلا معالجتها بشيء من الصبر والمطاولة وإشاعة روح البناء بدل روح التخريب التي سكنت أغلب النفوس. إلا أن  هكذا مبادرة معدومة بالكامل في المجتمع العراقي، وخلاف ذلك هناك من يشجع على إشاعة روح الفوضى بدل أن يسهم في حل المشكلة لأن ذلك يوفر له أجواء ممكن له من خلالها أن  يطبق مشروعه التخريبي الذي جاء من أجله، وهي مفارقة تضعنا في مأزق حرج سوف يشكل إذا ما أستمر بهذا النمو المطرد منظومة مشاكل كبيرة وعويصة الحل لا يمكن للحكومات العراقية المتعاقبة تجاوز تأثيرها إلا بعد جهد جهيد سوف يستهلك أبوابا كاملة من ميزانية العراق للسنوات القادمة. وعليه أرى أن يسهم الشباب العراقي وبدعم من منظمات المجتمع المدني والمؤسسات الخيرية والأخلاقية والمؤسسات الدينية والتعليمية ولاسيما الجامعات وأصحاب المنتديات على شبكة الانترنيت وبعض المواقع الالكترونية المنضبطة  في تأسيس منظمات مستقلة لتنمية الذوق العام للمواطن العراقي، لاسيما وأن البلدان العربية الأخرى التي تقل مخالفات الذوق العام فيها عما موجود عندنا بشكل كبير شعرت بأهمية هذا الجانب واستنفرت قدراتها الذاتية للوقوف بوجه هذه الظاهرة المتنامية وهو السلوك الصحيح والحقيقي لأن علماء الاجتماع يقولون أن المشكلة يجب أن تواجه في طريق صيرورتها وقبل أن تتكامل خطوطها لأن تكامل خطوطها يجعل أمر معالجتها صعبا ومكلفا، وفي هذا السياق الرائع وكما نقلت نشرة القنطرة للحوار بادر بعض الخبراء وبعض الشباب المصريين بإطلاق مبادرات مجتمعية تحت عناوين تناغم نفسية المواطن مثل (كلك ذوق) و ( تعالوا نعيشها صح) من خلال المنشورات والندوات واللقاءات المباشرة وشبكة الانترنيت وحتى نزول المتطوعين إلى الشوارع والاحتكاك بالناس لمكافحة الظواهر الشاذة في المجتمع مثل الشتائم وإلقاء القمامة والتحرش الجنسي والوقوف في تقاطعات الشوارع في المناطق السكنية والبصق في الأماكن العامة وهدر المياه النظيفة والتعامل الخاطيء وبصورة غير لائقة بين الزوجين أو زملاء العمل، إضافة إلى قيادة السيارات بصورة مزعجة واستعمال جهاز التنبيه بدون مبرر وثقافة الفئة والمذهب والحزب. في محاولة للارتقاء بالذوق العام في الأماكن العامة بعد أن أدت عشوائية السلوك غير المنضبط لارتكاب مخالفات بعيدة عن الذوق ولا تنم عن الشعور بالمسئولية وصلت كما تقول (ماجي الحكيم) خبيرة الاتيكيت وفن التعامل المصرية إلى مستويات تستدعي القيام بمحاولة لإحياء بعض السلوكيات المفتقدة كالشهامة والاعتذار والاستئذان والنظافة واحترام النظام وتعليم الناس كيفية التعامل مع بعضهم البعض مشيرة إلى أن العوامل التي أدت إلى اختفاء الذوق وتدهور السلوك لدى شريحة كبيرة من الناس، هي الضغوط الحياتية والزحام الشديد والأنانية التي لا تراعي الغير. وأنه من الضروري مراعاة حق الطريق وحق الناس في الشعور بالأمان أثناء سيرهم فيه، وذلك من خلال أن يبدأ كل فرد بنفسه، وأن يوجه للآخر ملاحظاته دون إهانة لأن الشارع ملكية عامة. وتعزو ماجي بعض هذه السلوكيات إلى أسباب منها وجود أوقات فراغ طويلة نظرا لضعف الإنتاج في ساعات العمل، وعدم استثمار هذه الأوقات في أمور إيجابية.ومنه يتضح أن أمورا بسيطة وتافهة دفعت المواطن العربي للخروج على الذوق العام، فما هي الدوافع التي دفعت العراقي للخروج على كل المتعارفات؟ وهل هو معذور في خروجه هذا أم انه يجب ان لا ينجرف مع تيار التخريب سواء كان مفتعلا مقصودا أم كان ناتجا عرضيا لمتاعب الحياة وقساوتها؟

المهم أن الدعوة لم تأت لتحسين الذوق المصري بل انطوت على جانب وطني كبير الأهمية حيث تقول الخبيرة: إن غياب الذوق كان احد أهم الأسباب وراء حوادث الفتنة الطائفية التي اندلعت مؤخرا بين المسلمين والأقباط، لأن السلوك الراقي لابد أن يشمل الاعتراف بحرية الأخر طالما لا يضر غيره، كما أنه لا يحق لشخص أن يسأل الأخر الذي لا يعرفه عن أمور شخصية منها ديانته.

هذا وترى الخبيرة أن اللوم الأكبر في غياب السلوكيات الحميدة يرجع لوسائل الإعلام التي تبث برامج تتضمن الكثير من الألفاظ الخارجة عن الذوق، بالإضافة لحالة اللامبالاة لدى الناس حيث أنهم عندما يرون شخص يتصرف بسلوك مشين في الشارع لا يكترثون حتى بالحوار معه بصورة بناءة ولينة. وتعتقد أن الناس سيتغيرون إذا ما عرفوا حقوقهم وواجباتهم عبر حملات التوعية والحوار.

فهل سنسمع بإطلاق مبادرة عراقية مشابهة  في الأيام القادمة أم أن ذلك من المستحيلات كما هي بقية قضايانا العراقية التي تحولت كلها إلى مستحيلات مستعصية؟

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1379 الاثنين 19/04/2010)

 

 

 

في المثقف اليوم