أقلام حرة

تشكيل الحكومة الى اين؟

 الكتلة العراقية هي المكلفة وفق الدستور بتشكيل الحكومة، ورئيس الوزراء المقبل يجب ان يكون من هذه القائمة، الا ان الكتل الخاسرة امام العراقية  اخذت  تفسر بعض بنود الدستور بالطريقة التي تخدم اغراضها في تشكيل الحكومة وهذا خلاف الدستور .  

اتفق الائتلافان الطائفيان الحكيم والصدر من جهة وحزب الدعوة الذي يتزعمه المالكي من جهة أخرى وهؤلاء يشكلون تقريباً نصف مجلس النواب مع اضافة 43 نائباً كردياً فالحصيلة أكثر من مئتي مقعد من مجموع عدد المقاعد 325 مقعداً، فبإمكان هذه الكتل أن تشرع وترفض ما تشاء مستقبلا تلعب على هواها كما كان الحال خلال سبعة اعوام الماضية، وتشكل الحكومة بالشكل الذي تريده وتبقى بقية فئات الشعب مهمشة ومهملة وغير فاعلة في القرار السياسي . هناك اطراف واشخاص داخل هذه الكتل وخارجها يقبلون بأي دور وهنا الكارثة ان ضمن القوائم المهمشة اناس مستعدة لهذا الدور بحثاً عن السلطة والمصلحة الشخصية فهذا التفكير يسيطر عليهم سيطرة هائلة ولم تترك لهم فرصة لرؤية حقيقية لمصلحة الشعب العراقي متناسين معنى الوطنية، يبحثون عن المواقع والمنافس الآخر يعرف هذا الموضوع تماماً ولهذا يغريهم بالمناصب. ولكن هؤلاء سيعاقبون من جمهور الناخبين الذين ادلو باصواتهم الذين ارتفعو عن الطائفية المقيتة .

 

 

 

لم تحقق المفاوضات بين الأحزاب السياسية تقدما يذكر لحد الان، لأن الناخبين انقسموا تقريبا بالتساوي بين قائمة العراقية التي يتزعمها إياد علاوي وائتلاف دولة القانون تحت قيادة رئيس الوزراء نوري المالكي وكلا الطرفين تقف على جهتين متناقضتين . القائمة العراقية الفائزة تتجه نحو العلمانية وابعاد تدخل الدين في السلطات العراقية الثلاثة . في حين تقف قائمة حزب الدعوة برئاسة المالكي موقفا توفيقيا .لاربعة اعوام من حكم المالكي لم نشاهد  المالكي الذي ادعى ابعاد العراق عن الهيمنة لرجال حزبه من الطائفة الشيعية اي شئ ملموس على العكس كان اقرب المقربين اليه من رجالات قائمته الفاشلين امثال وزير التجارة والتربية الذين اثبتو فشلهم واختلاسهم وهو يغلس عنهم !!. على العكس تجاهل اي نقد يوجه ضد حكومته وتباهر بالنجاح في البصرة لكن تجاهل محاربة الارهاب في الموصل . لان مدينة الموصل ليست شيعية وليس له نفوذ فيها . 

 

لذا تزداد المخاوف بين صفوف السنة، ويخشون من أن ائتلافا بين الأحزاب الشيعية والكردية يمكن أن يهمشهم داخل الساحة السياسية مجددا. إنه حال حدوث ذلك، فسوف تحدث كارثة كبرى .  صوت الكثيرين من العلمانيين إلى العملية السياسية من أجل دعم علاوي، وإذا لم يشاركو في العلمية السياسية كثير من الناخبين لغير القوائم الطائفية سيشعر بالغضب، وسيعود العنف والارهاب والمواطن العراقي البسيط هو الضحية .

 

القائمة العراقية اثبتت جدارة بكسب اصوات مدينة تكريت مسقط رأس الدكتاتور المقبور صدام وانهزام التيار الديني البعثي المتطرف مقارنة مع انتخابات 2005 . وكان لطارق الهاشمي دورا كبيرا لابتعاده عن الاسلام المتطرف وانضمامه الى القائمة العراقية وتبنيه منهج العلمانية لادارة الحكومة اللاحقة . جاء هذا التحول لوعي الناس في هذه المنطقة متفهمين العراق يجب ان يكون موحدا بعيدا عن الطائفية التي دمرت البلد . ‘تتهم القائمة العراقية انها تتبنى منهج البعث وسيعود البعث الينا ثانية . انا اتفق مع هذا الرأي لكن يجب ان نرجع  ونفكر ثانية الاغلبية الساحقة من الشعب العراقي لاتتقبل البعثيين ولا الفكر القومي العربي المتعصب رغم تبجح عدد غير قليل من الكتاب العرب بالعروبية التي اوصلتنا الى هذا اليوم المأساوي على مستوى العراق ومستوى الدول العربية التي تعتمد على حكومات مستبدة قامعة للحريات وابسط حقوق مواطنيها . (اود ان اذكر لم انتخب القائمة العراقية) لكن يجب ان اقول الحقيقة  . بنفس الوقت لو فكر علاوي بلملمة ازلام النظام السابق الذين اياديهم ملوثة بدماء الشعب العراقي لم يغفر له الشعب العراقي لا الان ولا مستقبلا . فهل الدكتور علاوي بهذه السذاجة السياسية ليقدم بهذه الخطوة العرجاء ؟ 

 

اهم مايجب تشخيصه:

1-  البرلمان العراقي يجب ان يكون في داخله معارضة حقيقية قوية تعمل على مراقبة اداء الحكومة وتحارب الفساد الاداري والحزبي والمالي الذي يغرق به الان جهاز الدولة . هذا هو الاساس في التوجه الديمقراطي . وأكبر مثال امامنا الان داخل برلمان اقليم كردستان، تنهض المعارضة رغم انها لازالت في مرحلة النمو لكنها تلعب دورا فعالا واخذ برلمان اقليم كردستان يتوجه حقا نحو العملية الديمقراطية والشعب اخذ يفهم ابعاد الحكومة من هيمنة الاحزاب السياسية هو الحل الامثل لمصلحة المواطن في الاقليم لماذا لم نأخذ عبرة من المواطن العراقي نفسه وليس من تجارب الخارج .

 

2- غياب الثقة بين الكيانات السياسية حتى المتحالفة منها تعرقل العملية السياسية، العراق يحتاج الى مؤسسات مهنية عالية المستوى جريئة لتكون موجودة على الساحة السياسية وطنية بعيدة عن الاحزاب السياسية  تطرح وتدرس هذه المشكلة وتجمع الاطراف السياسية وتفضل مصلحة الوطن والشعب على المصالح الحزبية والذاتية والشخصية . نحتاج الى اداريين كفوءين يديرو جهاز الدولة بمهنية عالية بعيدة عن الحزبية والطائفية .

 

3- الان في العراق تغيب الاستقلالية القانونية والقضائية والسياسية . لو كانت السلطة القضائية قوية ومستقلة لكان وضع العراق السياسي افضل بكثير مما هو عليه .

 

4- يتزعم بعض السياسييون ان الظرف الحالي يحتم عدم وجود معارضة داخل البرلمان بل الشراكة الحكومية هي الارجح  . هذا غير صحيح وهو الانهزام من الديمقراطية، تعرف هذه الكتل ان المعارضة تهزمها وتفضح كل عيوبها وعلى رأسها الفساد بكل انواعه واشكاله . عدم وجود المعارضة معناه عدم وجود من يحاسب ويسأل عن الشفافية ويطرح البديل للمواطنين في حال فشل الحكومة وتعثر خططها وبرامجها. القوى المتنافسة  على الساحة السياسية الآن ترتعب من فقدان السلطة ولا تريد أن تتحول للمعارضة، لأن ذلك سيؤدي إلى اندثارها وتراجع نفوذها. وجود معارضة داخل البرلمان هو يعني مشاركة الجميع في القرار السياسي وفي الحكومة القادمة  وليس فقدان السلطة .

 

5- السلطات التنفيذية لاتحترم القانون ولا تلتزم بالدستور الان بل تلتزم بالتوجهات الحزبية والكثير منها قادم من الخارج بعيدا عن مصلحة البلد ومصلحة المواطن العراقي اللاحزبي .

 

6- حتى الآن كانت مفاوضات تشكيل الحكومة تجري في المنطقة الخضراء، لكنها باتت الآن تجرى في العواصم المجاورة وهذا خطأ تاريخي ستتحمله جميع الكتل الفائزة ان تشكيل الحكومة سيتم في العراق وليس في دول الجوار.

 

  7- عام 2011 للانسحاب الفعلي للولايات المتحدة يفتح قريحة الدول الجيران للتدخل ومد نفوذ كل دولة جارة اكثر وطموح اكثر بمد سياسة تلك الدولة المجاورة على حساب سيادة واستقلالية العراق ومصلحة المواطن العراقي، لكون موقع العراق في المعادلة الاقليمية يتوقف على طبيعة حكومته القادمة .

 

8-  العاصمة السعودية الرياض وطهران الايرانية  شهدت خلال الأيام القليلة الماضية، زيارات متتالية لقادة عراقيين من مختلف مكونات الشعب العراقي دون استثناء طرف على حساب طرف اخر . لكن هذه الزيارات كانت تتخللها مشاورات متعثرة بين الكتل السياسية المتصارعة على السلطة المقبلة .لذا ما يختاره العراقيون بطريقة ديمقراطية هو الحل الامثل دون تدخل دول الجوار او اطراف خارجية اي كانت .   

 

اواسط نيسان 2010

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1379 الاثنين 19/04/2010)

 

 

في المثقف اليوم