أقلام حرة

الكهرباء وأثرها في تحجيم الثقافة العراقية

 الثقافات وتيسير الوصول إلى المعلومة التي تغني البحث بل وتؤسس له وتفتح آفاقا واسعة أمام الكلمة لكي ترحل وتسافر بل تطير مثل الطيور الحرة إلى أماكن وأصقاع كان من العصي عليها الوصول إليها في السابق أو مجرد الحلم بالوصول إليها، ورحم الله سيدنا علي بن أبي طالب يوم زاره بعض الصحابة للحديث معه في موضوع شخصي فأطفأ الشمعة التي كانوا يستنيرون بها، فسألوه مندهشين :لماذا أطفأتها يا أبا الحسن؟ قال إنها من بيت مال المسلمين وتخص شؤون المسلمين وانتم جئتموني بأمر من أمور دنياكم لذا لا يجوز لنا الاستنارة بما هو ليس ملكا لنا! فالظاهر أن وزارة الكهرباء تؤمن أن الكهرباء لم تخلق لإسعاد الشعب ولذا يجب أن تطفأ لأن خزانة العراق تدفع أقيامها والعراقيون يتباحثون في أمورهم الشخصية فحسب. وقد تعودنا على سلسلة القطع المبرمج وغير المبرمج ورضينا بقرار الوزارة المنصف!!

لكن من أدمن مثلي الكتابة مباشرة على جهاز الحاسوب دون استخدام الورقة والقلم  يدرك بالتأكيد سبب العدوانية في هذا التساؤل  ومبررها،فالمعروف أن الفكرة مثل صاعقة البرق تقدح بسرعة وتختفي بسرعة وإذا لم تسجل وتوثق تهرب من الذاكرة بسرعة قدومها وومضها، وحينما ينشغل الكاتب بموضوع ما تتقاطر باقي الأفكار من الذاكرة المحشوة بالقصص والحوادث والأحداث والأساطير لتدعم الفكرة الأولى وتنضجها وتجعلها لائقة بالقبول، ولكن ما يحدث اليوم أن التيار الكهربائي تحول إلى ما يشبه الأضواء المرورية ينطفيء ويشتعل بالدقائق ومع كل انطفاء تنطفيء الفكرة التي لم تختمر بعد وتضيع إلى الأبد فيتحول الموضوع إلى مقاطع مبهمة لا رابط بينها بما يشوهه ويجعله غير أهل للقبول في مجتمع لا يعذر ولا يبحث عن الأعذار ولاسيما أن هنالك صرعا حقيقيا بين المثقفين وكل منهم يريد أن يقدم الأحسن والأجود ليحوز رضا الناس ويثبت جدارته.

ونتيجة هذا الفعل التخريبي آلى الكثير من الكتاب والباحثين ترك الكتابة وتطليقها طلاقا غير بائن لأنهم لا يريدون لصورتهم أن تهتز أمام من أدمنوا قراءة مواضيعهم واستحسنوها.

ومن هنا يأتي  دور الكهرباء في تحجيم الثقافة العراقية مثلما حجمت كافة حقوقنا الأخرى وأصبحت أصغر حتى من حجمها يوم لم يكن بالأمس للحجم من معنى!

ملاحظة: عند مباشرتي بكتابة هذا الموضوع الذي جاء بدافع الغضب من تأثير عدم استقرار الكهرباء على تكامل الأفكار والذي جعلني أترك العمل في كتابي الأخير، ذهبت الكهرباء وعادت أربع مرات في غضون نصف ساعة!!!

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1380 الثلاثاء 20/04/2010)

 

في المثقف اليوم