أقلام حرة

من يحدد هوية العراق؟

 سار عليه الشعب والدولة العراقية جراء عدم توافق مكونات الشعب العراقي بسبب وجود التوجهات المختلفة معتمدة على الاختلاف في تركيبة البنية الاساسية للبلد، وهذا ليس بذنبه لان الدولة اصلا نشات من دون ان يؤخذ براي الشعب العراقي ومكوناته. طيلة هذا التاريخ كان الصراع ناشئا عن محاولة جهة من فرض ما يؤمن به على الاخرو لم ينجح في ذلك، بل كل ما ادت هذه المحاولات في العمل على هذا المسارهو الدمار والقمع والقتل الدائم ولم يثمر شيئا.

 الخطا الكبير من الاساس والذي بني عليه البلد هو الاستناد على المحيط العربي وعدم الاكتراث بطموحات وخصوصيات المكونات الاخرى، وحتى لم يحسب الحساب للعقيدة والوضع الاجتماعي العام والاختلافات الموجودة بين تركيبة المكون العربي العراقي ايضا، وكان الدور الحاسم للدولة المستعمرة وما تفرضها مصالحها الاستراتيجية في تثبيت هذا التوجه وحتما يحصل ما حصل  ونتج عن ما فرض الماسي للشعب العراقي جميعا.

 الامر المثبط لعزيمة افراد الشعب هو عدم احترام الاختلافات ومحاولة فرض هوية معينة على الجميع دون الاهتمام بخصوصيات المجتمع وما يمتلك من التعددية من جميع الجوانب، ونجح هذا الامر بهذا التوجه لحد ما ولكن بشكل سطحي ولكن من دفع الضريبة هو الشعب بكافة مكوناته، وكان الدافع الرئيسي لهذا الهدف هو الوضع الفكري العقيدي الايديولوجي لهذه المنطقة وسيطرة التوجه القومي لحد الشوفينية طيلة عقود مضت، وكانت المحصلة النهائية لما يجب ان تكون عليه دول المنطقة لصالح القوى العظمى ومن ثم تداعيات الحرب الباردة والصراعات هي التي اثبتت نفسها وازاحت طموحات شعوب المنطقة ومنها الشعب العراقي .

المعلوم في هذا الشان ان العراق لم يعرٌف نفسه ولم يوضح هويته بقناعة جميع المكونات لحد اليوم، وهذا اصل المسالة وما يدفع الصراعات الى الاحتدام وتُخترق الخطوط الحمر ويصعب الامور كافة والوضع السياسي للبلد بشكل خاص هو عدم قراءة واقع الشعب وطبيعة مكوناته بشكل علمي دقيق وضمان ما يعبر عن طموحاتهم.

على الرغم من طول مرحلة محاولة الحكومات المتعاقبة في فرض الهوية الواحدة فوقيا الا انه بسقوط الدكتاتورية تهاوت تلك الصروح التي بنتها العقيدة والفكر القومي المتشدد في خياله وفي لمحة بصر، واعيدت الاوضاع الى ما كانت وما تفرضه طبيعة المجتمع الاصلية والالتزامات التي تفرضها الخصوصيات والاختلافات الكثيرة في البنية والشكل.

 هذا الصراع وما تخللته الاحتدامت الدموية وما استغل من قبل المتشددين والارهابيين جعل من كل طرف ان يعمل على تثبيت ما يؤمن به، وهو يعتقد انه صراع الوجود وبقاء الهوية الذاتية، وما عقد الوضع هو التدخل الخارجي من جميع النواحي والاطراف سوى كانت مذهبية ام قومية واخرى عالمية تعتقد ان العولمة والحداثة هي التي يجب ان تفرض نفسها وتتجاوز القيم والاعتقادات الي مر عليها الزمن، والدلائل كثيرة وما نحن فيه من حال والصراعات وتعقيدات تشكيل الحكومة والتدخلات في دعم واسناد الكتل حسب المصالح من ابرز ما يثبت كلامنا على محاولة اي طرف فرض هويته التي رسمتها مصالحه وهو يريد ان يلبسها للشعب وكانه يفصل ويصمم ثوبا دون اي اعتبار لعقلية ومطالب وتاريخ مكونات الشعب كافة، والى جانب هذا التوجه هناك اصرار على تهميش مكونات اخرى ومحاولة اعادة الوضع الى ما كان عليه طيلة المراحل السابقة لكونه في صالح القوى الاقليمية وفي خدمة بقاء سلطات الدول جاثمين على صدور شعوبهم وخوفهم من ارادة وطموحات شعوبهم.

ما يصعب الامر في فرض التوجه والفكر الواحد هو عدم التشابه بين مكونات الشعب من حيث الترابط الاجتماعي والثقافي والعادات والتقاليد والصفات والحس النفسي المشترك في انتماء الفرد للتاريخ والتربة المشتركة بين المكونات العراق الرئيسية، وهذا بحد ذاته يُفشل كل المحاولات المغرضة  للانفراد والسيطر لطرف معين دون غيره،و ما يزيد الهشاشة والبعد بينهم هو ابراز الانتماءات القومية والمذهبية وعدم طرح اي مشروع مشترك للتقارب، لا اعلم ان كان هذا لصالح الشعب العراقي ام لا وهذا ما يكشفه المستقبل القريب ربما يكون الضارة النافعة، لا بل على العكس من ذلك فان التدخلات الخارجية الكبيرة ازدادت من الفاصلة واحدثت قنوات عميقة واجرت الدماء فيها ودعت عدم الاطمئنان وانعدام الثقة مسيطرة على عقول الشعب جميعا.

 اذن، مما سبق من طرح ماهو موجود على الارض بكل صراحة يدعنا ان نتذكر الماضي وما كنا فيه ونذكٌر الجميع بما نفيد ونعتبر منه وما نحن فيه الان، ونؤكد للجميع ان الصراع السياسي الذي يجري غير المبني على الواقع فلم يثمر شيئا ونحن في بداية بناء الدولة الحديثة، ويجب ان تكون مبنية على الاسس السليمة وبعقلية منفتحة قارئة للواقع وهادفة لضمان مستقبل آمن للجميع بعيدا عن المثاليات وما تنسجه الخيال، والعمل لخير ومصالح كافة المكونات بالعدالة، والا  كل الاحتمالات واردة للعودة الى المربع الاول، والفوضى ممكنة الحصول ولم يتضرر منها الا ابناء الشعب العراقي انفسهم.

 لذا الهوية التي يجب ان يصر عليها الجميع ويعقد العزم على بيانها وتوضيحها هي الاستناد على الركائز الداخلية وما يتمتع به الشعب، ويجب على المكونات كافة قراءة المرحلة وما فيها وايجاد الطريقة المشتركة بالمفاهيم الحديثة لضمان العيش الرغيد للفرد العراقي. الشعب اعلم من غيره بامور نفسه وهو من يعلم ان يضمد جرحه ويخطوا لبناء بلد ويرضي الجميع وبهوية حاملة لخصوصيات  الكل دون فرض ماهو الفوقي ومستورد، ولكنه يحتاج الى تنظيم الذات وبمساعدة عقليات النخبة . 

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1383 الجمعة 23/04/2010)

 

 

 

في المثقف اليوم