أقلام حرة

لمناسبة فوز (الشرقية) بالاستفتاء .. تبيان موقف

 (أرجو أن تتسع شاشة الشرقية لذكر ما عليها من سلبيات) ولا أدري ما اذا كان وقت البرنامج انتهى، وكنت المتحدث الأخير، أم لأمر آخر يتفدى تبياني لما على الشرقية من سلبيات.. وهو موقف أزعجني جدا.

 سآتي على أهم ايجابياتها فاقول ان أية قناة فضائية تتحدد كفاءتها بالعقل الذي يديرها سواء كان شخصا واحدا او هيأة او مجلس أمناء. والشرقية يديرها السيد سعد البزاز، وسأقول شيئا بحق هذا الرجل، وهو ليس بصاحب فضل عليّ (والله لا يعوزني له ولا للحكومة).

 بحدود منتصف السبعينات جاء سعد البزاز الى تلفزيون بغداد نقلا من تلفزيون الموصل، وكنت وقتها أعمل مقدّم برامج ثقافية بالقسم الذي يرأسه الشاعر حسب الشيخ جعفر. كان يحمل طموحا اعلاميا، وتدرج من معد ومقدّم برامج الى مدير عام الاذاعة والتلفزيون.. الى رئيس تحرير جريدة (الجمهورية) الى نشاطه الثقافي في الكويت ثم في لندن.. الى اصداره لجريدة (الزمان).. الى تأسيسه قناة (الشرقيه). هذا يعني أنه يمتلك خبرة صحفية واذاعية وتلفزيونية عمرها أربعون سنة.. وصاحبها ذكي (وفاهم الشغلة وأبن كار). واليك مثالا عن ذكائه وفهمه لحرفية الأعلام وفنونه، في تعامله مع الحدث الأخير.. (السجون السرية). فقد بثه أولا خبرا تفرّد به بوصفه موضوعا خطيرا، وكان يعرف مقدما أمرين: أن الأجزهة الاعلامية المحسوبة على الحكومة ستسارع الى تكذيب الخبر، وأن الناس سينقسمون على ثلاثة أنواع:مصدّقون، ومشككون، ومكذّبون.. وتركهم يتفرج على ما احدثه من ضجّة الى أن حانت اللحظة المناسبة التي قدّم فيها الصور والتسجيلات الصوتية.. فورّط الاجهزة الاعلامية التي سارعت الى تكذيب الخبروجعلها في موقف محرج، وازدادت مساحة المصدقين بالشرقية، وصار المشككون بها والمكذبون لها يرددون (يابه والله الشرقية تحجي صدك- صدقا). وهذا الذي نقصده بكفاءة العقل الاعلامي الذي يدير القناة، بعكس قنوات عراقية أخرى معظم القائمين عليها طارئين على الاعلام، باستثناء قلّة منهم. فضلا عن تمتع الشرقية بالسبق الاعلامي.. ويبدو أن لها مصادرعالية المستوى حتى بداخل الحكومة!.. وتلك قدرة كبيرة امتاز بها السيد سعد البزاز.. ولست معنيا بما يقوله منافسوه من الاعلاميين وان كان بعضه صحيحا. فله يحسب أنه انشق على النظام وهاجمه اعلاميا. فحين كنت استاذا زائرا بجامعة صنعاء عام 98 وجدت كتابه (الجنرالات آخر من يعلم) فجلبته معي بعد ان نزعت غلافه وأعطيته لمن اثق بهم ليقرأوه. وهنالك اعلاميون كبار يمتلكون خبرة غنية فرّطنا بهم مثل الاذاعي والاعلامي القدير ابراهيم الزبيدي.. وليس هذا موضوعنا فله حديث آخر.

 

 وكفاءة الشرقية تتجلى بكوادرها ايضا وأهمها أن يحسن المذيع ومقدّم البرامج اللغة العربية نطقا ونحوا.. وهذه متوافرة الى حد كبير في الشرقية وبائسة الى حد كبير في فضائيات أخرى لدرجة أن كثيرين بينهم لا يفرّق بين أسم كان وخبرها.

 أذكر في بداية السبعينيات أن اذاعة بغداد اعلنت عن حاجتها لمذيعين ومذيعات فتقدم أكثر من ألف خضعوا لاختبار أمام لجنة أحد أعضائها مدير برامج اذاعة صوت العرب الاعلامي المصري الكبير سعد لبيب، نجح منهم عشرة فقط.. أدخلونا في دورة اذاعية لثلاثة أشهر تعلمنا فيها قواعد اللغة، درسّنا في حينها مالك المطلبي، وسلامة نطق الحرف وفن النطق، دربّنا عليه الفنان بدري حسون فريد.. لا كما يجري الآن، يأتون به، بها، من البيت الى الاستديو مباشرة، فتكره أن تتابع ما تسمع وترى حين يبدأ " المذيع!" (يجفّص) باللغة ويبلع حروفا ويسيء نطق أخرى.

 ويحسب للشرقية انها اهتمت بالناس وصورت عوائل تسكن بداخل سيارات (تنك).. اتذكر مشهدا عرضته لعائلة تسكن في سيارة (ريم) مزنجره.. ازالت كراسيها واتخذتها بيتا لها!. وانها ساعدت الناس ماديا وبنت بيوتا لفقراء ومتضررين. والشرقية احتضنت الدراما التلفزيونية العراقية ورعت جمهورا كبيرا من الفنانين والفنانات لولاها لتركوا الفن وراحوا يبحثون عن وسيلة عيش أخرى قد تكون سائق تكسي أو بائع خضرة!. صحيح أنها قدمت مسلسلات هابطة، المصروف عليها اكثر من القيمة التي تقدمها، لكنها قدمت بالمقابل مسلسلات جيدة مثل (الباشا) مع ما عليه من نقد. ولهذا فاللشرقية فضل استمرارية الفن الدرامي التلفزيوني ورعاية الفنان العراقي، وهما مهمتان كان يجب ان تنهض بهما الحكومة قبل الشرقية.

 نأتي الآن الى السلبيات فنقول :ان طرح الشرقية للأحداث وصياغتها للخبر فيه حدّة واستثارة غير مبررة قابلة لأن تفسّر بأنها طائفية وفيها نفس بعثي. بمعنى أن الشيعي المتطّرف.. المتعصب، والشيعي الطائفي من داخل الحكومة يفسران هذا الطرح بهذا الاتجاه. وهذا وارد ندلل عليه بالمثال الآتي: قبيل الانتخابات، كانت تتعمد الشرقية اظهار العلم العراقي (*) القديم بنجماته الثلاث في الدعايات الانتخابية، الذي وصم بأنه علم البعث وصدّام. وقد تردّ الشرقية بأن العلم الجديد صدر بقرار رسمي وليس بتصويت شعبي، وردّها صحيح ولكن كان عليها ان تتفادى ذلك بأن لا تظهر كلا العلمين في الأقل، لا ان توحي للآخرين بأنها متعاطفة مع البعثيين الذي يعني ضمنا أنها طائفية ايضا في منظورهم، سيما وأن هنالك حساسية من الشرقية لدى أطراف حكومية وسياسية وشرائح شعبية. فمع أن قناة البغدادية تطرح برامج قوية في نقدها للحكومة وخاصة برنامج الاعلامي المتميز السيد عبد الحميد الصائح الذي يتناول قضايا بعضها ( اتدك بالعظم ) لكنها لا تثير نفس الحساسية التي تثيرها الشرقية، وقل الشيء نفسه عن قناة ( السومرية ) التي تقدم برامج قوية ايضا، ولا نشير الى (الحرّة) لكونها برعاية أمريكية.

  ويعدّ التركيز على الجوانب السلبية أهم مأخذ على الشرقية. فهي تطرح الخبر المثير بصيغة التهويل والتضخيم المبالغ فيه، مما يفسر كما لو أنها تتصيد هذه الأحداث وأنها (تهلهل) حين يحصل انفجار مثلا فتهرع الى مكان الحدث وتلتقي بهذا وذاك لاسيما الذين يتكلمون على الحكومة، مما يوحي بأنها تريد ادانة الحكومة فيما يجب ان تكون الأدانة موجهة لمن قام بهذا العمل الاجرامي. فضلا عن ان هذا يعني سيكولوجيا تعزيز نظرة التشاؤم وتصوير الحال كما لو كان ميؤسا منه، ويعني سياسيا افشال الديمقراطية والعودة اما الى الدكتاتورية او الاحتراب الطائفي.

 ومع ان التركيز على الجوانب السلبية مطلوب بهدف تقويمها، فأن التركيز على الجوانب الايجابية مطلوب ايضا بهدف تعزيزها، وأن على الشرقية أن توازن في هذه الحيادية، وأن تحتضن التجربة العراقية بوصفها أول تجربة ديمقراطية عربية. وأن يكون لها صوت يمثل الهوية العراقية، فالقنوات الفضائية العراقية الجديدة يتوزع أغلبها بين حزبية وطائفية وقومية ودينية، تسهم من حيث لا تدري بتغذية التعصب بانواعه.. الذي هو مصدر الشرّ وما أصاب العراقيين من فواجع بعد التغيّر.

 

........................

(*) عن العلم العراقي.

تشكلت قبل سنتين هيأة محكمين من مثقفي العراق لاختيار علم جديد للعراق من بين اكثر من 600 تصميما تقدم بها فنانون عراقيون وناس عاديون. وبعد ستة أيام من العمل المتعب تم اختيار ثلاثة تصاميم اولى وثلاثة ثانية اخذتها اللجنة المشكلة من البرلمان لهذا الغرض برئاسة البرلماني السابق السيد مفيد الجزائري، وحصل أن البرلمان لم يوافق عليها كلها! مع انها جميلة وجاء انتقاؤها مدروسا، وكان علم الجمهورية الأول أحدها.. واحتفظ بصور لهذه النماذج بوصفي أحد المحكمين بعد ان حافظنا على سريتها لأكثر من سنتين، وسأنشرها لاحقا.

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1383 الجمعة 23/04/2010)

 

في المثقف اليوم