أقلام حرة

كيف نغلق طريق الفساد المستشري في العراق؟

مهما كانت اعمدتها واسنادها والمنتفعين منها والمحافظين على ادامتها، ان لم تكن اصلا مترسخا واصيلا ونابعا من الظروف الذاتية التي ولدتها فسيكون مصيرها الفناء ولو بعد حين. من هذا المنطلق يمكن ان نحلل ونستقرا الواقع والمستقبل العراقي وما يشغل الناس في الوقت الحاضر من عدم الاستقرار والقلق الدائم. وما يهمنا هنا والذي يغطي على الامور الاخرى هو الفساد وتداعياته وكيفية توغله في كافة مفاصل الحياة العامة للشعب العراقي .

لم نلق احدا  الا وينتقد الوضع القائم ويصفه بالالفاظ المختلفة وينعته كما يشاء، وفي بداية كل حديثه يعلن عن سيطرة الفساد على مفاصل الحياة ويدعي بانه هو الذي يشل الحركة للمجتمع والسلطة على حد سواء، اي الجميع ينعت الاخر وينكر، ولم نعرف من هو هذا المقابل الفاسد لنفرقه عن النزيه وفق معيار النزاهة المعلومة لدينا. هذه الظاهرة الخطيرة لم تنفلق في لمحة بصر وكأنها من صنع هذه المرحلة، والسبب الوحيد هو الوضع السياسي وغض الطرف عن الواقع الاجتماعي والانساني والثقافي والانساني بشكل عام عبر التاريخ، وان تخفف الحالة في بعض المراحل نتيجة اما التعتيم او اتباع السرية على اقل تقدير في ممارسة الفساد ، او عن طريق الضغوطات والعقوبات الصارمة التي فرضت من دون اية تعبئة او تثقيف لبيان سوء الحالة واضرارها ربما اخفت الفساد عن الاعين فقط ولم ينهيه .

لماذا لم يطرح هذا الموضوع طيل التاريخ وكانه من صنع هذه المرحلة فقط، والمعلوم ان بذرة الفساد منبوتة في عقلية الانسان منذ الازل كما يذكرها كل الاعراف والاديان والروايات،   وهو ناشيء جراء الضغوطات الطموحات والغرائز وما يتوارثها الانسان وحبه للتملك والسيطرة والاستعلاء كعوامل رئيسية لاقدامه على هذه الطريق واستغلاله اية فرصة من اجل المصالح الشخصية والملذات والرفاهية المكتسبة باية وسيلة تضمن له الاستمتاع به.

من دون اي شك، ان كان الهدف الرئيسي لاي فرد هو التلهف والتلهث والتهافت من اجل الوصول الى الرفاهية والفوز بالملذة في الحياة دون اي رادع فكري او عقيدي او مبدئي يذكر، فهذا يسهل عليه الغوص في عالم الفساد دون تردد. من التناقضات التي تظهر الى العيان والمفارقات التي نلمسها في هذا الجانب بالذات وعبر التاريخ وكما توسعت في الفترة الحالية هو وجود الفساد المزمن بين من يعتبرون انفسهم من المبدئيين وحامي حمى الارض والشرف والقدسية الدينية والمذهبية والعرقية والفكرية والمنظرين والسياسيين كما هو حال المواطن البسيط على حد سواء، والذي من المتوقع ان يكون الفساد منتشرا بينهم هم من المصلحيين والانتهازيين والبعيدين عن الالتزام بالمباديء والمصالح العامة، والمخيف في المرحلة الحالية انه يشمل الجميع دون استثناء.

للبحث في طبيعة الدولة العراقية وبيان وجود الثغرات والفجوات الكبيرة التي تمنح هذه النفسيات الدخول منها لتحقيق مرامهم والوصول الى غيهم، يجب ان نضع امام اعيننا التاريخ المعقد للعراق من كافة الجوانب ومدى تجسيد روح المواطنة والالتزام بالوطن ووحدة الصف للمكونات والاعتماد على تنفيذ القوانين المعنية، وانخفاض مستوى العدالة الاجتماعية والمساواة كاهم الدوافع الموضوعية لتوجه الفرد بهذا الاتجاه.

من الواضح ايضا، ان النظام الذي يستند على القمع والشمولية يدفع بالمواطن الى ممارسة كافة الحيل ويطرق كافة الابواب من اجل مصالحه، وهنا لا يمكن حصر العملية بالفساد المالي فقط، بل الاستاثار بالمناصب واستغلال المواقع لاي هدف كما هو حال العراق الان يعتبر في قمة الفساد الذي يؤذي المواطن وحياته باستمرار .

اما المراد من الجميع  هو التعاون في سبيل غلق هذه الطريق او على الاقل اعادة التنظيم للذات والنفس سوى كان للفرد او المجتمع بالتعبئة والتعليم والتثقيف، ويتم ذلك بوسائل وسبل عدة، الاستناد الكلي على الديموقراطية الحقيقية كمفهوم والتعددية والتوجه وتوجيه البلد نحو المؤسساتية مع الاحترام والالتزام بالقوانين والاعتبار لهيبة البلد واعلاء شانه في المحافل الدولية لزرع بذرة المحبة في قلب اي فرد تجاه البلد كما هو حال المواطن البسيط في الدول المتقدمة، وهذه عملية طويلة دائمية لا تحدث في لحظة ما وانما تكون متداخلة مع مسيرة بناء الدولة على الاسس السليمة، وضمان الامن والاستقرار وعدم العودة الى سلبيات التاريخ والاصرار على المصالحة وابعاد التخوف من الماضي والحاضر والمستقبل عن فكر كافة المواطنين، من المتطلبات الضرورية لمحاربة الفساد قبل اي شيء اخر.

ضمان توزيع الثروات بالتساوي بين المكونات وتامين حياة الجميع ومحاربة البطالة من العوامل المانعة للفساد بشكل قاطع. اما سد واغلاق الطريق بشكل نهائي سيبدا بترسيخ الوضع النهائي للعملية الديموقراطية وفصل السلطات والاعتماد على المؤسساتية واعلاء شان القانون واحترام الدستور من قبل الجميع واستقرار الاوضاع الامنية ورفع المستوى الاقتصادي ودخل الفرد ومحاولة ازالة ترسبات التاريخ واتباع الطرق العلمية وضمان الخدمات العامة كاسباب رئيسية لدحر الفساد وقطع دابره.

  

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1384 السبت 24/04/2010)

 

 

في المثقف اليوم