أقلام حرة

في مثل هذه الظروف، من يفكر بالطبقة الكادحة في العراق؟

وتاريخه وطبيعته الاجتماعية والعلاقات المترسخة بين ابناءه والظروف الاقتصادية والروابط المختلفة التي تربط المجتمع العراقي وتقسيماته، والسؤال الرئيسي الهام الذي يقف امامه الجميع وما يبرز منه الفروع، هل نضجت الطبقة العاملة وبرزت خصائصها ويمكن تميزها عن الاخرين، وما هي سماتها والعقبات الطبيعية والمصطنعة امام مسيرتها، ولِما لم تثبت وجودها لحد اليوم كي تكون لها الكلمة الفصل في تحقيق اهدافها والحصول على ثمار كفاحها الطويل والذي لم يثمر ما كان المنتظر منه، وما هي العوامل التي ادت الى التعتيم على هذه الطبقة التي كانت موجودة على ارض الواقع، وما الاسباب التي ادت الى عدم توحدها واصطفافها الصحيح كما هو حال الاخرين في جميع انحاء العالم.

 ان كانت المقاييس العلمية الاجتماعية التاريخية تدلنا الى ان الطبقة العاملة ظهرت بعد الثورة الصناعية في العالم، فلم تمر العديد من الدول بهذا النوع من الثورات ولم تتاثر بالتطورات والتغييرات التي حدثت بشكل مباشر في هذه الطبقة، الا ان اليسارية كفكر ونظرية عامة مدافعة صلبة لحقوق هذه الطبقة غطت على مسيرة عقود من تاريخ العديد من البلدان، ومنها العراق الذي كان الوضع السياسي فيه تحت رحمة هذا الفكر والفلسفة والايديولوجيا لعقود طويلة، على الرغم من عدم تسلمهم السلطة للظروف الموضوعية التي مر بها العراق وعلاقاته وروابطه الدولية .

 اما على ارض الواقع وكولادة طبيعية لهذه الطبقة من رحم التطورات العامة للمجتمع وفي ظل توفر المستلزمات والركائز المطلوبة، لم نلمس وجود طبقة او شريحة العمال والتي لهم المميزات الخاصة بعيدة عن التحزب ومتطلبات الايديولوجيا والمصالح . وهذا لاسباب وعوامل عدة منها وفي مقدمتها عدم انبثاق الثورة الصناعية هنا كي تكون دافعا وارضية ملائمة لبروز الطبقة العاملة مثبتة لنفسها، ولم يلمس احد خلال هذه السنين ما يمكن ان نسميه البنية التحتية من المعامل والمصانع الكبرى التي تدفع العمال للتراصف والتوحد من اجل انجاز مهامهم وتحقيق اهدافهم وتغيير مسار التاريخ لصالحهم بقوة عملهم كما حدث في العالم.

لقد حدثت الثورة الصناعية منتصف القرن السابع عشر في اوربا وانتصرت، وكان لها الدور الاكبر في التغييرات السياسية الاجتماعية الاقتصادية الثقافية، وانتقلت شرارتها الى العديد من المناطق الاخرى، وتاثرت قارات وهزت البلدان، وكما وصلت الى القمة في 1 مايس 1886و عند احتجاجات عمال شيكاغو وانتفاضتهم، بعد اعتصامات وتظاهرات ووحدوا صفوفهم لمطالبة الحقوق البدائية لهم وغدرت بهم الطبقة البرجوازية، واصبحت هذه العملية رمزا لحركة العمال في جميع انحاء العالم وهو يحتفل به كل عام.

و هذا لا يعني عدم وجود العمال والطبقة الكادحة عبر التاريخ قبل هذا اليوم، لا بل مآثرهم ونتاج ايديهم يدلنا على انهم في طليعة بناء الصروح المهمة في العالم والتي يفتخر بها السلطات والشعوب لحد اليوم، من ينظر الى اهرام مصر والجنائن المعلقة في بابل وسور الصين العظيم وصرح جمشيد في ايران وتاج محل في هند ومعابد المسيحية والاسلامية واليهودية وملايين القصور والمباني العالية والاثار التاريخية المرسومة والمنقوشة بقوة العضلات للايدي العاملة عبر التاريخ، تعبر عن اهمية هذه الطبقة في كل زمان ومكان.

اعتبار الاول من مايس هو عيد للعمال لا يعني عدم وجود احداث مثيلة او اقوى قبل هذا التاريخ، والتي كانت تعبر عن اعتراضات هذه الطبقة، ولكن كما هو المعلوم في التاريخ فليس بشرط ان يترسخ اي شيء ان يكون دقيق لما يعبر عنه، وكما هو حال العديد من المناسبات. وهناك عوامل اخرى تتحكم بفحوى هذه الامور ومنها الظروف الدولية والسلطة والقوة، لا بل التاريخ يدلنا على العديد من الثورات الدموية لهذه الطبقة ومحاولاتهم رد الظلم والقهر ووقوفهم بوجه السلطات التي حكمت بقوة فيالمراحل العديدة من التاريخ في جميع انحاء العالم.

و هذا يعبر عن ان الظلم والقمع والاستعباد ليس بشرط ان يكون داخل المصانع والمعامل فقط، بل يحدث في اي موقع عمل مهما كانت مساحته او نتاجاته او صفات اصحابه والعاملين فيه.

 في مثل هذه الظروف التي يمر بها العراق، والوضع الاقتصادي والاجتماعي المعروف وطبيعة المجتمع ومستوى دخل الافراد والنسبة الكبيرة من البطالة وعدد الفقراء والمستضعفين، وفي ظل انعدام الخدمات العامة وتدني الوضع المعيشي للاكثرية، وانعدام المعامل والمصانع الكبرى، وتوقف الاكثرية الغالبة من المعامل الصغرى عن العمل، ورخص الايدي العاملة وعدم ضمان وتامين حياتهم باي شكل كان، الم يحن الوقت ان يبعد الجميع عن الافكار والعقائد التي يتمسك بها وهي لغير صالحه، ويهتم بمصيره ومصالحه بعيدا عن المثاليات والوسائل الخرافية المؤدية الى تفرقتهم وهشاشة صفوفهم وتوزيعم على التيارات والتجمعات التي اخر ما يهمها هو مستقبل هذه الطبقات والشرائح، وعلى المهتمين والنخبة الاهتمام بتعبئتهم بطرق سليمة وبافكار واقعية، وتوضيح مهامهم واهدافهم بعيدا عن الخيال والتمنيات والغيبيات.

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1389 الخميس 29/04/2010)

 

 

في المثقف اليوم