أقلام حرة

تكريس التقسيم والانقسام ... حلم أمريكي

أفغانستان والعراق ومندوب واشنطن في الأمم المتحدة، دعا فيه واشنطن إلى حث كتلتي نوري المالكي وأياد علاوي للعمل سوية وتقاسم السلطة وفق إي صيغة ممكنة مقترحا تقسيما زمنيا لرئاسة الوزراء بينهما. وأقترح في هذا الإطار أن يجري الاتفاق مثلا على "أن يكون كل واحد منها رئيسا للوزراء لعامين فيما يكون الآخر نائبا له" خلال تلك الفترة.) إلى هنا ينتهي التعليق ولنا وقفة مع هذا الموقف الذي نراه ليس غريبا على عراب السياسة الأمريكية واحد صقورها البارعين والمتنفذين  والمؤثرين على سلطة القرار الأمريكي بل والمساهمين الناشطين في صنع القرار فما حدث ويحدث في العراق منذ 2003 ولغاية اليوم  كان بفعل وتخطيط السياسة الأمريكية والهدف منه الوصول إلى مرحلة الترسيم النهائي لسياسة عراقية ثابتة تتواءم مع المخطط الأمريكي حرفيا.

عملية الوصول لهذه المرحلة ليست بالأمر الهين البسيط وكان يجب أن تمر بكل تلك المراحل التي مرت بها بما فيها الأزمات التي أوصلت البلد إلى حافة الحرب الأهلية وعمليات الذبح والقتل على الهوية والتهجير والفرز الطائفي والاثني.

الفوضى الخلاقة التي بثتها القوات الأمريكية ساعة دخولها العراق وتشجيعها على مهاجمة الرعاع للدوائر الأمنية والعسكرية وسرقة الوثائق والملفات والأسلحة كانت جزء من هذا المخطط الشيطاني.

العملية الديمقراطية وتشجيع الأمريكان للأطراف كافة للدخول فيها كانت جزء مهما آخر.

دعم القوات الأمريكية لجهات محددة مشهورة بمعارضتها للعملية الديمقراطية بالمال والدعم اللوجستي وقيامها بالدخول عنوة إلى مراكز الشرطة والسجون وإطلاق سراح المجرمين الإرهابيين الخطرين كان بدوره جزء من هذا المخطط.

التلميح بين فينة وأخرى بوجود قيادة ظل تتألف من أشخاص أمريكيين من أصول عراقية معدين إعدادا جيدا ولهم قدرة حل مشاكل وإشكالات العراق بعصا سحرية وطرح أسماء محددة بصفتها مرشحة لرئاسة الجمهورية أو رئاسة مجلس الوزراء ثم التعتيم على الأخبار كان أيضا احد أجزاء المخطط المؤامرة.

وكان حل الجيش العراقي البطل والدوائر الأمنية التي كانت متكاملة من حيث الإعداد والتدريب والإمكانيات بما أهلها لارتكاب بعض الأعمال (القذرة) في اشد الأماكن حماية وحصانة، كان ذلك الفعل المتمم لكل تفرعات المشروع التخريبي الأمريكي.

وضمن هذا السياق التخطيطي تأتي دعوة زلماي خليل الذي لم تنقطع علاقته بالعراق بعد خروجه منه كما يعتقد البعض لتؤكد أن المخطط لا زال قائما وان بعض بنوده لا زالت تنتظر دورها للتفعيل على الساحة العراقية أما نوع هذه البنود وحجمها وصيغتها فلا يعرفه سوى الأمريكان أنفسهم وقد تكون دعوته لمقاسمة السلطة جزء منها فهي لم تأت كحل لمشكلة بل جاءت لتخلق مشكلة كبرى بلا حل لأن الأمريكان قبل غيرهم يعرفون أن الأطروحات والأفكار التي يحملها المالكي تختلف كثيرا عن التي يحملها علاوي وبالتالي لا يمكن لهما أن يتوافقا على أمر ما مهما كان بسيطا وسيسبب هذا الاختلاف مشاكل كبرى للسياسة العراقية وطريقة إدارة البلاد ويقود العراق إلى حالة من الفوضى المرعبة والمدمرة ليتحقق مشروع (الانقلاب / الحرب الأهلية / التقسيم والتفتيت / ضياع العراق كليا) الذي تكلمنا عنه في موضوع سابق بعنوان (جمهوريات العراق السبع) وتخرصات العقيد الأمريكي المتقاعد جيري أندرسون (Gary Anderson ) 

 وعليه أرى أن هذا المقترح لن يلق قبولا لديهما كلاهما ولكنهما لن يتسرعا بإعلان رفضهما له لأن الفشل مهما كان نوعه سوف يعصب برأس أول الرافضين ويتم تحميله النتائج المترتبة على هذا الرفض بما فيها إمكانية عودة العنف بشكل أو بآخر، وكردة فعل ستقوم القوات والحكومة الأمريكية بدعم الطرف الذي يقبل أو يسكت أو لا يرفض المقترح على اعتبار أنه الأكثر حرصا على مصلحة العراق. ولما كانت التوقعات الأولية تشير إلى أن المالكي لن يقبل بمثل هذا الحل الأعرج وأمريكا بالذات تعرف قبل غيرها هذه الحقيقة فإن هذا المقترح يعتبر من أخطر الفخاخ التي وضعت أمام العملية السياسية في العراق ومسألة تجاوزه تحتاج إلى روح وطنية عالية ليست موجودة لدى أكثر الأطراف المشاركة في العملية السياسية بما فيها الأطراف الكبيرة والمتنفذة

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1390 الجمعة 30/04/2010)

 

 

في المثقف اليوم