أقلام حرة

من يقدٌر الكتٌاب والادباء في حياتهم؟

 مواهبه وتوسيع مساحة معلوماته، ولا يصح ان نطلب الغاء وافناء ماموجود من الملذات الحياتية بعد التغييرات التي حصلت في هذا الجانب كما يطلب ماركيز دي ساد من اجل ترسيخ المساواة والعدالة بين الجميع، بل يمكن لاي منا ان يطلب امرا واقعيا ممكن التحقيق وهو توفير الوسائل اللازمة للحصول على الملذات والسعادة والرفاهية للجميع على حد سواء كي نقترب من المساواة والنسبة المرضية من العدالة الاجتماعية.

الجميع على علم بان الظروف العامة لحياة الشعوب تختلف من بلد لاخر وهذا بدوره ينطبق على مكونات الشعوب سوى كان مع الاخرين او ضمن تركيبة  واحدة ومساحة معينة للشعب ذاته، لا يمكن المقارنة بين الوضع المعيشي العام ودخل الفرد اي كان في الشرق الاوسط مع ما هو عليه الغرب او الدول المتقدمة، وهكذا لا يمكن ان نشبٌه حياة كاتب او اديب او شاعر او اي مبدع في اي اختصاص كان مع مثيلائهم في المناطق الاخرى في العالم من جميع النواحي. لو اخذنا اي كاتب وكم كان مبدعا وله امكانياته التي لا يضاهيها عليه احد في اي موقع اخر وهو يعيش في بلداننا منضوي في غرفته الخربة لبيت آيل الى السقوط وهو يصارع الموت ولم يقف عن التقديم والابتكار، ويعيش في شرقنا هذا، وهناك كاتب مريش يعيش في حال بذخ وابه ولديه كافة الوسائل المرفهة ويقدم ما لديه كيفما كان، ولكن وهو في وسط يُضخم له ما ينتج وحتى مبالغ فيه ويُظهر اكبر من حجمه ومحتواه ومضمونه  ويرفع له مَن شانه وان لم يكن يستحق ذلك من قبل المؤسسات والدولة ايضا، فمن منهم يتمكن من ان ينفع الجمع والقراء طبعا، فهنا القراء قليلون ومحصورون في شرائح معينة لانتشار الامية والجهل وهناك كثيرون من ابناء الشعب  مواضبون على الاستفادة وتنظيم حياتهم بسهولة .

اي ان هناك علاقة جدلية واسعة بين ما يملك الفرد من القدرات الفكرية والعقلية والموهبة مع الظروف العامة ومستوى معيشة المجتمع وثقافتهم ونظرتهم  الى الحياة واولوياتهم، لا يمكن لاي منا ان يطلب من عائلة غير قادرة على الحصول على رغيف الخبز ان يشتري كتابا ،ربما يقال ليس بالخبز وحده يحيى الانسان ولكن لا يمكن ان يحيى الانسان من دونه. هل سمع احدا هنا ان احدا من ان كاتبا اغتنى من واردات نتاجاته الكتابية فقط الا نادر وبالاخص في مطقتنا هنا، وعلى العكس تماما في الغرب.

لذا ،الواجب الوطني الهام يقع على عاتق السلطة ان تفكر في غذاء الروح والعقل ومستقبل الاجيال ومن له القدرة في توفير ما يستلزم الكاتب باحسن وجه، ولابد ان يُنصف في حياته وان يعيش على الاقل كمواطن بسيط يحس بانتمائه وله تقديره ومكانته بين ابناء المجتمع، فالتشجيع والتكريم والتقدير المعنوي والمادي يدعمه على الابداع اكثر.

ان كنا واقعيين، فلا يمكن ان نطلب ما هو خارج نطاق المعقول وندعي التغيير الجذري لحياة الشعب بين ليلة وضحاها او توفير ما يحتاجه الكاتب على حذافيره، ولسنا خياليين كي نرسم في اذهاننا وتصوراتنا ما لا يفبله العقل ولا يمكن تحقيقه، فلن نطلب الجنة لمن يقدم من زبدة عقله ما يفيد الاخرين وهو يستحق الاكثر، فالحياة تسير وتتقدم على ما تقدمه النخبة من الثمار والدوافع لتقدم البشرية الى الامام، ولا يمكن ان نعتقد بان الفرد العراقي يترك همومه وينصب في جل وقته على القراءة ، فالعقبات امامه لا تحصى ولا تعد. يمكن ان نتصور تغييرا تدريجيا بطيئا في طبيعة الانسان الشرقي، وما تفرضه الظروف الموضوعية قد تؤثر سلبا عليه في نفس الوقت، ويمكن ان تنقلب ايجابا هذه الظروف والمحن لو انعكست الاحوال وحدثت تغييرات سياسية اجتماعية اقتصادية نحو الاحسن،و كما معلوم عنه ان الكتاب يبدعون عند الصعوبات والظروف الضيقة .

و للكتاب والادباء انفسهم اراءا واضحة حول ما يجب ان يتوفر لديهم في حياتهم، ولم نلتقي يوما من يعيش منهم هنا ويتعايش مع الظروف الموجودة ويعاني من قسوة الحياة (لم ينبس ببنت شفة حول ما يعانيه من القسوة وضنك العيش لعزة نفسه التي يملكها اكثر من غيره)، وهو يطلب ان يعيش كما هو الاخرين وليس افضل واحسن منهم، لا بل نلمس التواضع والبساطة ملتزمة بهم وما يملكون من علو النفس لا ينافسهم عليه احد،هذا ما يتطابق مع صفات الاصلاء، الا ان  هناك استثناءا وشواذا ايضا هنا وهناك، وعلى الرغم من وجود من يمتلك الثقافة والامكانيات وله النتاجات من هؤلاء غير انهم يتنازلون عن مواقفهم في ابسط الامور، وهم من رحم اوضاعهم الذاتية ويعكسون مواقفهم وطبيعتهم ومن يمثلون من التاريخ العائلي والذاتي. ولا يمكن الحكم على الجميع بنفس القدر وقياسهم بنفس المعيار وهناك النسبية دائما. فهناك من ضحى بالكثير من اجل مواقفه وارائه ومبادئه وافكاره وعقائده، وهناك العكس ايضا من لم يملك شيئا من هذا القبيل ويحسب نفسه على الكتاب ويتنازل لابسط لذة في حياته اليومية.

لو لم نتحيز كثيرا للكتاب والادباء الذين يعيشون في منطقتنا ونقارنهم مع الموجودين في الغرب، يتبين لدينا مدى قدرة ما لدينا من الكتاب رغم صعوبة ظروفهم. فالنتاجات الاكثر جوهرية والاصالة والانسانية التوجه البعيد عن الدوافع المصلحية والمكتسبات المادية القحة تظهر هنا، ويستفيد منها الاخرون في كافة بقاع العالم وياخذون ما بداخله وفحواه لتطبيقه عندهم، كما نلمس هذا عبر التاريخ ان ثمرات الحضارات وابداعات العلماء والمفكرين اخذت بها الشعوب الاخرى وتغيرت مجرى حياتها ولم نستفد نحن اصحابها.

بعد قراءة ما يعيش فيه الكتاب وظروفهم في هذه المرحلة في العراق والمنطقة عموما، يجب ان نفكر في ما العمل لانقاذهم من محنتهم ، ويجب ان نبين للجميع كيق يقدٌر الكتاب والادباء والشعراء والفنانين في مثل واقع نعيشه نحن في المنطقة بشكل عام والعراق بشكل خاص.

يمكن الوقوف هنا والنظر الى الجوانب التي يمكن ان نتوجه اليها لعمل شيء ما بهذا الخصوص، فيمكن اتباع ثلاث اتجاهات وطرق من اجل ضمان حياة الكاتب وتقديره وتثمين نتاجاته، الواجب الكبير يقع على عاتق السلطة في هذه المرحلة، والوضع السياسي كما نعلمه على حال لا يمكن ان نتوقع الخير منه ، والجميع مشغول بامور لانعتقد بانهم يلتفتون ولو للحظات الى هذا الجانب في الوقت الحاضر على الاقل. الجهة الثانية التي يمكن ان تقدم ما يمكن ان نتفائل منه ولو قليلا هي المنظمات المدنية والاتحادات الحقيقية المنبثقة من ارادة الكتاب انفسهم وليس من صنع ايدي الجهات السياسية لاغراض اخرى وتستخدم كواجهة لهم وتعمل من اجل مصالحهم ولو بشكل غير مباشر. اما الاهم من جميع الجهات الاخرى هم الكتاب انفسهم ومدى ارتباطاتهم وتوجهاتهم ومدى توثيق علاقاتهم وتاثيراتهم على الراي العام واجبار الجهات الاخرى على سماعهم ورضوخهم لتحقيق اهدافهم العامة وضمان حياتهم الخاصة وتحسين ظروف معيشتهم. فالخطوة الرئيسية الفعالة والهامة تبدا بتعاون الكتاب انفسهم مع البعض وتنظيم امورهم وتوحيد جهودهم وجمع ما لديهم بالهمة المعلومة عندهم وبدء الضغوطات على المعنيين، وفي اي وقت كان سيعود اليهم بالمنفعة ويزيد من قدرتهم وامكانياتهم على النتاج المفيد وتعود هذه للصالح العام بشكل ايجابي .

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1390 الجمعة 30/04/2010)

 

في المثقف اليوم