أقلام حرة

الديمقراطية العراقية .. لعبة صنع صيني ..

عجائب فرح ومرح وسرور وعظمة... وعصرنا الحديث يشير الى أن العراق هو بلد المليون عجيبة وعجيبة...بلد الغرائب المرة والفظائع المهلكة .. بلد اللامعقول...فأذا سمعت بان واحد زائد واحد لا يساوي اثنان فاعلم انك في العراق. أذا أردت أن تعرف في أي بلد السيارات تترك الشارع لتتسابق في الساحات التي كانت خضراء والأرصفة اعلم أن ذلك في العراق أذا أردت أن تعرف معنى الألم المتبسم ستجده بالعراق... أذا أردت أن تعرف عظائم ظلم المتسلطين لشعب مسكين ستجد ذلك في العراق.... ان الشعب العراقي يلهث وراء الديمقراطية كانها العلاج السحري لكل همومه.. وما ديمقراطيتنا سوى لعبة طفل من صنع صيني تكسر قبل أن ينتهي يومها الأول..شعبنا يلهث وراء ديمقراطية العجب ليس كمكسب يستمتع به ويعيشه وإنما كلون جديد يراه .. ولعل اللون جديد يحمل معه الخلاص ..لان العراقي حتى اللون الجديد يعتبره متعة لشدة وطول فترة حرمانه...... شعبا تواق لمعرفة الديمقراطية التي سرقت منه قبل أن يدرك معناها... شعبا ينزف لكنه لا يستسلم ولا يقف عند حد الرغبة وإنما يتجاوز ذلك وفي ذلك أيضا عجب.. شعب المستحيلات .... شعبا يتكيف مع ظلم التدكتر مع الجفاف والقحط وحرارة الشمس ولا يستسلم أبدا كحقيقة وقراره وقبوله للحياة لما هو أمر وأصعب من الاستسلام... هل هذه هي الكبرياء وأخلاق رجال الصحراء ... خسائر متوالية ولازالت اللعبة قائمة .. شعبا يلعب لعبة غير متكافئة لعبة استهلاك الإنسان وكلما خسر أكثر ولد منه أكثر لا استسلام واللعبة قائمة وستبقى قائمة الى أن يشق ثوب الجزع ويولد فكر الخلاص الوطني... يبدو أن الأجيال لا تتوقف ولا تنتهي والطموح حقا مشروع للجميع... . والإنفاق المظلمة التي قدر أن يمر بها العراق إحدى اغرب وأصعب عجائب العصر الحديث.. يبدو أن الإنفاق المظلمة في العراق ما هي ألا مترو الم بطيء .. ولا ينتهي نفق مظلم ليرى العراقي النور ألا بكارثة وطنية وبيئية وإنسانية واجتماعية لتمهد الى نفق أكثر ألما وظلمة مما سبق...مسلسل مترو الإنفاق المظلمة العراقي لا ينتهي... فهل هو قدر أم استسلام أم ضعف وتخاذل وطني؟!!!!

 لماذا يتم نسيان الماضي لماذا الموجه تأتي لتزيح الظلم بظلم جديد وتزيح الكذب بكذب جديد وتزرع بذور أمل ميتة كرهنا الكاذبين فكيف نعرف الكاذبين الجدد ونميزهم عن الصادقين المخلصين هذه هي إشكالية الحياة المثالية التي يبدوا أنها خدعة بصر فكري لا غير .. وانخداع الشعب العراقي برجال الديمقراطية ما هو ألا خيبة عظمى .. ... شمس التغيير سرقت من أولى صباحات الحرية والديمقراطية الجديدة لعراقنا الجديد.. يبدوا أن الظلم أجاد اللعبة ولبس أثواب التدكتر وأثواب التدين وأثواب العمالة والخيانة وأثواب التناحر وأثواب المساومة .... نتسال هل من الممكن أن يمر شعب بما مر به العراق ويبقى يحتفظ بشيء من هويته وارثه وتاريخه وحضارته؟!! ..هناك تغرب وهناك نكران لسيرة الفخر الوطنية التي رفعت رايتها على ارض العراق في تاريخه الحديث ولمراحل مختلف أسماء وعناوين نضال مختلفة..والصراع قائم والظلم مستوطن يرفض أن يغادر .... أن سمة الصراع والاختلاف لها دورا كبيرا في صنع الحضارة في العالم القديم والحديث ...ولا توجد حضارة بدون خلاف بدون صراع وفكر ينشا من اختلافات رؤى.... لكن خلافتنا الم وتراجع خلافتنا وجع مستوطن وصراع مهلك... يستهلك مفردات الحضارة ويحيلها الى خراب...

هل ممكن أن يصدق عاقل بان أغنى الشعوب الأرض فقراء بلا مأوى جائعون يبحثون ما بين فتات الأمم والحضارات ما يسدون به رمق جوعهم المتعدد الوجوه .. ومن يصدق أن بلاد الرافدين دجلة والفرات يستجدون الماء من أهل الصحراء... ارض العراق التي كانت تعيش على خيراتها اغلب دولة المنطقة لا ينتجون غلة زراعية تكفيهم ... ويستوردون كل ما يحتاجون من الجوار الفقير بالأرض والمال والماء واليد العاملة... لماذا كل هذا القحط ما هذه اللعنة التي حلت على ارض العراق ؟!!... أين يوزرسيف ليقول لنا أن السنين العجاف على ارض العراق سبقت سنين الخير ووفرة المياه ..ولينبئنا بأنه ستأتي سنين نماء وخير وبناء ليزدهر العراق من جديد .. لننتظر تفسير يوزرسيف عساه يأتينا بخبر وتفسير مريح!! .. أم أن سنيننا القادمة كلها عجاف عجاف عجاف... هل ما يمر به العراقي كابوس سينتهي؟ ومتى ينتهي؟ بعد نهاية حياتنا والقضاء على أجيالنا؟!... ولماذا يتقبل العراقي كل ذلك؟! وهل لدينا خيار؟!!! .. من لا يعيش في العراق قد يسمع شيء من العجائب لكن عجائبنا فاقت كل التصورات... يوما واحد يعيشه الإنسان في بغداد ليرى كيف مدينة السلام تعيش المأزق الحقيقي في الأمن والسلام :أمنا وسلاما مفقود وازدحام شوارع مقرف ... كهرباء مفقودة نظام شبه مفقود ولا يوجد أي ذوق واحترام للإنسان لا في الشارع ولا في أي مؤسسة من مؤسسات البلد... الخدمات العامة شبه مفقودة وان كان البعض متوفر فانه مدفوع الثمن بشكل غير قانوني عبئا على الإنسان ... رشوة وفساد متواصل ذوق معدوم.... شعارات الدوائر الحكومية كثيرة ( كلا للفساد أو الفساد الوجه الثاني للإرهاب وووووووووو) وفوق رأس كل موظف لافته وحكمة تشير الى معنى النزاهة... وللأسف يبدوا أن النزاهة حذفت من قاموس الحكم في العراق منذ سنين طويلة... لا نزاهة لا أمانة... فليس غريبا أن ترى برلمانيا يدفع رشوة أو وزيرا يشجع على ذلك... وان محاسبة أي سوء وفساد تصطدم ليس بالموظف البسيط وإنما بالإدارات العليا التي تبارك عمل الموظف وتقف معه وتزيد من الشعارات.. والله اعلم بما يجري في الخفاء ... نعم شعبنا مسكين أنهكه الألم أنهكه السوء والمرض ولا علاج... كل العلاجات أصبح هستيريا تخدير... بدلا من معالجة السوء المتعاظم يعطي الإنسان حقنة من المخدر لتخفف الألم وتفتح باب الم جديد باب سوء جديد... ليعيش كابوس الإدمان ... مسكينا أنسانا الذي يحلم بالغد ويحلم بالوطن المزدهر... يبدوا أن الوطن بيع بالتقسيط بابخس الإثمان... والأثمان تقاسماتها رجالات المحاصصات المقيتة... ما هو الحل وبلدنا يمر باسوء سنينه ويتقلب من ظلم الى ظلم... يتقلب بالسوء على أيدي المنافقين والإرهابيين... فكراسيهم النتنة قدس أقداس لا تعلو ألا على ظلم ملايين الأبرياء.... وخلفاء الطاغية المقبور أصابتهم لعن السلطة والتجبر والظلم... يبحثون السبل لاستمرار الظلم... والسلطان.... نسمع شفافية وحرية وحقوق إنسان وما هي سوى كذبات... من يسير بأي شارع عراقي ويرى ما يرى من قلة ذوق ونفايات وتفاهات ولا نظام سيعلم بان هناك حكومة لا تحترم الشعب لا تحترم ابسط معاني الديمقراطية لا تحترم قيم وأخلاق بل لا تمتلك سوى شعارات كاذبة....

مر العراق بعصور دكتاتورية دموية مرة ومؤلمة.... لا يكاد يخرج العراق من الم ونفق مظلم ألا بوقوعه بنفق أكثر ظلما وظلمة.. ومن عهود الظلم هذه كانت دخول الطاغية المقبور بحرب دامية مع الجارة إيران...ولم تنتهي الحرب ألا بوقوع سوءا عظيما لحرب مهينة  أخرى وحصار مهلك مدمر انهك الانسان وأسس لتغير فكري هائل لتقبل الأفكار التشرذمية المتطرفة التي سادت سنين التسعينيات وأسست لاغتراب فكري هائل أدى الى إفشال أي فكر مؤسساتي صالح بعد سقوط هبل الغباء البعثي بسبب وراثة فوضى وفساد وجهل هذه الحقبة (حقبة التسعينيات)....

تحرر العراق من بعض الألم والجوع والصمت المر بعد سقوط الصنم وخرج من نفق الحصار ... الى نفق أخر أسوء مما مضى وهو نفق الإرهاب وضعف وهشاشة السلطة... نفق الدم والغدر العربي للعراق الحر الجديد.. وبدا مسلسل الرعونة والهمجية الديمقراطية ... هل هذه هي أرادة أمريكا أم هي غباءات المتسلطون أم تدخلات السوء العربية والإقليمية... أدراك هذا لم يعد مهما لان العراق قد أصبح في قلب الهاوية ودوامتها متخبطا مغتربا.. وان الحدث السيئ قد وقع وتحليله لا يمنع منه شيء.... وإدراكه كحقيقة اكبر من أن تعالج...كل هذا افقد الإنسان العراقي الثقة بالسلطة الجديدة العاجزة المتناحرة المتنافرة بكل رؤاها....فمن يرحمنا في غربتنا في وطننا من يرحمنا في غربتنا في وطننا.. نعيش ونفرح لكن هل يوجد فينا من تأمل المستقبل... هل يوجد فينا من ينظر بتفاؤل للمستقبل أمام كل هذه المعطيات التراجعية على الصعيد الاقتصادي والاداراي والسوء والفشل؟!!! ... أن هذه المعطيات تحتاج الى عزم وحزم وطني حكومي لمعالجتها ولتقليل الخسائر ..لان تقليل الخسائر بحد ذاته يمكن أن يعد ربحا وطنيا.. هل من الممكن أن يكون هناك أيثار من قبل سياسيو الغفلة ليعملوا على تقليل خسائر العراق؟!!.. هل العراقيون فعلا قادرون اليوم على قيادة ثورة للتغيير... فالسياسيون اليوم غير قادرون على التغيير... والنفاق تسلق عليهم من كل جانب وبهرجة مكاسب السلطة أعمت عيونهم... لكن هل التغيير الثوري اليوم ممكن ؟!! أن التغيير الثوري ألان غير ممكن لأسباب عديد منها التشظي والصرع العرقي والطائفي الذي لازال يغذي الصراع العراقي الداخلي ... واي ثورة وطنية قد تنحرف بشكل دموي ومهلك ومدمر للعراق ككل... كما أن مافيات السلطة من السياسيين الفاسدين وإتباعهم المتنعمين بخيرات البلد على حساب الشعب سوف تعمل أن تكون القامع الأكبر للشعب اتجاه أي فكر وثورة تغيير لكي لا يزول نعيمهم..... لذا أمامنا توقعان للمستقبل الأول هو كلما تعاظمت المشاكل الاقتصادية مع الزمن زاد الظلم وزاد عدد المحرومين وضعفت السلطة امام حاجات المجتمع... مما قد يؤسس لانقلاب يقودوه ثوار الشعب المحروم وهذا يحتاج الى ما لا يقل عن عقد من الزمن... والتوقع الثاني هو أن تتفرد أو تتآمر الفئات السلطوية لتكون أكثر دموية وظلم على العراقيين.. وتسرق كل منجزات الديمقراطية وتؤسس لدكتاتورية قاهرة لا يستطيع الإنسان إمامها أن يفعل شيء ألا الاستسلام والرضوخ ليعيش عقود ظلم جديدة.... أم التوقع بان يقود الجيش ثورة تغيير يبدو أمر مستبعد ما لم تدعمه أمريكا ... ويبدو أن أمريكا اليوم لديها إستراتيجية تعمل فعلا على أن تجعل العراق بلا قانون ولا نظام ولا سلطة حقيقية ليكون لعبة تضحك منه جميع الدول ويقال هذا جزاء من يعصون أمر أمريكا...أمريكا مصرة على أن يبقى العراق في دروس الألم ولا يتخرج منه؟!!... كما أن أدراك إستراتيجية أمريكا لا يعني القدرة على تغييرها... وعدم إدراكها لا يعني أنها غير موجودة..

أن تخبطات تشكيل السلطة بعد الانتخابات الأخيرة تشير الى ان العراق ليس على الطريق الديمقراطي الصحيح وان تشكلت الحكومة فأنها لن تكون سوى حكومة تافهة كسابقاتها لا تحترم إنسان ولا تنصف مظلوم....نستفز بهذه الكلمات المفكرين والمنظرين ليقولوا قولتهم ...وان لم يقولوا فهذا يعني أنهم أما نائمون أو أنهم يلهثون وراء أهل الكراسي.. مثل وعاظ السلاطين الذين وصفهم المرحوم الكاتب والمفكر العراقي الرائع علي الوردي.. أو أنهم مخدرون لا يمتلكون رؤية واضحة بظل الاغتراب الفكري الكبير وبظل الفوضى المتسارعة التي تتغير قبل أي محاولة لتفسيرها .. لتنقل الحدث الى موقع أخر بعيدا عن التحليل والتفسير.. كما أن كثرة التغيير والمتغيرات جعلت الإنسان يفقد تواصله مع الماضي ويصبح بعقلية تحليل مشوشة قاصرة...

نقول هنا كفى سباتا كفى اخفاءا للرؤؤس بالرمال الخطر يداهمنا نحن بحاجة الى مشروع للإنقاذ الوطني .. بحاجة الى قيادة فكرية حازمة للبلد توقف الانهيار العظيم وتمنع تدمير البلد..هنا الإشارة لدور المثقف الغائب أو المغيب عن الواقع العراقي... يجب أن يكون هناك دورا مميزا للمثقف العراقي دورا محوريا ليس بالتحليل البعيد عن الواقع السياسي وإنما يجب أن يكون في قلب الحدث ليربط أولياته ولا يفسر الحدث وفق رؤية قاصرة مبنية على أسس التحليل عن بعد فقط ....وذلك لكي يحلل ويعطي الحلول المنطقية الإستراتيجية المعقولة.. كل الكلام النظري لا يصف الحقائق لان حقائقنا متغيرة وإمساكها وفقا لرؤية مبدأ مستحيل لان الإحداث المحلية غالبا ما تفوق التصور الذي على أساسه وضع النظام والقانون... لذا غالبا ما يلجا الى جلسة حوار الشيوخ لقول قولهم في حل الاشكليات الطارئة بعيدا عن المثقف ورأيه الذي غالبا ما يكون استراتيجيا ويحمل في داخله حلول لتنبؤات المستقبل أيضا.. أي أن الحلول التي تنتج عن جلسات الشاي للمشايخ تكون بلا نظام أو قانون أو مبدأ وإنما تكون اتفاق جديد وقانون جديد وعرف جديد ... وما أكثر جلساتنا اللاقانونية وما أكثر قوانيننا الجديدة التي لا تصمد ألا أيام أو أشهر معدودة.. نحن بحاجة الى معلمين صالحين لتعليم المجتمع بحاجة الى من يطبق النزاهة ويحاسب المفسد...نقول تبا للحاكم الذي يرسخ الفساد خوفا على كرسيه من الزوال...ولنسال هنا الظالمين الجدد ونقول من ناضل ضد النظام البعثي السابق ناضل ضد الظلم والفساد... نسال ونقول كيف لكم أن تتقبلوا اليوم فساد أسوء مما مضى !! أم أن إنكم فسرتم فسادكم بالوطنية!! أن المستقبل ينبئ بالاسوء!! فهل تعون معنى ذلك وهل مفردة النضال لازال لها معنى في داخلكم...سوف ترون مناضلين جدد تهيئوا لذلك... سيبقى العراق صامدا ولن يموت ولن ينكسر والتغيير قادم مهما طال الزمن....

 

د.علي عبد داود الزكي

[email protected]

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1391 السبت 01/05/2010)

 

 

 

في المثقف اليوم