أقلام حرة

المطلوب هو الفعل وليس الفتاوى والوعاظات والشعارات

العراقي كان متعطشا لها وعاش في المرحلة الدكتاتورية المظلمة، وهو يرزح تحت ثقل ما جنته ايدي ومخالب الحكم المكيافلي.

تنفس الشعب الصعداء ووصل الحال الى حد الفوضى، وهو يتخبط لحد اليوم ولم ينظم وضعه على ما يرام ولم يستقر رغم المحطات الرئيسية للعملية الديموقراطية التي مر بها، ويزداد تدخل الاخرين في شؤونه يوما بعد اخر ولم يترسخ لحد اليوم الركائز الاساسية لنظامه الفدرالي وهو غير ناصع الشكل واللون الى الان.

الفوضى والهيجان الحاصل لها تتكرر باستمرار، ولها اسباب وعوامل ذاتية وموضوعية، فان كانت الظروف الاقليمية والسياسية العالمية ومصالح العديد من الجهات لم تدع ما يعبد الطريق للوصول الى الامان وليس لنا حيلة في علاجها، فان ما يمس الذات وما يخصنا والاسباب الداخلية ونحن مصدرها ودافعها، يمكن ان نتحاشاها او على الاقل نقلل من تاثيراتها السلبية ان لم نتمكن من استئصالها لو كنا جديين في عملنا.

المنابر المختلفة التي تطلق منها الوعاظ والفتاوى والشعارات الخيالية الرنانة بدلا من ان تحل المشاكل تعقدها اكثر، وخاصة انها تنبعث من وراء المصالح الضيقة ودوافعها المتنوعة، والتحزب ومتطلباته وما وراءه من الامر والمطلب له اثاره السلبية المؤثرة على الحياة العامة للشعب.

 لو دققنا اكثر وتكلمنا علميا واتخذنا من الفاتاوى وانواعها المختلفة ومنابرها المتعددة ودوافعها مثالا لنحللها ونبين ما تنتج على الارض منها،نتوصل الى ان ما تطرح لها ما يعيق العملية السياسية بكاملها وتصنع العراقيل امام المسيرة بمجملها . المعروف عن الواقع العراقي والمستوى الثقافي العام بانه يتاثر باية كلمة تطلق من المنابر العقيدية مهما كانت دقتها او نوعيتها، وسيتفاعل معها الشعب مهما كانت النتيجة في المحصلة النهائية، وتؤدي في اكثر الاحيان الى تدمير النسيج الاجتماعي والسلم والعلاقات المرتبطة بين المكونات وتزيح اي تعايش سلمي يبنى على الارض وتزرع الاحقاد لمدة طويلة بين المكونات، وتعمق الخلافات وتشتد الصراعات، وفي اخر المطاف ستؤثر على السلم العالمي عند تطورها وعبورها للحدود الدولية الاقليمية، وهنا تفرض هذه المشاكل والقضايا الحساسة الكبيرة نفسها على القوى ذات العلاقة والمصالح العالمية لتتدخل وتحافظ على مكانتها ومصالحها في المناطق المتازمة من هذا النوع.

 تتطور الاحداث بعد اهتزاز اية دولة تعاني من هذه الازمات وتكون خطرا على المحيط مما تحدث فراغا وتخلخل في توازن القوى وتخبط المعادلات، وما تفرز منها من السلبيات ستكون المحرك الاساسي لعدم استقرار المنطقة باكملها.

 ان الوعاظ والخطابات والشعارات المختلفة ليست باقل تاثيرا من الفتاوى، فان البعض من هذه المنابر التي تبث مثل هذه الخطابات مشكوك في امرها ومن ورائها ودوافعها، سوى كانت داخلية او خارجية، لذا نتلمس يوميا المبالغة في اظهار اي حادث يومي بسيط باتجاه ما ينفع اهداف هذه القوى المصلحية واكثرها اقليمية، وتصرف المبالغ المالية الخيالية في هذه الامور بدلا من ان يركن من ينعكف في هذا العمل على تحسين وضعه، وهو يحس بانه يهتز ويمحى كيانه من تجسيد الديموقراطية في العراق ولم يعد النظر في حاله، يريد الخراب للعراق والمنطقة معه من اجل الحفاظ على سلطته، ويصنع الموالين ويكون سخيا عليهم في سبيل تحقيق اهدافه  .

لو ندقق في التصريحات التي تطلق بعد كل ازمة يمر بها العراق من قبل الجهات المختلفة ونتفحص ما ورائها سوى كانت داخلية او من قبل من له صلة بها وما ورائها، سيتوضح لدينا الغرض منها. وخلال هذه المرحلة كم شاهدنا من التناقضات والازدواجية في التعامل مع الاحداث والعلاقات من قبل القوى المختلفة على الساحة العراقية. من جهة يتكلمون عن الاستقلالية والسيادة والاستناد على الذات والقانون والقضاء في حل المشاكل وفي اخرى يتوجهون الى العكس،  ومن جهة يعلنون موقفا واراءا حول المواضيع الساخنة ويطبقون العكس على الارض، وهؤلاء حقا يطبق عليهم المثل العراقي الدارج (اسمع كلامك اصدقك وارى افعالك اتعجب) . هؤلاء يعملون كدمية يحركهم الممول واصحاب الفضل عليهم. وعلى الشعب العراقي ان يميز بين القول والفعل وما يحتاجه هو الفعل على الارض وليس التصريحات والمناقشات البيزنطية على الفضائيات.

 هل من المعقول ان تكون جهة تعارض سقوط الدكتاتورية بايدي خارجية وتعتبر التحرير وسقوط  اعتى دكتاتور احتلالا وغزوا للعراق وتقاطع العملية السياسية برمتها ولم تدخل الانتخابات ومن ثم تنصاع للامر الواقع وتاتي في نهاية المطاف وتتوسل وتستجدي الحل من القوى التي اعتبرتها محتلة وغازية حتى الامس القريب لان مصالحها الخاصة فقط في خطر . هذه هي السطحية في التعامل مع الاحداث وهذا ما يخلق الشكوك لدى كل متابع ازاء من وراء هؤلاء والذي يدفعهم لهذا الامر والموقف وهذه ليست سياسة كما يدعون. ومن جانب اخر هل يعقل ان تؤمن انت بتداول السلطة والديموقراطية بكل مفاصلها والحكم المدني والتعددية واحترام الاخر، وتصر انت بنفسك ان تكون انت الوحيد الامر الناهي مهما كان الثمن،و تكون انت ضاربا مباديء الديموقراطية عرض الحائط، وهل من المعقول ان نتلمس التغييرات التي احدثها العلم والمعرفة والتقدم التكنولوجي وانت تريد ان تحكم بفلسفة القرون الوسطى وتضلل المجتمع بكل الطرق المتاحة، وهل من المعقول ايضا ان تكون انت حتى الامس خادما لما يسمى المحتل واليوم تغير وجهتك نحو الاخر وتتكلم على العلن بمنطق، وافعالك على الارض توضح عكس ما تدعي.

اذن العراق يغرق في بحر الفتاوي والوعاظات والشعارات الخيالية والافكار الطوباوية وما ورائها من المصالح، وما يحتاجه الشعب هو العكس تماما اي الفعل على الارض والعمل بواقعية وما يتقبله الواقع، انه يحتاج بداية الى الامن والسلام، والخدمات العامة هي من الاولويات، ولا يهتم الشعب ما ينطق به هذا وما يردده ذاك . ويفلح من اقترن قوله بفعله على الارض، والشعب انفتح واتسع وعيه وبفرق الصالح عن الطالح مهما كانت التضليلات، والمراحل القادمة ستكون حاسمة لبقاء الاحسن والاصلح .

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1393 الثلاثاء 04/05/2010)

 

في المثقف اليوم