أقلام حرة

أمور لا نريد أن يعرفوها

الدهور بما يؤكد وجود فجوة كبيرة كانت على الدوام شاخصة بين الحكام وبين شعوبهم المغلوبة على أمرها التي لا تعرف ولو جزء يسيرا مما يدور في الخفاء من صراع وبلاء وأسباب تناثر الأشلاء.

وما نشهده اليوم من تعتيم على الأخبار هو جزء من منظومة العلاقات بين الحاكم والمحكوم لأن إذاعة وإفشاء خبر ما مهما كان بسيطا وتافها إما ستثبت أن الحاكم ليس أهلا للقيادة أو أنه ليس أهلا للجلوس على كرسي الحكم، وان عقيدته التي يتبجح بها أمام البسطاء ويخدعهم بأهميتها، ليست صحيحة بل مصنوعة وموضوعة لخداع الناس وإيهامهم.

وفي هذا السياق روى الزبير بن بكار في الموفقيات صفحة 322 أن سليمان بن عبد الملك قدم إلى مكة حاجا سنة 82 هجرية فأمر أبان بن عثمان بن عفان الذي كان واليا عليها ليكتب له سيرة النبي (ص) ومغازيه، فقال أبان: هي عندي. فأمر سليمان عشرة من  النساخ والكتاب بنسخها فلما صارت إليه نظر فإذا فيها ذكر الأنصار في العقبتين وفي بدر فقال: ما كنت أرى لهؤلاء هذا الفضل! فأما أن يكون أهل بيتي غمطوا عليهم وأما أن يكونوا ليس هكذا!! فأمر بالكتاب فخرق. ولما عاد إلى أبيه الخليفة في الشام أخبره بما جرى فقال عبد الملك: وما حاجتك أن تقدم بكتاب ليس فيه فضل. تعّرف أهل الشام أمورا لا نريد أن يعرفوها!!؟

ومن المؤكد أن العلاقة بين الشعب العراقي وحكامه وسياسييه الحاليين أكثر سوء من تلك التي كانت بالأمس ولذا نكاد نجهل الأعم الأغلب مما جرى في العراق خلال السنوات السبع المنصرمة والذي وصل إلى ذروته بعد الانتخابات في 7/3/2010 فالمواطن المسكين لم ير سوى قمة صغيرة جرداء لا يمكن تمييز ملامحها من جبل الأحداث العظيمة أما غاباته وحيواناته وصراعاته وحراكاته وسبب مأساته فقد غاصت في الأعماق ولا يعرفها ويشم رائحتها  ويعرف مصدرها سوى السياسيين الشطار السائحين في الأمصار وأوكار الشر في دول الجوار ومنابع النفط والدولار بحثا عن النصرة والأنصار غير معنيين بالمآسي السوداء التي تعصف بالمواطن المسكين وغير ملتفتين للعار والدمار الذي يهدد أرض عشتار التي عاشت بالأمس حصار الجوع وتعيش اليوم حصار الأفكار.

وعليه أرى أن صفحات هذه السنين في كتاب تاريخ العراق الحديث سوف تبقى بيضاء خالية من الحك والشطب لأننا لن نجد ما يمكن أن نسطره فيها من قصص وحكايات، وتبعا لذلك لن يكون هناك بين أولادنا من يجد ما يحكيه لأولاده عن تاريخ أجداده إلا إذا كان من نسج الخيال عن بلد عاش في المحال.

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1395 الخميس 06/05/2010)

 

في المثقف اليوم