أقلام حرة

أيّها الكويتيون .. ستخسرون الرهان

وقلق دائم إن بلدهم مهدّد من العراق الجار الكبير، ومّما يزيد من هذا القلق هو ثقتهم بأن الكويت كانت جزءاً من العراق ومعرفتهم إن هناك وثائق لوّح بها كل من الملك غازي ونوري السعيد وعبد الكريم قاسم وحتى صدام حسين تؤكّد هذه الحقيقة .

وقد إنعكس هذا الهاجس على طبيعة شخصية الفرد الكويتي، فأصبح يمارس حياته ويسكنه قلق يطارد إستقراره وحريّته ويجعله يعيش في فوبيا الغزو والأستباحة، مّما جعله غير متصالح مع نفسه ومع الآخرين خاصة مع أقرب الناس إليه وهم مواطنوا دول الخليج الآخرى، ومن المنطق الأعتراف بأحقّيته في هذا القلق والتوجّس خاصة بعد المغامرة النزقة والمدانة واللاإنسانية التي قام بها الدكتاتور صدام حسين دون أخذ رأي الشعب العراقي ودون إستشارة حتّى المقربين منه لأحتلال ونهب الكويت بصورة همجية ومخجلة .

لكنّ الغريب والمثير للدهشة أن الكويتيين بعد ان سقط نظام القمع في بغداد على يد القوات المتعددّة الجنسيات بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، بدلاً من أن يساندوا النظام الجديد الذي قاده أقطاب المعارضة ضد صدّام حسين والذي حُوكم وأعدم على أيديهم، وأن يبادروا الى فتح صفحة من العلاقات الأخوية التي تفرض عليهم إسقاط ديونهم بذمة العراق كما كان متوقّعاً من عموم الشعب العراقي خاصة وقد بادرت أغلب دول الشقيقة والصديقة الى إسقاط ديونها المماثلة، وإن يتعاونوا مع الحكومات التي تعاقبت في تحمّل مسؤولية قيادة العراق بعد السقوط أمنيّاً وإقتصاديّاً وإستثمارياً، شرعت الكويت منذ اللحظات الأولى لأجتياح العراق الى المساهمة الفاعلة عن طريق زج أفراد كويتيين مع القوات الغازية، في تدمير البنى التحتيّة وإحراق أبنية الدولة ومؤسساتها، وكأنّها تنتقم من العراق كبلد ومن الشعب العراقي كأفراد .. حينها تحمّلنا هذا الأعتداء غير المبرّر من قبلهم بحجة إنه رد فعل عاطفي للغزو الهمجي الذي قام به صدام لبلدهم .

وبمرور الوقت بدأت تتوضّح حقيقة ممارسات الحكومة الكويتية وتعاملها السلبي من النظام الديمقراطي الجديد في العراق، وعكس ما كان متوقّعاً تماماً، إذ أصرّت على دفع التعويضات كاملة وهي تعلم بحجم الكارثة التي حلّت بالعراق نتيجة الأجتياح بقيادة أمريكا، وتدري بحاجة العراق الى وارداته من النفط لغرض إعادة بناء ما دُمّر وأحرق وكذلك إعادة إصلاح شبكات الكهرباء والماء والأتصالات وتوفير الوقود، وكذلك الأصرار على فتح الملفات القديمة حول تسليم الأسرى وإعادة المقتنيات الكويتية التي سرقت أثناء الغزو سيء الصيت، رغم إنها تدرك جيّداً بإستحالة هذا الأمر بعد التدمير الذي حلّ بالعراق والذي تعرّضّت بسببه مقتنيات المتحف الوطني العراقي التي تفوق قيمتها التأريخية والأعتبارية قيمة دولة الكويت بكل مؤسسّاتها ونفطها، الى النهب والسرقة، كما تعرف جيدّاً بأن لا يوجد أسرى كويتيين بالعراق بعد السقوط، إذ قام صدّام بتسليم أسراهم الاحياء، والبقية تمت تصفيتهم على يد أزلامه وبأوامره، ثم قامت الكويت بعملية إعتداء سافر على الأرض وآبار النفط العراقية المتاخمة للحدود معها، مستغلّة إنشغال العراق بمعركته مع الأرهاب وبقايا البعث .

وقد حاول النظام الجديد بالعراق خلال مجلس الحكم والرئاسات الثلاث لمجلس الوزراء، إعادة العلاقات الأخوية والطبيعية بين العراق والكويت، وأبدوا جميعاً إستعدادهم للأعتراف بالكويت كدولة وللمباشرة بترسيم الحدود معها وغلق كل الملفات العالقة، الاّ أن المسؤولين الكويتيين تنصّلوا من كل وعودهم وأستخدموا إسلوب المماطلة والتسويف في كل هذه المفاوضات لحل هذه الأشكالات بين البلدين، ممّا أثار إستغراب المراقبين السياسيين وعموم الشعب العراقي .

ثم بدأت تظهر نوايا الكويت الحقيقية، عندما طالبوا وبإلحاح كبير المجتمع الدولي وعلى رأسها الولايات المتحدة بضرورة إبقاء العراق تحت البند السابع من قرار هيئة الأمم المتحدة، والذي حاول العراق وبجهود دبلوماسية إستثنائية للخروج من هذا البند، كي يستطيع التصرّف بأمواله وإعادة بناء دولته الناهضة من رماد الحروب .. ثم قامت الكويت في تصرّف غريب ومشبوه وهو حجز الطائرات المدنية الجديدة التي تعاقدت وزارة النقل العراقية مع كندا ودول أخرى على شراءها والتي سددّت أقيامها و بحجة وجود دعوى قضائية مرفوعة ضد العراق تجيز حجز هذه الطائرات، ومؤخّراً قام المحامون المنتدبون من قبل دولة الكويت بحجز مدير عام الخطوط الجوية العراقية في مطار لندن وسحب كل اوراقه الرسمية والثبوتية بعد اوّل رحلة من بغداد الى لندن كفاتحة لتسيير رحلات مستقبلية بين البلدين وهو تصرّف مشين وغير أخلاقي بكل المقاييس إنتهجته حكومة الكويت لأبقاء العراق محاصر ومنغلق على نفسه وغير معترف به كدولة كاملة السيادة .

وأخيراً .. جاء خبر تمويل الكويت لسد تقيمه سوريا على شمال نهر دجلة لغرض محاصرة العراق مائياً وزراعيا وحياتياً خلافاً للقوانين الدولية التي تحكم علاقات الدول التي تشترك بنهر أو أكثر فيما بينها، ممّا يدلُّ بما لا يقبل الشك أن الكويت ضالعة في تدمير العراق إقتصاديا وتنمويا وإبقاءه ضعيفاً غير قادر على النهوض بمسؤولياته تجاه مواطنيه .

كل هذه الممارسات تدلُّ وتشير بصورة واضحة وجليّة أن الكويت غير مبرّأة أبداً من تهمة تمويل العمليات الأرهابية بل ضالعة فيه وفي إثارة النعرات الطائفية للفتك بالبنى المجتمعية العراقية وتمزيق وحدة الصف والأحتراب بين أفراد الشعب الواحد وهي تراهن بذلك على كسر شوكة العراق وإبقاءه يلعق جراحه أطول فترة ممكنة حتى لا يشكّل خطراً مستقبلياً عليها إذا ما أستعاد عافيته، وهي تراهن أيضا على العامل الدولي الحالي المكبّل بالقرارات السابقة التي صدرت من هيئة الأمم المتحدة لصالحها في صراعها مع العراق .

وفي الختام .. نقول للأخوة الأعداء في الكويت الشقيق !! .. لا تراهنوا على هزيمة العراق .. وندعوكم لقراءة تأريخه بإمعان ومنذ قيام الحضارات الأولى في السفر الأنساني على أرضه المقدّسة وحتّى اليوم .. عندها ستدركون إن العراق لن يهزم أبداً .. وسينهض من كبوته إن عاجلاً أو آجلاً، وسوف لن ينسى الأساءة والغدر مهما طال الزمن .. كما ندعوكم الى عدم الرهان على العامل الدولي الذي تحكمه التطورات والمتغيرات التي تطرأ على عموم دول العالم فيتحوّل الأسود أبيض وبالعكس .. كما عليكم أن تتذكّروا دائماً أن العراق هو الجار الكبير الذي يمدُّ جناحيه العملاقين على سقف إمارتكم الصغيرة بحكم الجغرافيا وأنه لن يتزحزح قيد إنملة عن هيمنته المكانية ..

أيها الكويتيون.. لا تراهنوا على تدمير العراق .. لأنّكم ستخسرون الرهان .

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1400 الثلاثاء 11/05/2010)

 

في المثقف اليوم