أقلام حرة

في أن الذوق العربي غير متسامح

وأطلقهم ألسنة، وأوفرهم أفهاما، استتبع ذلك لهم كل فضيلة، وأورتهم كل منقبة جليلة." يا لرمنسية هذا الكلام!

هناك دوما من يسمعنا احلى الكلام، هكذا يعتقد العرب، يقولون هذا لأنهم يستتقلون الفهم. إنهم والفهم أعداء في الواقع، لا يلتقيان. لهذا يسود اعتقاد عند الغالبية العظمى بأن الإنسان العربي نزيه، ليس لأنه يفهم حقيقة الأشياء ويقيس بعقله، بل لقدرته على اضفاء كل سمات الكمال على نفسه، لكن لشدة بلاهته لا يرتاح حتى يشوه هذا الكمال المزعوم.

إن الاستخدام الزائد لتمجيد الذات عند الإنسان العربي، يجد ما يبرر ه في كون هذا الكائن يملك ذوقا فيه من الفظاظة والبداوة أكثر مما فيه من الإعتدال والتسامح. نجد هذا كثيرا في الجرائم والخيانات التي شغلت أكبر جزء في تاريخ العرب. فرغم أنه شجاع ومستعد للخير، إلا أنه متوحش نهاب سلاّب، إذا أخضع مملكة أسرع إليها الخراب كما يقول ابن خلدون رحمه الله.   

يمثل هذا المعطى احد المرتكزات الأساسية للذوق العربي. ذوق بدوي- حسي إلى ابعد حد، لكنه مختلط بنوع من الخرافة الدلالية، يسمى هذا عند الكبير الخطيبي إقتصاد الأدلة .  ولعل بعض ذوي الغيرة القومية، سيتهموننا بكوننا نحط من قيمة هذا الذوق، طبعا هذا ما ننتظره من أصحاب الذوق الحسي، هؤلاء الأفظاظ سريعي الانفعال، الذين يسبون ويشتمون عندما يتم وخزهم وتعكير مزاجهم العربي. إنه ذوق يتقن الدفاع عن النفس "بالإقتصاد الفارغ للدليل"، حيث يستبدلون الدليل الحي بالميت، وهذه من أشد أعراض النفاق المزمن الذي يعاني منه هذا الأخير.

إن هذا الذوق منافق من الدرجة الأولى، ليس فقط مع ما يتذوقه بل أساسا مع ذاته، فهو يجهد نفسه ليقتنع بهذا النفاق دون أن يمل أو يحس بتأنيب الضمير. لذا ستجد أكثر الناس استمتاعا بهذا المزاج، في هذه الأوطان، أكثرهم نفاقا وكذبا. ألا ترى أن حسن مزاج المرء هنا في شدة نفاقه وكثرة مجاملاته؟ إن هذا النوع لا يستصيغ القول الصريح، والحقيقة كما هي. فإن صارحته أصبحت عدوه، ثم عليك دوما بمجاملته بالقدر الذي يحسه بالراحة والرضا. إنها لعبت اقتصاد المعنى في اطار من اللف والدوران. فهل ترى إلى كم درجة انقلب هذا الكائن المائع على نفسه؟

 

هذيانات إنسان ليس لذيه ذوق "عربي":

 

الأمر في غاية الانحطاط والسوء

 مزاج سيء للغاية

 لن يقدر على تحمله ذوي الأذواق الشفافة

 هؤلاء الذين لا يمارسون لعبة اقتصاد الدليل

 المرضى في عرف الذوق القومي

 ذوي الأفكار الهدامة التي تحمل أعراض التفكك والهدم

الباحثون عن العلاج خارج هذا السراب الخرافي

 المتمردون على الرسميات الاجتماعية البليدة

الذين يكرهون الذوق الواحد.. وهم في رقص دائم

أصحاب الآراء المتعددة

والعقول المفتوحة نحو البدائل غير المرسومة

الراكضون وراء الحرية المزعجة

محبي الأذواق المتنافرة

ذوي التناقض المر

هذا هو الذوق الذي يبغيه الأحرار

مذاق يحمل التناقضات الشفافة

يسافر بها نحو القمم الشامخة

ويداوي نفوسا ملّت

اقتصاد الدليل

ثقافة العين الخرافية

اصحاب الأذواق المتعددة

الأحرار غير الأشرار

هؤلاء المتسامحون

القادمون من قمم العقل

 

...........................

. أورده أحمد أمين في: فجر الإسلام، دار الكتاب العربي بيروت.ط 11. سنة 1975. ص 34

. أنظر الإسم العربي الجريح لعبد الكبير الخطيبي، دار العودة بيروت. ط 1. سنة 1980. ص 69

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1400 الثلاثاء 11/05/2010)

 

 

 

في المثقف اليوم