أقلام حرة

الدستور .. هل شرع بقاء الإدارات المتدكترة مدى الحياة؟!!

لكنهم وبدون تروي حددوا أسس لعينة لمستقبل البلد وكان عملهم صعبا ارتجاليا في كثير من الأحيان أنجزوا دستور ذو عوق كامل ..دستور أعمى وكسيح أنجزوه في ظل ظروف صعبة ومرة وقاسية على كل العراقيين ..في ظروف فقدان الهوية الوطنية لأسباب داخلية وخارجية كبيرة وكان للمحتل دور كبيرا فيها.. وكان للمحتل دورا اكبر في التأسيس لهذا الدستور ليجعل من العراق دولة هزيلة عرضة للتجزئة في أي وقت... المكون العراقي الوحيد الذي قادته كانوا أذكياء في وضع ما يخدم مصلحتهم الانفصالية في الدستور ويخدم برنامجهم السياسي المحلي والإقليمي والعالمي هم الأكراد وذلك لأنهم عاشوا تجربة الاستقلال شبه الكامل عن بغداد لمدة 13 سنة قبل سقوط هبل بغداد وأن كانت تجربتهم محدودة وغير ناضجة .. أي أنهم عاشوا معنى الديمقراطية والحرية رغم صراعاتهم الداخلية التي كانت تهدف الى السيطرة على مقاليد السلطة في كردستان...ومن أسباب نجاحهم الداخلي الكبير وحدتهم  اتجاه قضيتهم القومية ولا يوجد بينهم بعثيون أو موالون للنظام السابق او عملاء لدول الجوار ضد مصلحة الكرد ألا ما ندر. لذا لم ينشا صراع داخلي  كبير ضد مشروعهم الذي ناضلوا سنينا طويلة من اجله..  لذا فان قادة الأكراد كانوا كثر نضجا في فرض رؤاهم على قادة المكونات العراقية الأخرى الذين شغلهم التناحرة والتناقض .. أن فشل الدستور العراقي لا يضر الإطراف الكردية كثيرا لأنهم يشكلون دولة مستقلة داخل دولة هشة ضعيفة.. أن دولة الإقليم أقوى من المركز سياسيا وعسكريا وتنظيميا واقتصاديا... أن حكومة كردستان قامت ببناء البنى التحتية في إقليمهم استعداد للانفصال حالما تتهيأ الظروف لذلك وهدفهم من البقاء في العراق الموحد الآن هو الاستيلاء على  اغلب المناطق المتنازع عليها مع العرب والتركمان من ثم الاستقلال ... بينما  مراهقي السياسة العراقية الجديدة العجولين من السياسيين الممثلين للمكون العربي فقد كانوا ينشدون الوصول للسلطة وباقي الأمور ليست بالأمر المهم... وفعلا وضعوا الأسس التي تخدمهم وتخدم عوائلهم وتخدم مافياتهم وعصاباتهم .. وتمهد لبقائهم في السلطة وتحافظ على مكاسبهم غير المشروعة وتديم تنعمهم وتنعم عوائلهم للحاضر والمستقبل .. ونسوا الشعب المسكين ونسوا معنى الوطنية أنهم وضعوا بنودا وأسسا دستورية لخدمتهم وليس خدمة الشعب... أنهم أصبحوا أمراء العصر وأبنائهم أمراء العصور اللاحقة... وأتباعهم ودكتاتوريتهم الإدارية أصبحت متنعمة بالحكم والتسيد مدى الحياة... كنا نعاني ونمقت النظام الصدامي القذر بسبب الظلم والفساد والسوء الإداري والدكتاتورية البعثية القذرة المتنمرة على أبناء شعبنا المظلوم...  لكن صدام لم يكن يجلدنا بسوط دكتاتوريته بشكل مباشر وإنما كنا نجلد بأسواط أزلام صدام واذرعه البعثية القذرة من الإدارات الفاسدة وأجهزة قمعية وأمنية مجرمة... وهذه الأذرع كانت ممثلة بأراذل القوم... مما ولد كرها شديدا لصدام وزبانيته وأزلامه...

بعد السقوط تبين لنا بأنه ليس المهم من يحكم العراق في أعلى هرم السلطة لكن المهم هو الإدارات الصغيرة التي تتعامل مع المواطن بشكل مباشر..لذا فان الديمقراطية والحرية لنا كمواطنين تعني تولي إدارات حكومية تتعامل باحترام مع الإنسان العراقي وتمنحه حقوقه كاملة ولا تتجاوز على خصوصياته ولا تتجاوز على مقدساته ولا تبتزه... لو بقى صدام مدى الحياة ما كان احد ليعترض على حكمه لو كان الإنسان العراقي يعيش العدل.... لكن الظلم المؤسساتي للسلطة الممثلة بهبل البعث وأجهزته القمعية حرك الكره وحرك المشاعر وحرك المعارضة من اجل التغيير للأفضل.. نقولها اليوم لا يهم من يتسيد رغم أننا لا نريد أن تعود وجوه الماضي القذرة للسلطة لان عودتهم للسلطة مرة ثانية ستسبب الألم المعنوي لكل عراقي شريف ( يوجد الآن الكثير من هؤلاء لبسوا ثوب الحرباء وتسلقوا الى أعالي هرم السلطة في العراق الجديد ...مما سبب الحيرة وفقدان الثقة بالسلطة الجديدة من قبل المواطنين الشرفاء). ..كما أننا بنفس الوقت لا نريد استمرار الدكتاتوريات الجديدة التي تتقمص أسلوب البعث بالإدارة الدكتاتورية وعدم احترام الإنسان العراقي..

 أن الدستور العاجز المتعدد الوجوه الضبابية اسس لقوانين وأنظمة مشوهة تمنح المتدكترين الإداريين الفاسدين الحق بالبقاء في مناصبهم مدى الحياة أو الارتقاء الى مناصب أعلى..  أن  تغيير رئيس الوزراء المالكي اليوم لا يعني نصرا حقيقيا للديمقراطية .. رغم أن هذا التغيير يصفق له الكثيرين. ..أن النصر الحقيقي الذي ننشده اليوم هو حفظ الأمن واحترام القانون والنظام...أن النصر الحقيقي للديمقراطية هي أن يكون هناك نظام وقانون يحمي الإنسان من السلطة المتجبرة.. ويمنح المواطنين الحق في إزالة الانتهازيين المتلاعبين بمقدرات البلد.. يجب أن تكون هناك ثقافة ديمقراطية حقيقية ؛؛ تفرض على  كل أداري يتقلد منصب لمدة لا تزيد عن 4 سنوات؛؛ ...على اي من يتقلد منصب ان يعمل بعد تركه المنصب في نفس دائرته ما لا يقل عن 4 سنوات أخرى كموظف تحت أمرة أدارة عليا جديدة... وذلك لكي يعمل هذا الإداري بنزاهة وأمانة  أثناء تقلده المنصب ويعمل على تقوية الأسس الديمقراطية ويحترم حقوق الآخرين ويعمل من اجل المجتمع ويحترم الموظفين في دائرته ويعمل من اجل المصلحة العامة التي ترضي الجميع باحترام وديمقراطية مؤسساتية تجعل منه أنسانا فعالا فعلا في خدمة وطنه.. اننا اليوم نرى الإدارات البسيطة والعليا في البلد من؛؛ مدير بسيط الى مدير عام؛؛ اغلبهم باقون في مناصبهم منذ 7 سنوات ومن ترك منصبه فانه ارتقى  الى منصب أعلى .. والكثير منهم لا يتقبل أي منصب اقل من منصبه السابق !!! هل هذه هي الديمقراطية... وهل هذا هو التبادل السلمي للسلطة والمنصب.. أين الديمقراطية الحقيقة أين حقوق الإنسان المظلوم.. أننا نريد التغيير الصحي في العمل المؤسساتي للعراق الجديد فكل من يبقى في منصبه فترة أكثر من 4 سنوات سوف يكرس عمله لمصالحة الخاصة أو يعمل على بناء تكتلات(مافيات) تابعة له ولفكره الضيق وهذه المافيات ستعتاش على السرقة والرشوة والفساد الإداري على حساب المصلحة العامة وهذا كارثة حقيقة يعاني من العراق اليوم بشدة ..كما أن اغلب الإداريين الفاسدين في البلد لا يوافقون على ترك مناصبهم مهما حصل وذلك لكي يعملوا على أخفاء أي ورقة أو وثيقة تدينهم بالفساد... كما أن الإنسان بطبيعته يحب التجديد  ... أن الإدارات لا تمتلك القدسية مثلما يمتلكها كل من الأب أو الأم في أخلاقياتنا الشرقية... لذا نتقبل ونحترم أبائنا وأمهاتنا لأنهم بدرجة قدسية اجتماعية ودينية ... بينما المدير أو المدير العام لا يمتلك سمة القدسية هذه مهما كان ومهما كانت سماته وأخلاقه... لذا فان بقاء الإداري بمنصبه لفترة أكثر من 4 سنوات هذا سيسبب معارضة سلبية في داخل المؤسسات ..رغبة في التغيير والتغيير هو سنة من سنن الحياة..ويجب ان تحترم هذه الرغبة من اجل التغيير الصالح ومن اجل الابداع والتجديد..

أن مؤسساتنا أساسا تفتقر للنظام وهذا سبب فوضى وفساد عظيم.. الكل يعملون من اجل أنفسهم ويتناسون المجتمع والصالح العام.... كما أن السياسة العليا في البلد في تخبط  مستمر وتناقض  وعدم ثبات ...لذا فان أصلاح النظام المؤسساتي من الفساد يحتاج الى اتفاق المشرعين الذين هم  أنفسهم بالامس واليوم غير متفقين على شكل الحكومة ومن يتولى رئاسة الوزراء ... فكيف سوف يتم تصحيح المسار المؤسساتي في عراق اليوم ؟!!!.. 

ان تم تشكيل السلطة بعد عام من الانتخابات فان السلطة لن تكون كما نتمنى ونبغي .. انها ستكون توافقية تحاصصية غير محترمة  للنظام والقانون.. كما أن مؤسسات المجتمع المدني اغلبها شكلية وغير ناضجة حتى الآن... والنقابات والاتحادات والتي من المفروض تعمل كمعارض مصحح ومقوم لعمل المؤسسات الحكومية غير موجودة وغير مفعلة لحد الآن وذلك لعدم وجود تشريعات برلمانية تنظم انتخاب وعمل مثل هكذا مؤسسات ضاغطة لتقويم العمل الحكومي.. كما أن الإدارات المتدكترة المتلونة تلعب وتسرق وتنهب وتعمل ما تشاء وغالبا ما تبارك أعمالها من قبل السياسيين الذين يدعمون السوء أما عن جهل أو يدعمونه لتقوية مؤسسات تدعم بقائهم وتسيدهم أكثر وأكثر في السلطة... لذا فان الإدارات المستهترة في البلد نشطة وفرحة بما يجري اليوم من تأخر وعجز في تشكل الحكومة وذلك لكي يتمكنوا من كسب الوقت والبقاء في مناصبهم أطول فترة ممكنة.. ويتهيئوا للظروف الجديدة لما يخدم مصالحهم وليعيدوا تنظيم أوراقهم من جديد وبألوان جديدة أن اضطروا لذلك... معنى ذلك أن الدستور العراقي عاجز عن أعطاء الدواء الشافي للمشاكل الوطنية العراقية ومعالجتها بأسلوب متحضر وديمقراطي... وكما يبدوا فان الدستور اسس الى بقاء الدكتاتوريات المتسلطة في قمة السلطة والمناصب العليا ..اليأس يصيب الإنسان العراقي البسيط وذلك لأنه يرى الانتهازيين والمنافقين باقين في مناصبهم مدى الحياة ولا يوجد بصيص أمل على تغيير سليم وفعال للصالح العام... لذا يجب استحداث قوانين لصالح التغيير ومحاربة الفساد ..التغيير ضروري والتجديد ضروري في الفكر المؤسساتي الحكومي وذلك لأنه سينشط ويدعم اسس البناء الوطني الديمقراطي ويحمي حقوق الإنسان  .. ان ازدهار العراق محكوما بديمقراطية المؤسسات الحكومية الصغيرة قبل الكبيرة وحماية المواطن من الابتزاز والفساد الحكومي...وحمايته من المافيات وعصابات الجريمة المنظمة..

أن الدستور العراقي بحاجة الى وقفات تأمل وتصحيح بحاجة الى الاهتمام ببناء جيش وطني قوي له هيبة محلية واقليمية ويحسب له الف حساب... وعلى برلماننا القادم أن ينشط التشريعات التي تعمل على تقليص الفساد ومحاسبته ...ويشرع القوانين والأنظمة المناسبة لعمل مؤسسات الرقابة الشعبية ويعطيها صلاحيات مناسبة... لكي تحارب الفاسد وتحدد من سلطات المسئولين الحكوميين وتقوم أعمالهم... ويجب أن تشرع قوانين بحيث لا تمنح الإداريين حقوقا ومكاسب هائلة كما يحصل اليوم وإنما تمنحهم مخصصات معقولة مقارنة مع باقي الموظفين في مؤسسات البلد... لان هذه المسائلة مسالة خطرة جدا وفيها آثار سلبية كثيرة كان العراقيون يعيشونها في ظل نظام البعث القذر في تسعينات القرن الماضي..وللأسف تم استنساخ التجربة من جديد تحت غطاء الرعونة الديمقراطية..

العراق علم الدنيا القراءة والكتابة وأول دستور حق عراقي لذا سيُكتب دستورنا الصالح دستور الحق والشرف العراقي دستور التوحد والازدهار... وشمس العراق ستشرق مهما طال ليل العتمة والظلم والظلام... بتوحدنا الوطني كأمة سينهض العراق الجديد...

 

د.علي عبد داود الزكي

 [email protected]

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1403 الجمعة 14/05/2010)

 

 

 

في المثقف اليوم