أقلام حرة

اللبن الخجول

الحال الإنساني في اتجاهين غريبين هما الفرح والحزن. فكلما ازداد فرح وبطر الإنسان ازدادت حاجته لرواية وسماع النوادر والنكات المبهجة المفرحة، وكلما ازداد حزنه وهمه ومشاكله يلجأ إلى النادرة والنكتة الحزينة لعلها تفرج عنه همه أو تزيح عنه حزنه.

من حكايا الزمن الضاحك ذكرت كتب النوادر التي ازداد وضعها بشكل لافت للنظر أن شاعر المجون والخلاعة (أبو نؤاس) كان ماشيا في أحد أزقة بغداد وبيده زجاجة من النبيذ الأحمر، ومر موكب هارون الرشيد  فخاف أبو نؤاس وحاول إخفاء الزجاجة خلف ظهره، فشاهده هارون وسأله: ما تلك التي بيدك يا أبا نؤاس؟ قال: زجاجة لبن يا مولاي، قال:أخرجها من خلف ظهرك لأراها، فأخرجها خائفاً فإذا هي خمر فقال هارون:هذا ليس لبنا يا نؤاسي! فقال أبو نؤاس: مولاي لقد استحى اللبن حينما رآك وتورد من الخجل فانقلب لونه أحمر . فضحك الرشيد وتابع كل منها  سيره

بعض ما يحدث في عراقنا اليوم يشبه قصة أبي نؤاس والخليفة العباسي كثيرا، فالخليفة كما هو شائع كان يشرب الخمر ومع ذلك اعترض على قنينة أبي نؤاس ولكنه لم يصر على رأيه،  وأبو نؤاس كان شريك جلساته ونديم حفلاته ومع ذلك خاف من الخليفة لما قابله، والاثنان يعرفان أن ما في القنينة خمرا وليس لبنا، ولكن لا الخليفة أعترض على أبي نؤاس ولا أبو نؤاس خاف من الخليفة وتابع كل منهما مسيرته، ومن المؤكد أن ليس هارون وحده الذي ضحك  بل أبو نؤاس ضحك أيضا. ومن المؤكد أنهما ضحكا من موقف الناس البسطاء الذين صدقوا حرص الخليفة على تطبيق الشريعة وخوف أبي نؤاس من عقاب السلطان وهو ما لم يكن في حسابات الاثنين!!

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1404 السبت 15/05/2010)

 

 

في المثقف اليوم