أقلام حرة

الاغتيالات ما بين الاخلاق السياسي والتحزب

 تغيير جوهر هذا المفهوم المتغير الشكل والتركيب حسب ضرورات العصر ومتطلبات الزمان والمكان .

 وما معلوم عن السياسة بذاتها انها تتحمل العديد من التناقضات والازدواجية في التعريف والتعامل والتصرف مع الاحداث وفق المصالح المرعية من كل موقف مطلوب، وهي علم ممزوج بالتفاهمات والتضادات والحيل والتمثيل  والتبجح والتضليل، وتتحمل في طياتها الفضائح والعقلاقات السرية والخروج من اطر الاخلاقيات والروابط الاجتماعية والدينية والعقيدية من اجل اهداف ومصالح معينة، ولذلك يطلب اكثر المفتين والعلماء الدينيين عدم ادخال الاخلاقيات الدينية في السياسة التي لا يمكن ان تبقى بعيدا عن تلك المتطلبات.

تضم في تشكيلة الفرق السياسية لواعيب متمرسة في اللعب والمراوغة واصحاب قدرات وامكانيات مختلفة وهي تتعامل مع ما يفرضه الوضع الاجتماعي الثقافي وما يتقبله المجتمع ومستواه وعقليته. وملعبه متعرج دائما ويحوي على متاهات لا نهاية لها، وتضاريس متموجة وفي اجواء منقلبة من كافة الجوانب.

المطلوب من السياسيين هو الوعي والحذر وتفهم الواقع واتستقراء ما يمكن ان يحصل في غفلة من الزمن والاستدلال من ما موجود على الارض وتحليل الاحتمالات وتحديدها بشكل دقيق وتفسيرات محتوياتها.

 الصراع المستمر بين القوى المختلفة سوى كان داخل الحزب او خارجه يحوي على مواقف وافعال شرعية تعتمد على الاخلاق والعادات والتقاليد الاجتماعية حسب الممارس، او يمكن ان يخرج من تلك الاطر ويستعمل الضربات القاضية تحت الاحزمة ويستند على المؤآمرات محاولا تسقيط الاخر وانهائه مهما كلف الامر.

هناك طرق ملتوية يتبعها المعنيون في هذا الجانب منذ عصور مضت في الصراعات الكلاسيكية وحسب ممنوعات المرحلة .

 تخللت الثورات العديد من اللاعبين الذين رفعوا من شانهم بتلفيق التهم من الخيانة الكبرى وعدم الاخلاص لمباديء الثورة والعمالة والطابور الخامس والتجسس والارتزاق والى غير ذلك ولصقوها بمنافسيهم، اضافة الى العديد من المصطلحات الاخرى التي استخدمت للقضاء على المقابل وان لم تكن حقيقة ولم يتصف بها المقابل، او استنادا على تلك التلفيقات والتضليلات المختلفة  نجحوا في واد الكثير من الحركات من منشاها . اليوم  اختلفت الطرق واستجدت الوسائل وفيُعتمد على استغلال نقاط الضعف وان كانت شخصية خاصة بالمقابل كالفضائح الجنسية وكل ما يخص الحياة الخاصة، ومستندين في عملهم على الفساد المالي والاستاثار بالمواقع والامور المتعلقة بالشان العام التي من الواجب الاهتمام بها، الادهى ان تستغل الوسائل العصرية في غير مكانها من حيث التقدم التكنولوجي والصحافة والاعلام في تحقيق تلك المرامات، فلم يمر شهر  الا ونسمع عن هذه الافعال في جميع بقاع العالم. 

التاريخ شاهد على مثل هذه الافعال منذ القدم وخاصة بعد بروز الاحزاب كساحة للصراعات السياسية العامة واتسعت رقعة الصراعات السياسية ومن كافة الانواع والمشارب سوى كانت اليسار او اليمين، وكانت الضحايا كثيرة بحيث لا  تحصى ولا تعد.

اليوم استحدثت وسائل متنوعة وجديدة في هذا المجال وادخلت اساليب حسب المرحلة وما فيها وتغير جوهر المفاهيم المعتمدة حسب الزمان والمكان والتغييرات التي حدثت، لعلنا لا نبالغ ان قلنا ان ابشع الطرق المستخدمة في هذا المضمار كانت في الشرق الاوسط وورائها العقليات الشرقية النابعة من الدوافع المعلومة بما فيها العقائد والايديولوجيات، واخطرها هو الاغتيالات والتصفية الجسدية التي تعتبر من الاعمال التي تتجه اليها الجهات التي تكون في قمة الافلاس ولم تلائم بذاتها مع التغييرات وتخاف الانقراض .

مازادت السياسة تعقيدا هي التعاريف المختلفة لهذا المفهوم وعدم الاجماع على جوهر واحد لها، مع سيطرة مجموعة من الاقاويل والافكار والنظريات التي تدفع نحو التشدد والغاء الاخر، ومنها اتباع اية وسيلة ممكنة للفوز استنادا على ان الغاية تبرر الوسيلة، وجاءت الافكار المعيقة للسمات الانسانية فازدادت العقدة تعقيدا كالافكار الشوفينية والمكيافيلية والفاشية التي تبعد ما يمكن ان نسميه الاخلاق عن السياسة والتحزب.

بما يتميز به العصر الحديث من المفاهيم الانسانية التقدمية والمباديء العامة للديموقراطية وحقوق الانسان والحرية، فلابد ان يكون الاخلاق السليم شرطا لادارة الصراع والعملية السياسية برمتها في اية منطقة كانت، الا ان من عفى عنه الزمن ونفذت مدة صلاحيته واصبح من الماضي ولم يقدر على التجديد والتغيير والاصلاح سيتبع الطرق المتعرجة لتحقيق مرامه، والحزب ليس ببعيد عن الشخصيات التي تعمل بهذا الاتجاه، فانها ستنال من اي معترض امام سبيل بقائه.

الاغتيالات التي تحدث في اي مكان في العالم تنبع من الدوافع التي تبنيها العوامل الموضوعية الدافعة لها منها التحزب بشكل كلاسيكي وقديم متبعها التقوقع حول المقدسات والكاريزما والعشائرية والقبلية والافكار البالية، والعوامل الذاتية النابعة من المحافظة على المصالح الشخصية والحزبية وعدم التجديد والبقاء في الشكل وبقاءالعقلية في الماضي رغم وجودهم التركيبي والهيكلي في هذا العصر. وهذا ما يفرض تناقضا كبيرا على المكون للاستناد على الصفات والاخلاقيات والعادات والتقاليد البدائية عندما تكون لمصلحته ومن اجل بقائه، وانه يعمل بعكس التيار ويحاول الخروج من الازمة التي تخلقها له المستجدات والتغييرات الطبيعية لانه يحتك بها وتضر به وبمسيرته السياسية اليومية. فاقصر الطرق للوصول الى الهدف هو المستقيم، وابسط وسيلة للنصر عند التنافس هو الغاء وانهاء الاخر باية طريقة كانت ومنها الاغتيالات بكافة انواعها .

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1405 الاحد 16/05/2010)

 

في المثقف اليوم