أقلام حرة
السيد ستار جبار، من كان بيته من زجاج فلا يرمي الناس بالحجارة
حتى أنه يفقد حقيقة ما يريد طرحه، فيفتح ثغرة لمن يريد نقدهم، فيردوا عليه بطائفي، وهم ملأ عقولهم طائفية.
ولو أنني أعيش خارج العراق، الا أنني اعتدت أن أفتتح يومي بمطالعة جريدة البينة الجديدة من على موقعها (الأثيري) فوقع نظري على افتتاحية العد (1046 ) وعلقت عليها وأرسلت التعليق اليه. وقدمت لرسالتي بتحية تقدير وتبجيل فقلت له فيها:
السيد رئيس تحرير جريدة البينة الجديدة الغراء. لك يا من تثلج صدور المظلومين، وتطفأ ظمأ العطاشى المحتارين، لأي وجهة وجوههم يولون، فيفكروا ليرتووا من معين بيّنتكم الجديدة. أقدم لك شكري وتقديري، ودعائي لك بدوام التوفيق والسداد. لما تقدمه لعراقك المظلوم، وأنت تضع حياتك على راحتيك، لتقدم لنا حقائق مخفية، وأخبار تنير بها من ظل طريق الوطنية، والتبست عليه مفاهيم الديمقراطية. فتربط القارئ بمفردات خطابك، وتضع عقله في ميزان الوطنية الحقة، ليرى نتيجة ما نحن فيه الى أين يسير العراق. وماهذا إلا مدعاة للفخر بكم، لأنكم تضعون اللبنات الأولى، لبناء انسان جديد لايخاف، ولا ينهزم، ولا ينكفئ. انسان واع، يتحسس كيف تسير الأمور في بلده ، والى أين تنتهي، لكي لانعيد أخطاء حكومة الـ ( 1921 ) من قرننا المنصرم.
لكن، وأنا أتصفح جريدتكم الغراء، التي اعتدّت على قراءتها كالزاد الوطني الشهي. جلب انتباهي وشده بغرابة شديدة، موضوع افتتاحيتكم الذي حمل عنوان (البرلمان الضائع ورئيس الوزراء القوي ) في عدد جريدتكم (السنة الخامسة العدد (1046) الاثنين 3 / ايار / 2010م ) حيث وجدت اختلافا كبيرا، بينما طرحتموه في افتتاحيتكم هذه، وبين توجهاتكم الوطنية البعيدة كل البعد عن الطائفية، (ولو أننا ـ الرافضة ـ طائفيون على طول الخط، وان كنا ندافع عن أنفسنا أو نرد الشبهات) .
فقد أوضحتم في معرض مقالكم المذكور، استغرابا حول الصراع على الكرسي. وضربتم مثلا لرئاسة نوري السعيد للوزارة، ورئيس البرلمان في حينه. وطلبتم من سياسي اليوم الاقتداء بما عرضتم من مشهد دار بين الاثنين في ساحة البرلمان في العهد الملكي. لكنكم نسيتم أمورا مهمة، ومعقدة لاتسمح بالتشبيه، لتناقض الموقفين ، وفي عهدين غير متشابهين، وبينهما عقود من الزمن للاسباب التالي:
اليوم الاستعمار يختلف عن استعمار الأمس، فالمحتل الجديد، صحيح أنه رفع نفس الشعار (جئناكم محررين لافاتحين كما رددها أبو ناجي) لكن المحتل الجديد، يختلف في قدرته على فهم الشعب العراقي، ويتصرف بسياسة الكاوبوي. فالانكليز جاؤوا بعد عقود من دراسة الشخصية العراقي، دراسة تحليلية سايكولوجية دقيقة. والمحتل الجديد، استند على تصورات سياسيين عراقيين، لهم طمع بالسلطة، وآخرون طائفيون. ولم يعتمد على تجربة أبو ناجي في العراق، فاختلطت عليه الاوراق، وضاع عليه رأس الخيط.
في عهد نوري السعيد، هناك قطب واحد يتنافس على السلطة، بعد أن استبعد المكون الشيعي. المكون الذي لعب الدور الرئيس، في انبثاق الحكم الوطني، بعد ثورة العشرين. والذي يمثل الثقل الأكبر في الشارع العراقي ، بالأمس، واليوم، وفي المستقبل. واستبعاده بالطرق المعروفة لدى الجميع، في تشكيل الحكومة. وهكذا فالباشا نوري السعيد، انما ينضبط لنجاح مشروعه، وليس لاحترام الأعراف البرلمانية، لاسيما وأنتم تذكرون مشهدا بعد مرور عدة سنوات من تشكيل أول حكومة في العهد الملكي الجديد، وتوالت بعدها حكومات كان نفس نوري السعيد رئيسا لها. أما اليوم، فالمشروع خطير، ونحن لم نقف بعد على خط الشروع لبناء الدولة ومؤسساتها، وهناك خطوط متداخلة، لظلمات تريد للبعث أن يعود، وللعرب أن يحكموا باسم السنة. وهناك طريق من نور واضح، لالبس فيه. هو أغلبية شيعية، استبعدت، وهمشت على مدى قرن من الزمان، وتريد أن تحق الحق، وتبسط سلطة العدالة الاجتماعية، على مكونات الشعب كله.
وهنا، لابد للسياسي الذي قضى جل حياته يجاهد، ويناضل، ويتنقل من سجن لآخر، ومن منفى لآخر، أن يتدافع الى كرسي الحكم، لكي يستطيع أن يعطي أكثر من خلال برنامجه الذي جاهد في سبيله. ويؤسس لدولة مؤسسات، يكون فيها الجميع متساوون في الحقوق والواجبات. بعد عهود من القهر والحرمان للأغلبية. فلا بد لمثل هكذا سياسي، أن يسعى وبكل جهد ووسيلة شرعية، لاستلام السلطة، لاسيما وثعابين البعث تتربص بالمرصاد، والمحتل لايزال لايرى في غيرهم حماة لمصالحه، ودول (الطوق العربي) وراء هذا المشروع.
لقد وضع الدستور بشكل عجول، والمثل يقول الاستعجال في الشئ مفسدة له. وبعد أن صوت الشعب للدستور، ومرّر بسلام، ظهرت ثغراته بوضوح، فراح الجميع ينادي بتعديله . أما باقي بنوده فمواد بلا روح، وتعرفون ويعرف الجميع، أن نفرا ما في مجلس الرئاسة، استطاع أن يوقف بث الروح في مواد هذا الدستور، التي تحتاج الى قوانين لتفعيلها، فتصور لو أن المندسين في العملية السياسية استلموا دفة الحكم ماذا سيكون بعدها.
الجيش، وفى الأمن، لغـّمت بضغوطات جوزف بايدن، باسم المصالحة الوطنية والاصلاح السياسي، حتى زاد المئات من فدائيي المجرم، وضباط الأمن الخاص، والجمهوري الخاص، من مصاصي دماء شعبنا في هذه الأجهزة. وحصل ما حصل من اختراقات أمنية، كادت تؤدي بالحكومة. فينفلت الوضع الأمني على ولد (الملحة) فقط، لان الآخرون محميون من المحتل، بطرق أنتم تعرفونها. كل هذا ويصيح المشبوهون في الحكومة، وأنتم تعرفونهم، وينادون بالموازنة الطائفية في الجيش، وقد وصلت حسب رئيس الوزراء الى 43 % شيعة و42 % سنة والباقي كورد وأقليات، ولايزالوا يطالبون بالتوازن.
مؤسسات الدولة ووزرارتها، بنيت بشكل خاطئ، بسبب المحاصصة البشعة. فجزّء جسد الدولة، بحيث أصبح العراق مقسما من داخل دولته، وهذا ما يمهد لتقسيمه على الأرض. وهو مراد المحتل وأذنابه في العملية السياسية.
نحن الآن في طور تأسيس الدولة العراقية الحديثة، ونعيش حالة استثنائية ولم تستقر الأمور بنجاح الديمقراطية بعد ، ولهذا ترى الجميع يتبارون لحيازة موقع مهم هنا، وموقع أمني هناك، ليضعوا موقع قدم لهم، لاقتناص الفرص للإنقضاض على الحكم بمباركة دولية، لفرض حالة الأمر الواقع، يبقى فيها الأغلبية هم المظلومون.
إذا ً، لابد للسياسي من أن يتدافع لنيل رئاسة الوزراء، فالدستور وضع لنا حكما برلمانيا، ينتج لنا أهمية رئاسة الوزراء. ولكي يسعى هذا السياسي، لتطبيق برنامجه الوطني، وليسد الثغرات التي نفذ منها البعث، ويريد أن يزيد من وجوده خلف قوائم، الجميع يعرف كيف تشكلت.
ولكن، وهذه الـ (ولكن) كبيرة بكبر مخاطر الشخصية وموقعها، والمهمة وصعابها، فلابد من توفر شروط لرئيس وزراء يحكم في وسط هذا الخضم غير المتجانس، ويمتلك صفات ـ للأسف ـ يفتقدها الكثير من السياسيين منها:
ـ أن يكون ذو ثقافة واسعة، ويمتلك لياقة في الحوار مع كل الأطراف ، وذو رحابة صدر لايستفز ولا يُستفز.
ـ يمتلك خلفية ثقافية، ومعرفية في العلاقات الدولية ، ومعرفة كافية بالسياسة الدولية لاسيما الغربية منها.
ـ يمتلك علاقات طيبة مع جميع دول الطوق العراقي، وله القدرة على فن صناعة هذه العلاقات، معتمدا على خزينه الثقافي والمعرفي، في أمور التأريخ، والسياسة، والأخلاق، والحكم.
ـ يمتلك القدرة على مد جسور الود بين مكونات المجتمع العراقي، من خلال خطاب وطني يدخل الى القلب، ولايعكر الصف الوطني بالخطابات المتشنجة الرنانة، التي ولى عهدها وانقرض، لأنه رئيسا لكل العراقيين.
إذا ً فالمرحلة خطرة، ودعهم يتدافعوا ليظهروا لنا منهم، الصالح من الطالح. من خلال الأداء والخطاب، التي تعكس النيات السيئة والحسنة من خلالهما، وشعبنا كفيل بفرز هؤلاء، ومستعد لدعم الخيرين منهم، حتى يقف العراق على قدمية ... ولكم مني فائق الشكر والتقدير
زهير الزبيدي
لكنني للأسف، لم أستلم أي رد حتى رد التحية التي أمر الله سبحانه بردها. فتبعت رسالتي تلك بأخرى مقتضبة جدا، ملمحا فيها، بأنني أرسلت لكم رسالة إلا أنني لم أستلم حتى رد التحية، وأتمنى أن يكون المانع وطنيا.
لم أستلم الرد مرة أخرى فتعجبت، وتركت السبب لسرعة تقلبات الموقف السياسي، وانشغال الرجل بمتابعته، لاسيما وهو يمتلك خزين من مآسي أيام النظام، وعلاقته بدول الخليج العربي.
غير أني تفاجأت بعد حسن النية تلك،التي ضمرتها للأستاذ ستار جبار، بأنه قد ينشر في عدد الجريدة (السنة الخامسة العدد (1054) الخميس 13 / ايار / 2010م) وتحت عنوان (مواطن عراقي يشيد بشجاعة رئيس التحرير) يقول فيها (ايها العراقي الشامخ ستار جبار .. ايها القلم الاصيل المدافع عن العراق .. ايها المقاتل الذي لا يساوم او يهادن .. ايها الشريف ستار اثلجت صدرنا برّدك الرائع المنشور في الصفحة الثالثة لعدد يوم الاربعاء تحياتي لك من اعماقي ومن اعماق كل الوطنين الغيارى في هذا الوطن المنكوب .. سر ايها القلم لتمزيق كل المخططات الطائفية التي دمرتنا وجعلتنا نخوض بالوحل .. سر وكل الخيرين خلفك يؤازرونك ويشدون على عضدك .. وثق ان كلماتك الرائعة بلسماً لجراحنا يا ستار
جمال الزكم
من اهالي التاجي)
تعجبت وتذكرت رسالتي، وقلت: لماذا تنشر مثل هذه المدائح ـ التي قد يستحقها الرجل وبجدارة) ولا ألاقي رد على رسالة، كنت قد بينت رأي عن مواقفه الوطنية، مثلما قدمها المواطن الشريف الأخ جمال الزكم. فهل كان ذلك بسبب أنني وجهت نقدا له فامتعض من النقد، ولم يعجبه تقديري وتبجيلي له؟ أم أنني قصرت بزيادة الاطراء عليه ؟ فاذا كان هذا أو ذاك؟ فلماذا يفتح صفحات جريدته بالنقد اللاذع للسياسيين؟ ويرفض أن يأتيه رد منهم، حتى اذا كان على مستوى الدفاع عن النفس، كما حصل مع أمين بغداد العيساوي؟ لذلك أقول يا سيد ستار جبار اتعض بالمثل الذي يقول (إذا كان بيتك من زجاج فلا ترمي الناس بالحجارة). وقول أمير المؤمنين عليه السلام:
لسانك لاتذكر به عورة امرء فكلك عورات وللنــــــاس ألسن
وعينك إن أبدت اليك معايبــا فصنها وقل يا عين للناس أعيـن
وهكذا نكون مصداقا للحديث النبوي الشريف الذي يقول: (المؤمن مرآة أخيه المؤمن) فلنكن مرآة بعضنا لبعض، والله من وراء القصد. وسأبقى قارءً مثابرا، وداعما لجريدة البينة الجديدة لأنني أؤمن بنهجها، إلا بمبالغة النقد الذي يؤدي الى حرف المعنى غير المقصود..
زهير الزبيدي
............................
الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1405 الاحد 16/05/2010)