أقلام حرة

منع الانتقاد هو الخطوة الاولى نحو الدكتاتورية

 يسرق منه حرية التعبير مهما كانت، وان انتقد اعلى سلطة حكومية او اجتماعية او دينية، فلا توجد مقدسات خاصة وانما المصالح العليا والامن القومي يحددان اطر العمل والخطوط التي لا يمكن تجاوزها، ان كانت عبورها يعود بالضرر الى الجميع ويفرز حالات سلبية معوقة للتقدم والتطور المنشود من جميع النواحي.

في مجتمعاتنا الشرقية، هناك محددات تفرضها السلطات المتعددة ومن ثم العادات والتقاليد والاعراف الاجتماعية، وتدخل ارشادات وتعليمات وفرضيات العقائد والاديان والمذاهب ومَن خلفهم ضمن المقاييس المفروضة لتقييم الاراء والمواقف التي تطرح، لذلك نلمس خلطا واضحا في الامور بين الممنوعات وجهة المراقبة والعقليات التي تحكم. فالسلطات تفعل ما تشاء هنا وفق مصلحتها فيما لو استوجبت تضييق الحريات ان لم تكن مقومات تجسيد الحرية متوفرة، في ظل انعدام المؤسساتية في الحكم وخضوع السلوك وتصرفات واحكام السلطة التنفيذية لرحمة المزاجات الشخصية ومصالح القوى المتنفذة والقادة وعقلياتهم. اما من الجانب الاخر والاوامر الصادرة من مَن يُحسبون على المحافظين على العادت والسمات السائدة  والمتزمتين والمتحفظين من خلال الالتزام بالدين والمذهب ومرتكزاتهما واحكامهما، فانهم يمكن ان يكونوا اشد وقعا وتاثيرا على الحرية العامة، ويدعون الى الالتزام بالقواعد والسلوك التي تحددها العقائد والفلسفات الدينية، وخاصة في الشرق المسلم المتشدد المانع لاي حديث عن الممنوعات العديدة التي توارثتها الاجيال تاريخيا وتُكم افواه من يقترب من تناولهاعلنا باية طريقة كانت.

ما نلمسه هذه الايام من تدخل المتزمتين من الملالي واتجاهات الاسلام السياسي في منع الانتقاد في الادب والفنون في اقليم كوردستان امر لا يطاق، ونحن في القرن الواحد والعشرين، ولا يحسون بوجود اي خط احمر امامهم عند تماديهم على العلماء والادباء والشعراء والرموز والعقليات المتنورة بينما هم يصرخون باعلى اصواتهم عندما يُنتقدون وبالاسس العلمية الحديثة، من خلال الحوار واثارة المواضيع التي يريدون بقاء الابواب مقفلة عليها لاخر الدهر، انها حقا الموانع العلنية امام همة المعنيين للتنوير والحداثة والتطوير في مجالات الحياة كافة، مستندين على اعتقادات واحكام اديان وايمان مطلق، ومقولتهم الشهيرة وما يطلقون من احكام حقهم المطلق في الامورالتي يطرحون والتي لا يمكن تناولها من قبل احد اخر، وهذا واضح في نظرتهم الضيقة فقط!!

هذا ما يصنع الموانع والسدود المنيعة امام نقد العقل الديني والمذهبي بشكل حصري ولم يدع  التعمق في نقد الفكري والفلسفي ان ياخذ مجراه الصحيح، وليس لهم اي تفهم لشروط الانتقاد وتحليل وتفسير المواضيع القابلة للبحث.

انهم حقا لا يعلمون ان اي انتقاد في المواضيع المثالية لا يشمل الدين والمذهب والطرق والفروع المنطلقة منهما فقط  وحصريا، ويمكن ان تكون الانتقادات في هذا الاتجاه هي الانتقاد للوعي العام وتحليل للافكار والعقليات في الازمنة المختلفة بما فيها الحالية، ولا يقصد اي نقد نفي والغاء من وما ينتقد من جانب واحد دون ان يقتنع المقابل، كما فعل ويفعل هؤلاء في كل زمان ومكان، ويهدفون الى السيطرة والاحتكار على كل شيء ومنع المقابل من التفوه بما يعتقد، ويكتمونه.

ما نصبو اليه هو ضمان حرية التعبير وطرح الاراء باي شكل كان، سوى كان هن طريق النقد او التحليل او التفسير او بكتابة ما مهما كانت، وهذا لا يعني اننا مع ما يطرح بشكل مطلق، بل مع حرية ما يطرح وحتى من قبل المقابل، هذه هي النظرة وفحوى كلامنا ويهمنا الدفاع عن الحرية قبل اي شيء اخر.

يصح هذا الكلام ايضا ان وجهنا كلامنا الى الجهات الاخرى غير الدينية ايضا ومنها السلطة السياسية، وهي تتصرف وفق ما تراه هي صحيحا من جانب واحد وبشكل مطلق وتتعامل مع الراي الاخر بشدة وتمنع التعبير عن الراي المخالف حول ما تجري على الساحة السياسية من التناقضات في ادارة الامور والازدواجية في التعامل مع المواضيع والاحداث والامور، وما تمنعه السلطة من الحراك السياسي الاجتماعي الهادف الى التغيير والاصلاح في الحياة العامة من كافة جوانبها السياسية الاقتصادية الثقافية هو الخطوة الاولى للدكتاتورية بذاتها، وهي تضع الختم الاحمر على الممنوعات التي توارثناها منذ عهود والتي لا يمكن التطرق اليها من اجل الحفاظ على سلطتها فقط، انها لا تختلف من حيث طريقة اداء الواجب في تحقيق مصالحها عن الاخرين ولكن الفرق هو اختلاف الخلفية التي تحملانها، السلطة كانت ام المنابر الدينية العقيدية، ولابد من فك عقدتهما واجبارهما على الانفتاح على ضرورات العصر والتمدن، وعليهما تقبل الانتقاد وبحث كافة المواضيع، وانهاء الممنوعات من كافة النواحي .

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1406 الاثنين 17/05/2010)

 

في المثقف اليوم