أقلام حرة

سياسة واحدة وخط واحد

الاستغراب على عدم استيعاب بل على وجود قطيعة بين السياسيين الجدد وتاريخنا الحديث لأنهم لو كانوا يملكون أدنى صلة بهذا التاريخ لعرفوا أن سياسة الغزاة المستعمرين هي سياسة واحدة حتى من حيث التوجهات الفرعية والمتناهية الدقة في الصغر والتفاهة،

بالأمس وقف الجنرال البريطاني (مود) ليقول للعراقيين (إننا جئنا محررين لا فاتحين) وأستمر مكوثهم في العراق لإتمام عملية (التحرير) المزعومة أربعة وأربعين عاما من عان 1914 حتى عام 1958 يوم أخرجهم العراقيون بالقوة والثورة. واليوم وقف  جنرالات الجيش الأمريكي الغازي ليعلنوا أنهم جاءوا لتحرير العراق أيضا وأنهم أسموا عمليتهم باسم (عملية تحرير العراق) ويهدفون من ورائها تحرير العراق، لكن ممن؟ من حاكم عراقي ظالم.

 أما بين هاتين الجملتين المشهورتين فيشخص المشروع الاستعماري الواحد  بما يبدو أن مشروع اليوم هو نسخة معدله من مشروع عام 1914 ويمكن إدراك هذه الحقيقة من مقاربة الأداء العسكري الأمريكي المعاصر مع الأداء البريطاني الغابر، حيث يتضح أن لهذا المشروع المتجدد شعبتان تحدث عنهما الضابط (برترام توماس) في كتابه (مخاطر ورحلات في الجزيرة العربية) في سياق حديثه عن الثورة العربية بالقول:وعندما انتهت الحرب كانت هناك وجهتا نظر حول السياسة التي يجب أن تتبع في البلاد العربية

أولا: حكومة عربية يتم اختيارها من العناصر التي قامت بالثورة العربية..

قاصدا بذلك مجموعة الأشخاص الذين قادوا ما عرف في حينه باسم (الثورة العربية) تضخيما لخطرها وليس لدورها العربي الشمولي إذ أنها لم تشمل سوى جزء صغيرا من البلاد العربية وكانت محصورة في الحجاز دون نجد وشمر وباقي أراضي الجزيرة العربية ودون البحرين والكويت والعراق، فهذه المناطق لم تمتد لها الثورة. أما في الجانب العربي الآخر فكانت محصورة في غور الأردن وبعض الأراضي السورية ولم تمتد إلى مصر والمغرب العربي.

أما سبب تفضيل قادتها على غيرهم من العرب فلأنهم بالأساس ثاروا على فرنسا المنافس القوي لبريطانيا، بدعم من الجانب البريطاني، والحسين بن علي نفسه كان مرتبطا باتفاق مع الحكومة البريطانية للوقوف ضد الدولة العثمانية. وهذا التكريم يأتي من هذه الجوانب دون سواها!

ثانيا:أن تدير بلاد ما بين النهرين نفسها بنفسها مع توريطها بمشاكل تركيا وإيران ونجد لكي تبقى بحاجة للوجود البريطاني الذي كان يرغب بشدة بالبقاء لتحقيق المكاسب المادية من جهة وللوقوف بوجه التيار القومي المناهض الذي كان ينمو ويتوسع باطراد كبير.

لكن الذي حصل أن الحكومة البريطانية خلطت الأوراق في العراق للتشويش على الموقف وتضبيب صورته من خلال خلط وجهتي النظر هاتين، ونجحت بالبقاء في المنطقة العربية إلى أواخر خمسينات القرن الماضي حيث كانت الشعوب العربية ترى نفسها أو تدعي أنها حرة مستقلة كما هو العراق اليوم ولكنها كانت واقعا تحت النفوذ البريطاني كليا وهو الأمر الذي شخصه الشيخ محمد رضا الشبيبي في وصفه للدولة العراقية التي أنشئت عام 1921 بقوله : الدولة العراقية الجديدة مستقلة ذات سيادة في الظاهر ولكنها لم تكن كذلك في الواقع فالاستقلال كان ملوثا ... بل كان الحكم ثنائيا بين الإنكليز وبين فريق من صنائعهم وأعوانهم.

ومن ينظر إلى المشهد العراقي المعاصر يجد الثنائية، ثنائية الحكم وثنائية اتخاذ القرار وثنائية الصنائع والأعوان واضحة لا تحتاج إلى شبيبي جديد لرصدها. 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1406 الاثنين 17/05/2010)

 

 

 

في المثقف اليوم