أقلام حرة

العلاقات الكوردية المصرية: آفاق المستقبل

تربط الشعبين الكوردي والمصري على مر حقب التاريخ، والتي تبدأ بحسب وجهة نظر الباحث من عهد الفراعنة الذي امتد بالتوازي مع عهد الميتانيين الكورد الذين كانوا على علاقة وثيقة بملوك الفراعنة منذ القرن الرابع عشر قبل الميلاد، ويستشهد على متانة تلك العلاقة بالزواج الذي جمع الأميرات الميتانيات وملوك الفراعنة، كالأميرة الميتانية – الفرعونية نفرتيتي التي حكمت مصر، وأصبحت من أشهر الأميرات التي عرفها التاريخ المصري القديم .

ويستطرد الباحث في عرض العلاقة بين الأكراد والمصريين، وذلك وفقاً لتسلسلها الزمني، قبل الميلاد وبعده، ولعل أبرز ما ميز الكتاب وقوفه التاريخي وشرحه المفصل لكل المجالات السياسية والاجتماعية والثقافية التي تطورت من خلالها تلك العلاقة.

فالهجرة الفعلية للأكراد نحو مصر بدأت بعيد دخول الأكراد في الإسلام كمكون جديد، وبالتالي إسهاماتهم التي قدموها لجوارهم الإسلامي، وعلى وجه الخصوص لمصر، وبدأت عملياً مع انطلاق عهد الدولة الأيوبية 1171- 1250 حيث هاجرت آلاف العوائل الكوردية إلى مصر وانتشرت في شتى أرجائها، على أن ذلك التوافد الكوردي لم ينقطع بعد انتهاء عهد الأيوبيين، بل استمر حتى أواخر أيام المماليك والعثمانيين .

وينقسم الكتاب إلى فصلين أساسيين يستعرضان تاريخ وآفاق العلاقات الكوردية المصرية، وداخل كل فصل مجموعة عناوين أساسية، ففي الفصل الأول، يقدم الباحث ياسر بادلي، تعريفاً موجزاً بالشعب الكوردي، يليه حوار حول القضية الكوردية في المجتمع المصري، ثم يستعرض وجهات نظر رجال السياسة والإعلام المصريين حول تلك القضية، ولا يغفل أيضاً عن تناولها من وجهة نظر رجال الدين، لما للأكراد من دور كبير في انتشار الطرق الصوفية في مصر كالطريقة النقشبندية.

ويرصد الباحث في الفصل الثاني مجموعة عناوين، منها ما يختص بالصلات الثقافية بين الشعبين الكوردي والمصري، ودور الأكراد في إحياء حركة التنوير في العصر الحديث، إضافة إلى إسهاماتهم في تعزيز صروح الحضارة المصرية وقيادتهم لحركة الفن والموسيقى التي عرفتها مصر .

وبطبيعة الحال لا يخلو الكتاب من الوقائع التاريخية، فالتاريخ هو الركيزة الأساسية التي استند عليها الباحث في دراسة العلاقة بين الشعبين الكوردي والمصري، ولو أنه توقف ملياً عند التاريخ في فصله الثاني، بما يشبه التذكير بما ورد في الفصل الأول، في محاولة منه للفت نظر القارئ إلى جوهرية العلاقة التي لم يكشف عنها أي باحث من ذي قبل .

نستطيع القول، إن الباحث ومن واقع دراسته التاريخية في مصر، ومعايشته الطويلة للمجتمع المصري، استطاع أن يقدم بكاتبه كشفاً تاريخياً ظل حتى اليوم غير معلوم لدى الكثيرين منا حول الرابطة التاريخية التي تربط بين الشعبين في الماضي والحاضر، وهذا هو الشيء الجديد الذي حمله في طياته .

بدوره يرصد الباحث، تاريخ العلاقات الكوردية المصرية من خلال إسهامات الأكراد في مصر في شتى المجالات وعلى مختلف المستويات، فعلى المستوى السياسي :

1-   تأسيس الأكراد بقيادة صلاح الدين الأيوبي للدولة الأيوبية التي وحدت مصر والشام وامتدت لقرن من الزمن.

2-   التحالف السياسي – العسكري بين الأمير الكردي بدرخان والمصري إبراهيم باشا، وتوحيد قواهما في معركة نزيب قرب عينتاب .

3-   التعاون بين أمراء سوران وإبراهيم باشا المصري .

على المستوى الثقافي :

1-   إصدار أول صحيفة كوردية في مصر ( كوردستان) كأول صحيفة أصدرها الأمراء البدرخانيون المهاجرون وعلى رأسهم الأمير مقداد مدحت باشا في 22 نيسان / ابريل عام 1898 وهو ذات اليوم الذي يصادق عيد الصحافة الكوردية .

2-   التأسيس لمطبعة كوردستان، وهي أول مطبعة كوردية في القاهرة تقع بجوار جامع الأزهر حيث جرى طبع العديد من الكتب الكوردية .

على المستوى الأدبي والفني :

1-   إسهام الأكراد في حركة الإصلاح والتنوير من خلال أعلام الأسرة التيمورية والعونية .

2-   إسهام الأكراد في حركة الأدب من خلال إبداعات أمير الشعراء احمد شوقي.

أخيراً، وكما يقال إن الصورة أبلغ من الكلام، فإن الصورة التاريخية التي أرفقها الباحث في نهاية الكتاب، والتي جمعت الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر مع الزعيم الكوردي الملا مصطفى البرزاني، تؤكد وبما لا يدع مجالاً للشك أن العلاقات المصرية الكوردية تمثل مفتاحاً للتفاهم بين العرب والكورد حاضراً ومستقبلاً .

كاتب سوري

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1407 الثلاثاء 18/05/2010)

 

 

في المثقف اليوم