أقلام حرة

تسييس الفعاليات المدنية لمصلحة من؟

وتوزيع المهمات بين مكوناته وهيئاته دون اي خلط في اداء العمل او في اتباع الوسائل المشابهة او في الاهداف والنضال من اجل تحقيقها، ولايد ان يؤدي كل جانب ما عليه من الواجبات دون المساس بما يخص الاخر .

 من المعلوم ان الاحزاب السياسية لها مهامات واهداف خاصة وهي تصارع وتنافس سلميا في المجتمع المدني من اجل التقدم في امكانياتها وجماهيريتها للوصول الى السلطة وتحقيق الغاية التي تعمل من اجلها. اما المنظمات والمؤسسات والهيئات المدنية لن تهدف في نشاطاتها وعملها الى اية سلطة تُذكر، بل انها تنعكف في عملها وتركز على تحقيق ارتقاء المجتمع وتمدنه ورفع مستواه الثقافي واتساع رقعة الوعي العالم والمحافظة على تطبيق المفاهيم التي تهم الشعب من الحرية والديموقراطية ومبادئها وضمان حرية العمل والتعبير والصحافة والدفاع عن حقوق المواطنة في البلد .

 ما نحس به في الدول النامية وبالاخص الشرق الاوسطية هو سيطرة السلطة على كافة امور الدولة ولم تسمح لاية جهة اجراء ما عليها من الاعمال والمهمات بعيدا عن تعليماتها سوى كان بشكل مباشر او غير مباشر . وهي اما تؤسس منظمات ونقابات واتحادات مختلفة في الظل من اجل قطع الطريق امام انبثاق ما هو الحقيقي وممثل للطبقات والشرائح من هذه المنظمات والمؤسسات او تضغط بكل السبل من اجل بقائها تحت سيطرته بالترغيب والترهيب . وعندئذ تكون الفعاليات المدنية التي يمكن ان تبديها هذه الهيئات تحت رحمتها ولن تهدف الى ماهوالمطلوب اصلا ومن جوهر متطلبات المجتمع المدني والتنوير والحداثة.

 عدا ذلك، فان ردود الافعال العفوية التي تحدث من قبل الشرائح والمهن المؤثرة ازاء الحوادث المختلفة، او عند حدوث الخروقات او تدخل الاحزاب والسلطة في امور المواطنين الخاصة، او عند التاثير على العملية المدنية اصلاو تحاول ان تعيقها، او اعاقة نتاج وثمار النخبة من المثقفين من الكتاب والادباء والشعراء والصحفيين التي تسرٌع من تمدن وتقدم المجتمع بعيدا عن مصالح الاحزاب، فان السلطة ستغير التوجه وتحدث الفوضى وتؤخر المسيرة المدنية من اجل المصالح الحزبية القحة.

 ما لاحظناه بعد اغتيال الشاب المغدور سردت عثمان من ردود الافعال المختلفة من قبل كافة الشرائح في اقليم كوردستان وفي مقدمتهم المثقفين والصحافة والاعلام بشكل عام بالذات قد اثلج صدورنا مما شاهدنا من الادانة القوية والمتعددة المصادر، ولكن ما استغربنا منه حقا هو محاولة الجهات السياسية كافة سوى كانت في السلطة ام في المعارضة استغلال هذه الحادثة للحصول على المكتسبات السياسية بعيدا عن القيم المدنية وبشكل واضح . فان الفعاليات والنشاطات الكثيرة التي اجريت عند محاولة البعض من التاثير عليها قد افرغتها من مضمونها وغيرت من جوهرها واهدافها واعادت عملية التمدن المستمرة الى حظن الحزب والسياسة حصرا، ولاسباب عديدة منها قلة خبرة من اداروا النشاطات او انعدام التجربة وسيطرة العقل السياسي والتسييس على كافة المثقفين وفي جميع المجالات، وقلة امكانية المستقلين الحقيقيين وانعدام قدرات المؤثرين على الراي العام بعيدا عن الجهات السياسية، واستمرار وجود الكوادر الحزبية الايديولوجية في المنظمات والاعلام المستقل والصحف الاهلية، وعدم مهنية المقيمين والمشاركين في هذه الفعاليات في اداء واجباتهم. ومن ثم استغلال السلطة الاخطاء التي حدثت لقلب الموازين وتوجيه الانظار نحو الاهداف السياسية والعودة بفكر وحال الشعب الى الصراعات الحزبية المتشددة، ربما لوجود عقول ورموز حزبية وراء بعض النشاطات ومنها التي بولغت فيها وهي غير مجدية بقدر ردود الافعال العديدة التي انبثقت في وقتها داخل كوردستان، سوى كانت من المظاهرات والاحتجاجات واعتصامات اصدقاء وزملاء الصحفي المغدور او اهتمام العالم بها، وكان من الاجدر الاكتفاء والانتقال الى المؤثرات الخارجية التي تغير من المعادلات اكثر من استمرار الفعاليات الداخلية، ايما يفعله الاهتمام العالمي بالحادث وتاثيراته على الراي العام وسياسة الاقليم  .

بعد سحب بساط هذه الفعاليات والنشاطات من تحت ارجل الهيئات والمؤسسات المدنية وجرٌ الهدف نحو السياسة وتغيير المغزى، لم نتمكن من قطف الثمار التي كانت بالامكان ان تعود بالخير الى المجتمع والثقافة العامة والتي حصلنا عليها بسبب الحادث، وكان بالامكان الاستفادة منه لدفع العملية المدنية وتنوير الوضع العام للاقليم بدلا عن الصراع الحزبي واعادة فتح صفحات الماضي الاليم من سلبيات التاريخ الحديث للعملية السياسية في اقليم كوردستان منذ حركة التحرير الكوردستانية والتي نحن في غنى عنها، ولابد من نسيانها بعد طي الصفحات الى الابد، بدلا من اعادة الذاكرة اليها . يمكن ان تفيد هذه العمليات العفوية من عدة اتجاهات منها: سوف تتردد اية جهة في مد يدها مرة اخرى لغدر من ينتقد ما يجري على الساحة السياسية الكوردستانية بشكل بناء، ومن ثم لابد لرموز الثقافة واصحاب الكلمة الحرة والملمين الذين من واجبهم تثقيف وتمدن المجتمع ان يحذروا مستقبلا ويقطعوا الطريق امام من يريد تسييس النشاطات المدنية العفوية اي من كان، لتبقى رحلة التطور السياسي الثقافي المدني مستمرة، ويجب ان توزع المهامات بشكل صحيح دون خلط بين المكونات، وليس لمصلحة احد تسييس كافة الفعاليات وحتى المدنية، اواستغلال الاعتراضات النابعة من اخطاء المتنفذين لضمان مصالح الشعب قبل اي حزب او قبيلة او شخصية كانت.

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1408 الاربعاء 19/05/2010)

 

في المثقف اليوم