أقلام حرة

... والثمن علبتا فول فقط !!

المتشعبة من الحواجز (الصبّات) إلا علامة من العلامات الصغرى للخطط الأمنية على الرغم أن تغيير تلك الخريطة بين الحين والآخر يتسبب بحوادث كبيرة بسبب تغيرها السريع مما يجعل المعتادون على خطوط سيرهم يتسسببون في حوادث كبيرة فعلينا أن نحاول أيجاد وسيلة سريعة لتلافي حدوث تلك الحوادث المؤسفة فمثلاً من الممكن طلاءها بلون أبيض كي تكون واضحة للعيان ليلاً ونهاراً أو أن تضع عليها علامات ضوئية مميزة .

وفي يوم من الأيام قادتنا تلك الخريطة لنقف في مواجهة أحدى نقاط التفتيش في مركز مدينة بغداد في ساعة الظهيرة وكان المنتسبون الأمنيون يؤدون واجبهم على أكمل وجه باستخدام الكشف عن المتفجرات والأسلحة داخل العجلات التي تمر من الخانق الذي أمامهم .. وفجأة أشّر الجهاز دالاً على أن عجلة نقل صغيرة تحمل طنان من المواد بعلب كارتونية قد تحتوي على شيء مخالف للقانون، أعيد التدقيق مرة ومرتان إلا أن الجهاز أبى إلا أن يؤشر وجود شيء ما .

تمت الأشارة الى سائق العجلة أن يركن جانباً للتفتيش، وفعلاً نفذ الأمر وهو شاب بعمر المراهقة ترجل من عجلته وأنتظر أن يأتي المخول بالتفتيش .... والذي بدوره تكلم معه ومن ثم قام بفتح أحد الكارتونات لينظر فيه ومن ثم يأخذ علبتا فول فقط ويتركه كي ينصرف في رعاية الله !! لقد أرتسمت علامات التعجب على وجوه جميع السائقين الذين ينتظرون دورهم للمرور من عنق الزجاجة هذا .

هناك تساؤل يطرح نفسه دائماً لماذا تقوم المفارز الأمنية بعد كل أستهداف إرهابي جبان لأبناء شعبنا بالتشدد في سيطراتها وبصورة قاسية جداً ترهق معها أعتى الرجال ومن ثم ينحرف المنحنى البياني لهذا التشدد والتدقيق ليصل الى درجة أنك لا ترى أي عنصر أمني واقفاً في نقطة التفتيش حيث تراهم بعيدين جداً تلهيهم ملاهي الحياة البسيطة .. أنا لا أعرف ما كانت تحمله تلك العجلة ولكن لو فرضنا أنها تحتوي على علبة بسيطة تحتوي على كمية من المواد المتفجرة وفجرت قرب أحد التجمعات التي كانت متوجهه اليها حيث كان المكان في حينه يعج بالموظفين الذين خرجوا للتو من مكان عملهم وأطفال غادروا مدراسهم وأشكال كثيرة من الحياة عجت بها المنطقة .. أقول لو أن هناك أرواحاً غضة بريئة أزهقت في حينه فما يكون ثمنها .. لا اعتقد أنه أكثر من علبتا فول !!

وما ذلك الجوع القاتل الذي كان يعانيه ذلك الرجل الذي قام بالتفتيش والذي يدفعه للقيام بهذا العمل الذي لا ينم عن سوء التقدير والاستهتار بأرواح الناس وأملاكهم .. على الرغم أن تجهيزات الجيش العراقي لم تعد قميص وبنطرون يصل أسفل الركبة بقليل لبسه قبله لواء كامل من الجيش قبل أن يصل إليه .. هم الآن يمتلكون أرقى التجهيزات وبما يضاهي تجهيزات جيوش العالم المتقدمة وأحدث الأسلحة الخفيفة و ... و .. أشياء كثيرة نراهم يزينون صدروهم بها لا نعلم ماهي .. ومن حيث رواتبهم فأعتقد أنها راوتب جيدة بل أكثر من رواتب المهندسين والمدرسين الذي مضت على خدمتهم ستة سنوات، ليس مثل ذلك الجندي في عهد النظام السابق الذي كان يتسول في منطقة العلاوي فقط كي يوفر أجرة الألتحاق بوحدته العسكرية .

ذلك الجندي السابق الذي لا يمتلك دورات مياة ولا يمتلك طعام معلب ولا يشرب (ريد بول) علماً أنه كان الأحوج للجوانيح في ذلك الوقت !!. ذلك الجندي الذي لايملك حتى مياه ليشربها لاعلب المياه المعدنية التي تقدم لجنودنا الآن الذين تراهم اليوم يتبخترون ببدلاتهم وأسلحتهم الحديثة .. .. ألا ترى أنه أمر غريب على الرغم هو نفس الجندي وبذات السحنة السمراء الجميلة وهم عراقيون من محلاتنا البغدادية الأصيلة .. أذن مالذي تغيير بالله عليكم .

أنا التمس من ذوي الحكمة في الوزارت الأمنية كافة أن تبدأ مرحلة تثقيف حقيقية بأهمية عمل الأجهزة الأمنية ولكل المراتب ويجب أن تكون هناك دورات مستمرة لزيادة الحس الأمني لهم وأن تتوفر لدينا أدوات شحذ الغيرة العراقية الأصيلة في صدور أولئك الرجال الذين يحملون شرف حماية هذا الوطن وتقديم أرواحهم فداء لأرواح شعبهم الأبيّ .

علينا أن نضع نظاماً رقابياً قوياً على عمل السيطرات على أختلاف أنواعها وعلى عموم مساحة العراق .. فالتحدي الذي أمام القوات الأمنية هو تحد قاس لم تواجه أي دولة في العالم في مثل قسوته .. تحدِّ أقل ما يقال عنه أنه تحد قد يطيح بالرقاب .. ولا يمكن مقاومته بعلب الفول !!

 

زاهر الزبيدي

[email protected]

  

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1408 الاربعاء 19/05/2010)

 

 

في المثقف اليوم