أقلام حرة

لماذا يحترم الطفل الهولندي ولا يحترم أطفالنا؟

الاتحاد الاوربي، كمؤسسة، اصدر بيانا بهذا الخصوص معلنا تعاطف اوربا مع الصبي.

طبعا لايوجد شك ان ماحصل هو مأساة انسانية تدعو الى الحزن والقلق على مصير الصبي،  لكني لم استطع منع نفسي من التفكير في السبب الذي جعل العالم يقلق بهذا الشكل على هذا الصبي مع انه قد ترافق مع الحادث حصول سلسلة اعمال عنف ارهابية في العراق استهدفت المدنيين اساسا فقتلت وشوهت ورملت وايتمت المئات.  لكن احدا لم يتحدث عن صبي عراقي محتمل قد يكون فقد عائلته في هذه الحوادث.

لكن الذي حصل هو اني وفي اوج تفكيري في اسباب هذا السلوك الذي بدى لي ازدواجيا وغير منصف، شاهدت برنامجا وثائقيا عن هولندا وكيف يعمل الهولنديون منذ القدم على حماية اراضيهم المنخفضة من غزو مياه البحر بل وقاموا بتجفيف المستنقعات وتحويلها الى حقول زراعية تمتلك اخصب تربة على وجه الكوكب على حد تعبير المعلق على الفلم.

ليس ذلك فقط بل تحدث الفلم عن كون هولندا ثالث اكبر بلد زراعي مصدر في العالم بالرغم من مساحتها الصغيرة.

وتحدث الفلم عن ملايين الزهور التي تصدرها هولندا يوميا الى أرجاء العالم لتجني من وراء ذلك مليارات الدولارات سنويا.

اظهر الفلم لقطات وثائقية قديمة تعود لبدايات القرن الماضي تظهر كفاح الهولنديين لبناء السدود الضخمة بايديهم العارية وهم نصف غارقين في المياه.

القصة طويلة ولايتسع المجال لسردها . . . لكن المهم فيها:ان الهولنديين كافحوا وعملوا بجد ونظموا أنفسهم وواجهوا قدرهم الجغرافي والطبوغرافي بالعقل والعلم والجدية والانتاجية العالية واحترام العمل.  وكانت النتيجة بلدا فيه واحد من اعلى مستويات المعيشة في العالم.  يتلازم فيه التطور الاقتصادي مع تطور اجتماعي وثقافي وسياسي مستمر. كل ذلك منح البلد نفوذا واحتراما اقليميا وعالميا لان هولندا اصبحت دولة ذات شأن.  ولم يكن ذلك الاحترام مقدما لشخص بل لمجتمع باكمله يعرف العالم انه هو، اي المجتمع،  مسؤول عن تطوره وازدهاره.

 لقد جلب ذلك احتراما للفرد الهولندي وصار ينظر اليه باعتباره انسانا ينتمي الى مجتمع متحضر ومزدهر.

اما الفرد العراقي، فكان هو وليس سواه يهتف على مدى عقود بانه لولا قيادته لما استطاع الحياة ولما استطاع العمل والنوم وارتداء الملابس والأحذية والتعلم ولما استطاع السير ربما!!

وكان ممكنا للأمر ان يبدو مقبولا نسبيا لو ان تلك القيادة هي مثل قيادة مهاتير محمد رئيس وزراء ماليزيا السابق الذي يعود له الفضل حقا في بناء ماليزيا الحديثة.

ولكن المأساة تكبر وتتضخم عندما ينظر العالم الى العراقي وهو يرقص فرحا بالانجازات لكنه يرقص فوق اكوام من الانقاض وساحات واسعة من القمامة.

قال لي شخص الماني التقيته في دولة اجنبية في التسعينيات:انكم تتحملون مسؤولية مايحصل لكم وماتتعرضون له لان من المعيب بحق شعب ان يقول:لقد اخذني فلان عنوة ورغم إرادتي.  نحن كألمان نشعر بالعار التاريخي لاننا كشعب عريق اسلمنا قيادتنا لشخص مجنون كهتلر. لذلك نحن نشعر بأننا نستحق مالحق بنا من ذل ودمار.

ختاما... اروي حادثة سمعتها من د. المرحوم خزعل الجاسم اذ يقول انه ذهب مع وفد في بداية السبعينيات الى هولندا.  وقد اعجب احد اعضاء الوفد بالتقدم في هولندا وقال: أتمنى لو نأتي بالشعب العراقي الى هولندا ونأخذ الشعب الهولندي الى العراق ونتركهم لمدة سنة ونرى بعدها ما سوف يحصل.

فرد عليه د. الجاسم: بعد سنة سيكون العراق هولندا وتكون هولندا العراق.  لان العراقيين سوف يخربون هولندا والهولنديون يعمرون العراق!!!

سادتي الكرام ... الرسالة التي اردت ايصالها باختصار تقول:

ان الاحترام ، كالحرية،  يؤخذ ولايعطى

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1408 الاربعاء 19/05/2010)

 

 

في المثقف اليوم