أقلام حرة

هل يتجه العراق الى الحداثة في التعامل مع الواقع الجديد؟

وتاريخه شاهد على غناه في المجالات الحياتية، وهو في طليعة المتقدمين للانتقال من  مرحلة لاخرى، وعبوره في العديد من الاوقات للكلاسيكية في التصرف الى الاتسام بالحداثة في التعامل وعصري التفكير مع المستجدات، وما يمكن ان نسميه الحداثة في التصرف والسلوك والتفكير والعقلية نسبة الى ظروف كل مرحلة مر بها، رغم الاردات التي حدثت فيه هنا وهناك من وقت لاخر نتيجة عوامل خارجية .

ما يعرف اليوم، ان الدول تركز على مجموعة من المفاهيم في بنيان كياناتها ودفع مجتمعاتها للتفاعل مع التطورات الحاصلة في العالم عند تماسها معها كي تتوائم وتنتفع منها وتغير من مسيرة حياتها، وان امكن اضافة ما يمكن ان تضيفه الى صرح الثقافة والتقدم العالمي في اي مجال تقدر ان تركز فيه، لتفيد الجميع .

 الاختصاصات المسيطرة في هذه المرحلة من حيث النظرية والتطبيق ويكثف الجميع جهودها في المساهمة في تطويرها هي التكنولوجيا والادب والفن والهندسة بشكل عام والاتصالات خصوصا، والثقافة العامة والنقد كاهم دافع لتقييم ما يحصل على ارض الواقع.

الحداثة كنظرية  تعتمد على مجموعة من المباديء والاسس المختلفة، بعد التفكير والتعامل النسبي مع الاحداث والعلوم والتطور الدائم، وعلى العكس مما كان العالم يتجه اليه قبل اشاعة هذه النظرية، وكان هم الجميع هو المحافظة على المقومات ومنها التي تحولت الى قيم صعبة التهميش او الازاحة في حينه، والتي لم يكن بالامكان الاستغناء عنها، فتوجه الانسان في مرحلة الحداثة الى ربط عدد من المفاهيم وتطبيقها في الواقع وتوفير الارضية المناسبة لها وربطها مع ما يهمها كالفن بالجماهيرالواجب الوجود والعلم والصناعة والمعرفة بالتقدم الدائم، والحقيقة في اي شيء مع الخيال، واخيرا وجود الاقتصاد الملائم لكل بقعة مع المتغيرات التي تحصل. فكان العراق في المنطقة هو  الاسبق في حمله للدوافع والمشجعات التي تغير مجالات متعددة منها الاقتصاد والعلوم والفنون، مما غير معهم الكلتور ان بقيت شيء من العادات والتقاليد نتيجة سيطرة الدين والمذهب وما فيهما من الالتزامات، وما يمكن ان تتميز به دولة ما هو تقدمها صناعيا واقتصاديا، كما هو حال الدول الصناعية التي تعتبر من البقع الملائمة للتغيير والمؤمنة بالحداثة والاصلاح الدائم . ويمكن ان تعتبر الحداثة ضمن المرحلة الوسيطة المتنقلة الى ما بعدها اي الى ماوراء الحداثة وما تثبت فيها من المميزات التي تزيل الحداثة الى مابعدها بشكل نسبي، كما هو يقال عما يحصل لحال العالم وما يُعرف بالقرية الصغيرة لجميع المجتمعات كما يعتقد الكثيرين . فيحصل بعد كل تفاعل تقدما ملحوظا في المجالات الفكرية والثقافية وعدم السيطرة لاتجاه او نظرة معينة على مسار المعيشة كما حصل كثيرا عبر التاريخ، بل التعددية تكون هي السائدة وتفرض نفسها، وتقبل الاخر، وزوال الحدود بين العديد من الثقافات واختلاطها لحد كبير يكون هو الصفة المسيطرة على ثقافات العالم مع بقاء نسبة من الاصالة والخصوصيات والنوعيات لمدة معينة والتي  تقاوم الجديد ولكن دون جدوى .

لو قيمنا الواقع وعدنا من خيال الحداثة التي نسجناها كما هو الذي يجب ان يكون على الارض وما موجودة منها نسبيا في العديد من دول العالم في هذه المرحلة، وقسنا الوضع الاجتماعي الاقتصادي الثقافي الموجود في الشرق بشكل عام والعراق بشكل خاص، فهل يصح لنا ان نتكلم اليوم عن الاقتراب من الحداثة وندعي بتطبيقها هنا، وهل يمكن لنا ان نكون مرتعا خصبا للاستهزاء وسخرية الاخرين لو تكلمنا عنها فقط، ام يوصمونا باننا نعيش في بحر من الخيال كما نحس، ومن قبل من لم يكن لديهم الارادة والعزيمة في اي موضوع طوال التاريخ، او من قبل من لا يريد التقدم والتطور في منطقتنا.

انني ومن منطلق تقيمي الشخصي لتاريخ المنطقة والابداعات والاختراعات التي حدثت فيها ونسبتها ومقارنتها مع الاوضاع الاجتماعية في حينه ومقارنة مع بقاع العالم الاخرى في وقته، يمكن ان اشجع على التفاؤل  الجميع كثيرا في هذا المضمار وان اتخذ ذلك وقتا طويلا، ويتحمل الواقع قفزات من كافة النواحي، وبوجود اسس عديدة ومقومات مختلفة يمكن ان تزاح المعوقات بفعل الارادة، بعد تغيير الاساليب والسلوك والنظرات المتجسدة في المنطقة ومنها مستوردة من المناطق البعيدة لاهداف خاصة،  ولترسيخ تعامل معين مع الحياة في هذه المنطقة كما يرودنه هم وليس نحن،و مدى وجود الثقة بالنفس والهمة المرادة .

ان اعتبرنا ما يجري في المنطقة مرحلة انتقالية مؤقتة، والحوادث عرضية غير اصيلة والمسببات لم تنبع من المنطقة بذاتها فقط، وانما قضايا ومشاكل العالم والصراعات والمماحكات والتجاذبات الكثير بين القوى العالمية تجمعت على اراضي هذه المنطقة حصرا، وتحاول كل جهة من الانتصار دون ان تؤثر عليها السلبيات التي تفرزها طبيعة الصراع، فاننا نتاكد بان المنطقة بشكل عام والعراق بشكل خاص مستهدف، ويحملونه اكثر من طاقته ولابد ان يعاد ما يحصل الى سكته الصحيحة ومكانه السليم الملائم، واخراج المنطقة من تحت ثقل القوى المتعددة التي يرزح تحتها من كافة النواحي السياسية الثقافية الاقتصادية الاجتماعية هدف اني .

التغيير المنشود في المسيرة العامة لدولة العراق بشكل خاص يحتاج لجهد كبير وقدرة والعقليات المتنورة، والمنطقة ايضا تحتاج لاكثر، التدخلات ربما قد تؤثر على المنطقة بشكل سلبي وقد تؤخر الوصول الى الهدف، ولكنها لا يمكنها ان تمنع التحدي الذي يمكن ان يتمتع به، وسيكون العراق في الطليعة للتغيير الشامل في المنطقة .

ما استخلصناه من التاريخ، ان الشعب هو الحامل للراية دائما وان كانت النخبة هي التي تقود القافلة، وما نحن متاكدون منه دائما ان الاكثرية هي التي تسيطر على المسار، وما هو المعلوم للجميع دائما ايضا  ان الطبقة الكادحة والفقيرة هي التي تشغل الاكثرية الساحقة من الشعب، والاكثر وضوحا ان التغيير يحصل على ايديهم بعد التحولات في مسار حياتهم نتيجة المتغيرات.

اذن الحداثة مرهون بايدي الاكثرية التقدمية، ولا يمكن ان تتم وان تتسلط دون الاصلاح والتغيير في نوعية وشكل حياة الاكثرية، وان لخصنا ما نحن ذهبنا اليه نظريا على واقع العراق فقط، لابد ان تشهد الاكثرية الانتقالة الفعلية، ويجب ان تنتقل الى مرحلة اخرى في شكل وطبيعة معيشتها كي تتجسد الحداثة في النظام والعمل .

و هذا ما يمكن ان ينجح بعد تسوية الحسابات السطحية لما يحصل على الارض من الصراعات والمواجهات وتستقر الاوضاع لتبدا الخطوة الاولى الصحيحة للتغيير، وعندئذ يحس كل منا بما عبرنا اليه ويمكن ان نصفه بالحداثة في الفكر والنظرية والتطبيق على ارض الواقع .

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1410 الجمعة 21/05/2010)

 

 

في المثقف اليوم