أقلام حرة

مقومات بقاء فاعلية الايديولوجيا او استنفاذها

او ما مر عليها الزمن واصبحت من نتاجات التاريخ ولم تعد تنفع التطورات التي حدثت في حياة البشرية وما تغيرت على الارض، ومن التعامل مع الواقع والمرتكزات النظرية المعتمدة في الحراك الفكري السياسي وما يطرح من قبل الجيل الجديد.بكل صراحة هو ما نسمعه من الليبرالية الجديدة وهو عدم جدوى الاستناد على الايديولوجيا في هذا العصر بشكل قح، ويطالبون التحرر من كل فكر وقراءة الوضع حسب ما موجود وما فيه من الاسس، وهذا بحد ذاته نوع حديث من الايديولوجيا بلباس العصر .

ما تعودنا عليه في الحياة السياسية السابقة هو تزمت الاكثرية وتعصبهم وتطرفهم في اكثر الاحيان في التزام بالضوابط  المرسومة من الافكار والتعليمات والعقائد للتركيبات التي ينتمون اليها وفي زمن توفرت فيه ارضية ومستلزمات تطبيق تعليمات ما ترسمه الايديولوجيا في جو من الصراعات المختلفة التي حدثت بين الافكار والتوجهات المعدودة، وفي مساحة ضيقة من الانفتاح على الاخر او انعدامها، وفي جو داعم للتعنت والالتزام باحادية الفكر والايمان ورفض الاخر .

و لكن بتشدد الصراع بين اليمين واليسار بعد التغييرات الملحوظة في مسيرة التحزب والتجمع والتقدم الذي حدث في التنظيم والارتباطات ضمن منظومة معينةفكرية وايديولوجية، فانتقلت الصراعات خلال مراحل متعاقبة وانبثقت افكار وفلسفات وعقائد متعددة جديدة ومنها وسطية بين اقصى اليمين مع اقصى اليسار، وتخففت تدريجيا حدة الصراعات  وما وصلت اليه في العديد من الاوقات من المماحكات والتجاذبات والتلاسنات التي يمكن ان نعيدها اصلا الى دوافع ايديولوجية بحتة بين الجهات وهدئت الاوضاع لفتراة طويلة.

ما دعم سيطرة الايديولوجيا الكلي على الفعاليات السياسية هو وجود المقومات الاساسية لتفعيلها وتقوية تاثيراتها على الارض، العقليات كانت منصبة على معرفة وتطبيق مضمون الايديولوجيا بقوة،و تنفيذ مهمات من يؤمنون بها دون الخروج من دائرة ما تامر به قيادات الاحزاب والتيارات الفارضة للعقول الحاملة لايديولوجيا معينة بشكل مطلق دون غيرها، وبعضها تكون لمصالح شخصية قبل الايديولوجيا نفسها.

و مازاد التعلق والالتزام الكامل والتعصب هو التوجهات الفكرية البحتة وايمان الاكثرية بالنظريات والافكار والفلسفات المثالية دون اهتمام يُذكر بما موجود على ارض الواقع، اي منشا الصراعات كان نظريا، وما ساعدت في التعمق لهذا الاتجاه من العمل السياسي هي الظروف الاجتماعية الاقتصادية العلمية السائدة في حينه.

اما بعد عصر النهضة والثورات الصناعية تغير الحال وتعددت التوجهات ولكنها لم تخرج من الاطر الايديولوجية ايضا رغم ظهور الاختلافات الكبيرة فيها، وتاثرت مناطقنا بما حدثت هناك لحين انتهاء الحرب الباردة بين القطبين وما جلبت معها من التغييرات ومن ثم التطورات اللاحقة المثيرة للعقليات والافكار من الجانب الاتصالاتي والتكنلوجي وتاثيراتها على العقليات، وتاثيرات التطورات التي حصلت جراء ذلك على كافة بقاع العالم.

بقت الموجبات الضرورية للايديولوجيا مختلفة المستويات والنسب من منطقة لاخرى وفق مستوى التقدم في كافة المجالات وتاثيراتها على الارض والعقليات الموجودة فيها وحسب ضروراتها التي تفرض بقائها او اجبارها على التغيير بشكل تتلائم مع المستجدات نظريا وعمليا.

المحددات الرئيسية للايديولوجيا كانت سائدة وفاعلة ومختلفة المنابع ومن اهمها انتشاتر العقائد وضغوطات العادات والتقاليد والظروف الاجتماعية بشكل عام، وانعدام الحرية المطلقة وضيق الحرية الشخصية من الجوانب الفكرية، ودور الدين والمذاهب الفعالة المتداخلة مع الايديولوجيا والسياسة، ومستوى الوعي العام والثقافة العامة، هذه كلها ليست الاسباب التي دعت التحزب والايديولوجيا ان تبقى على حالها فقط بل دفعتها الى التشدد والتطرف في اكثرها .

اليوم وما نلمسها من التغييرات الجذرية من جميع المجالات والتي لم تحدث بهذا الكم في مرحلة ما، اثرت على كل ما يمس حياة الانسان بفكره وعقليته ومعيشته وافعاله، واثر الانسان الجديد بدوره على الادارة والسياسة والاقتصاد والوضع الاجتماعي بكل زواياه. وهذا ما يفرض تغييرا على اداء المهتمين بامور الفكر والعقيدة والايديولوجيا والتحزب بشكل عام .

ربما يهدف البعض الى استئصال ما يمت بالفكر والايديولوجيا من اجل تثبيت (عقائد) حديثة باسم نفاذ تاريخ ايديولوجيا، ويعتمد بذاته على مفاهيم ويرفض الايديولوجيا بشكل ما ويعمل بطريقة يمكن ان نسميها هي الايديولوجيا بذاتها ولكن بشكل وطرح وطريقة حديثة، وهو يستند على الحرية الشخصية وما يتعلق بحقوق الانسان والفرد بشكل خاص معتمدا على قوانين نابعة من العقلية الراسمالية وما تفرضه من اصحية وجود الطبقات التي تعتبر هي ضمن عقدة الانسان والحرية والفكر وملذات الحياة، ولا يمكن تصديق ما ينظٌر في هذا الاتجاه، لان وجود الطبقات والفروقات بين بني البشر هي بحد ذاتها قابلة للتغيير ولا يمكن ان تقبلها الطبيعة قبل الانسان والعقل، اي هذه الافكار والادعائات مرحلية مؤقتة وفي طريقها الى الزوال ايضا، وربما تمحى بانتقالنا من المرحلة.

اذن التغيير في الشكل والتركيب ومضمون الايديولوجيا ومقوماتها وارد في كل وقت، ويمكن ان يكون موازيا مع التغييرات الكلية في مسيرة الحياة، ويمكن تقبله برحابة الصدر، ولكن ما يحل محلها باسم استنفاذها هو بذاته يمكن ان نسميه ايديولوجيا حديثة او مغايرة، لذلك لا يمكن الاستغناء عن هذا المفهوم بشكل مطلق وتبقى دائما نسبة مقنعة من فاعليتها طالما بقت الاختلافات والفروقات الطبقية، وهنا يمكن ان نحدد نوع وموقع ونظرة المؤمنين بها ونسبة الاعتدال والتطرف من قبل معتنقي ايديولوجيا معينة والمنتمين الى حزب وتوجه وتيار معين .

لم نصل لمرحلة يمكن ان نستغني عن كل فكر او عقيدة او نظرية، المرحلة التي يبغيها الانسان من المساواة والعدالة الاجتماعية الكاملة لم تتوفر لحد اليوم، وطالما بقت الاختلافات او الفروقات الكبيرة بين الطبقات وكان الفقرالمدقع موجودا بجانب الغنى الفاحش لابد من وسيلة لمحاربته ولا يمكن بغير التنظيم والفكر المعتمد والنظام مهما كان شكله، وان اردنا اننعتمد السلم والسلام وفي ظل توفير اركان الايديولوجيا وركائزها لابد ان نعتمدها هي ونهتم بالاصلاحات  موازيا مع التغيرات الحاصلة على الارض، اذن الايديولوجيا المعتدلة واجبة الوجود الى المستقبل القريب. 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1411 السبت 22/05/2010)

 

 

 

في المثقف اليوم