أقلام حرة

هل حقا لا يريد الشعب الكوردستاني ممارسة حقه في تقرير المصير

ومفادها بان الشعب الكوردستاني مقتنع بوضعه السياسي الحالي ومؤمن بالفدرالية بشكل قاطع ولا يتمنى ان يصل الى اي حلم كان يذكره من قبل، ولم يطلب ممارسة حقه المشروع في تقرير مصيره وهو يؤمن بانتمائه الى بلده العراق بكامل قناعته كما يدعون، ولذلك من غير المعقول ان يشك الاخرون في نوايا القادة الكورد، وكأن القادة الاخرون يقتنعون بالتصريحات ولا يعلمون ما يتمناه الشعب الكوردي، وما يرنو اليه القادة الكورد في السر على العكس ما يعلنوه، وكما يصرح به قادة الشعوب المتسلطة، وهذا ما يدعهم ان يكونوا في موقف المدافع وكانهم اجروا استفتاءا للشعب الكوردستاني ليعلموا ما يهدفون ويتمنون ويحلمون به، هذا بدلا من ان يتكلموا بصراحة كلام مسند على راي الشعب وليعلمها القاصي والداني وبشكل واضح ويستوثقوا ارائهم ومواقفهم بادلة ووثائق قانونية ويقيٌموا الوضع الاجتماعي السياسي الثقافي والتارخي للشعب الكوردستاني ونضالاته الطويلة، ويؤكدوا بان مواقفهم مبنية على الظروف الاقليمية والممنوعات فقط، وانهم يعلمون بان حق الشعب شيء والمستحقات السياسية شيء اخر، ويعلنوا ان الضرورات التي تجبرهم على عدم اخذ المواقف التي توائم ما يحلم به كل فرد في كوردستان، ويوضحوا المعوقات السياسية امام اتخاذ مثل هذه الخطوات التي يعتبرونها عاطفية وهي جزء من احلام العصافير كما يحلو للبعض قوله، ونقول لهم انهم لم يعبروا عن ما يستحقه الشعب بصراحة ويريدوا ان يدفنوا رؤوسهم في الرمل وكان الاخرين لا يعلمون ما يتمناه الشعب الكوردستاني وضحى بما يملك من اجله بجميع فئاته، والشعب الكوردستاني يعلم بانه حق طبيعي وما هو سائر عليه منذ عشرات السنين بني على الاسس غير الصحيحة ولم يكن له راي فيه بل مواقفه الرافضة لانتمائه الى هذا البلد او اجراء الاستفتاء تدعم ما نقول، وما التحق به فرض عليه ولم يحس بانتمائه الى هذا الاطر المرسومة حوله وما سموه بالحدود المصطنعة بين ابناءه، لا بل استنفر منه وتعمق اغترابه بعد الظلم والقهر المستمر الذي مورس بحقه، والعتب ليس على الساسة والقادة في المنطقة فقط سوى من الكورد او غيرهم وانما على المصالح العالمية والمستعمرين ايضا على ما فعلته واقترفته ايديهم في حينه، وكما تعاملوا بمخططاتهم الاستراتيجية في المنطقة دون اي اعتبار لمواقف شعوب المنطقة ومصالحهم واهدافهم وامنياتهم. وهذا التصرف والتعامل المقيت بعيد عن كل القوانين والاعراف العالمية وغبن وخرق لحقوق الانسان والانسانية في التعامل مع الاحداث والقضايا التي تهم المجتمع بكامله وهو كبيربعدده ومتميز بتاريخه وصفاته ويجاري الامم الاخرى في السمات والصفات والمقومات والمزايا.

ان استندنا على مبدا حقوق الامم في تقرير المصير وما يطبق على الشعب الكوردستاني بعيدا عن السياسة ومتطلباتها وتناقضاتها، فاننا نعلم بان هناك العديد من نصوص القوانين المعتمدة عالميا تجعل حق تقرير المصير للشعب الكوردستاني قانونيا حق مكفول قبل ان يكون حقا انسانيا او هدفا وحلما وامنية شعب عانى الامرين في حياته وتاريخه الطويل.

لو اعدنا تاريخيا والقينا نظرة سريعة حول هذا الموضوع، اي حق تقرير المصير وانبثاق الكيانات وتاثيراته على التشريعات والقوانين الدولية في كافة مراحلها، فاننا نرى ان هناك دول تاسست واعترف بها العالم منذ بدايات القرن العشرين وقبل الحرب العالمية الاولى، اي منذ الثورة الفرنسية عام 1789، كما هو حال انفكاك الامبراطوريات النمسا والمجر والعثمانية بعد تلك الحرب، وبعد ذلك انبثاق العديد من الدول في اسيا وافريقيا بعد الحرب العالمية الثانية ولحد اليوم، وحديثا ما شاهدناه في التيمور الشرقية والكوسوفواقرب مثال لنا جميعا. منذ البداية وكانت هناك قوانين ساندة دائما وداعمة لتقرير المصير للشعوب المضطهدة ووفر لهم الحق في التحرر وبناء الكيان المستقل لهم.

الثورة الفرنسية اعترفت بهذا الحق وقررت قوانين مساندة لاي شعب يريد ممارسة حقه في هذا الجانب، وبعد ذلك نرى ما اعلن عن البنود الاربعة عشر لرئيس امريكا ويلسون قبل الحرب العالمية الاولى، وهذا لا يعني انه لم يكن هناك قبل الثورة الفرنسية اراء وقوانين ونظرات وافكار مترسخة في عقول القانونيين من هذا الجانب منذ بداية القرن التاسع عشر،اي منذ تلك الحقبات اعتمدوا على الحقوق واستندوا على ان يكون الشعب المتمتع بتاريخ وجغرافيا وعادات وتقاليد معلومة وهم مجتمعون ضمن كيان قومي لهم،ان يكون لهم الحق في تقرير مصيرهم، وهذا ما دفع الى تخصيب الارضية كي تقرر عصبة الامم هذا الحق كما اثر على الراي العام العالمي ووثق في وثائق الامم المتحدة والمنظمات العالمية.

استوضح هذا الحق بشكل مفصل في كثير من الاوقات كحق للشعوب بتقرير مصيرها وتحديد طبيعة وشكل نظامها وحكمها، وللشعوب المستضعفة حق التحرر وبناء كيانها، وكما لا يمكن الحاق اي اقليم باية دولة دون اجراء استفتاء واضح وصريح من قبل شعب الاقليم، وذكرت هذه التوجهات والقوانين في العديد من لاتفاقيات العالمية، كاتفاقية السلام عام 1919، وتقرير مصير جزر ألان في عام1920، ووثيقة الاطلنطا بين امريكا وانكلترا عام1941، وبيان الامم المتحدة عام 1942، وبيان يالتا عام1945، ومعاهدة سيفر عام 1920...... الخ .

ما يخص الشعب الكوردستاني طيل تاريخه الحديث،ان الاوضاع السياسية العالمية والاقليمية هي التي منعته من اقرار المصير بكل ما يملك من الامكانيات، وما ساعدته اخيرا الظروف المستجدة على الساحة الاقليمية ولكن!!. لو نتمعن في ما يفكر به المواطن وما تعرض له من الضيم والحيف وما قدمه من التضحيات، ورغم ما هب عليه من الافكار والايديولوجيات المختلفة من كل درب وصوب،  وتاسس بين ظهرانيه الاحزاب والمنظمات والتيارات والاتجاهات المتنوعة وما مر به واثر على مسيرته من اليسار واليمين ومن العقائد العلمانية والدينية والمذهبية وما شاهده من مختلف الفلسفات، الا انه ضحى بكل ما يملك من اجل تقرير مصيره وبناء كيانه قبل اي شيء اخر،، ومهما كان اسم المنظومات التي انتمى اليها. المقاتل اليساري والوطني والقومي  الكوردستاني كان حاملا لهذا الهدف والحلم قبل تفصيلات ما يؤمن به من الفكر والايديوولجيا، وهذا لا يمكن اخفائه عن احد مهما حاولنا، وان لم يعترف اكثر القادة اليوم بهذا، ويتكلمون عكس ما يتمنون ويحلمون، وكان السياسة تتطلب ذلك .

من الناحية الاقتصادية والثقافية والاجتماعية، لم تكن كوردستان يوما مندمجا مع الشعوب الاخرى من الدول المتسلطة عليه والدول التي يعيش هذا الشعب تحت كنفها، وقاوم التغييرات الديموغرافية ومحاولات الاستئصال من الجذور الذي مورس بحقه في جميع الحقبات. وبقى شعبا مميزا له سماته وصفاته ومقوماته الخاصة التي لا يمكن فناءه او دمجه وخلطه بسهولة مع الاخرين، وله كل مقومات بناء الكيان وفق الخصائص التي يملكه او القوانين المرعية في هذا الجانب في العالم لتاسيس ما يهدف اليه هذا الشعب.

لذلك، يجب ان يعلم الجميع وفي مقدمتهم الساسة والقادة الكورد قبل الاخرين في دول المنطقة، ان الشعب الكوردستاني لم يتنازل يوما عن حقه في تقرير مصيره، وما يدعيه قادته يخصهم وسياستهم او تكتيكهم، او نابع من اراء ومواقف واعتقادات شخصية فردية بحتة بعيدة عن امنيات الشعب بكامله بكل صراحة وغدا لناظره لقريب.

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1412 الاحد 23/05/2010)

 

في المثقف اليوم