أقلام حرة

من يقف ضد تأليه القيادات الجديدة في العراق؟

حجر عثرة امام المسيرة الحياتية الملائمة للمواطن للعيش كالانسان الذي له حقوقه الاعتيادية الطبيعية دون زيادة او نقصان، ومن كافة النواحي الثقافية الاقتصادية الاجتماعية بعد ضمان حقوقه السياسية، وهو من له اليد الطولى في التاثير الايجابي على ظروف المجتمع بشكل عام، ومن يقيٌم المرحلة الحالية ويقيس المستويات ويشخٌص الخلل والامراض المختلفة في المجتمع ويقترح الحلول، ومن ينفذ.

عبٌرنا مرحلة قاسية ومظلمة، فكان الصنم مفروضا علينا وخلقته الظروف الموضوعية والذاتية معا، وكانت عوامل بقائه طيل هذه العقود عديدة، وما عشناها من الظروف المؤلمة وترسخت اثارها خلال تلك المراحل والتي تجذرت الى العمق بحيث افرازاتها باقية ولم تزل ليومنا هذا رغم المحاولات لاستئصالها وازاحتها او على الاقل محاولة خفض نسبتها وتضييق مساحتها، فتصطدم كل تلك المحاولات في المعالجة بحجر عثرة وعوائق مختلفة بشكل عام.

السلطة التي حكمت كانت لها الدور الاكبر في صنع الصنم وتخصيب الارضية لعبادته وتوفير الظروف التي تجبر العبيد على الاستمرار في خشوعهم وخنوعهم له، وان لم يؤمنوا به في قرارة انفسهم وافكارهم وعقيدتهم، الا ان الشعب وخاصة الحلقة الضيقة التي كانت ملتفة حوله لم تقصر في تاليهه وعدم المس به مهما وصل ظلمه.

ورغم سقوط الصنم الكبير بعد جهد جهيد انما الساحة باقية على حالها ولم تتغير، الواقع كما هو بكل ما يتصف به، والمجتمع على الرغم من تحرره النسبي لازال يعيش في الماضي ويحكمه المستوى الثقافي والتراث والعادات والتقاليد والعقليات والترسبات التاريخية المعلومة للجميع.

 لم تقصٌر السلطة الجديدة في الامتداد لهذه الظروف واستغلالها للاوضاع المعيشية للمواطنين والاستاثار بالمناصب واستغلالهم  لواردات البلد من اجل استعباد الفرد وبقائه مغتربا دون ان يحس يوما بالمواطنة.

 المسؤولية الكبرى تقع على عاتق النخبة المثقفة التي يجب ان تؤدي دورها الحاسم، ولكن ما هو الظاهر حتى الان انها لم تجد طريقا في التعامل مع الواقع الجديد بعين الحداثة ومتطلباتها، والثقافة المسؤولة هي التي يجب ان تدير العملية السياسية الاجتماعية العامة، وعليها العمل بهدوء من اجل بناء سد منيع امام تطاول بقايا سمات المراحل السابقة المعيقة لعمليات الاصلاح والتغيير.

 نعم سقط الصنم ولم يعد هناك  الها دكتاتورا من النوع الذي ذبح من كان يفكر بان يصل الى الوهيته في لحظة ما، لقد اُجتث حزب وكان يضم بين ظهرانيه ما ساعد على بقاء الصنم لعقود وهو المسؤول المباشر على ما وصل اليه العراق ويستحق الاجتثاث اكثر من الاشخاص، الا ان المرحلة الحالية غير خالية من مقومات صنع العديد من الاصنام وباسماء واشكال وعناوين مختلفة ومتنوعة. لم ندع المرحلة السابقة خلف ظهرنا بعد وبشكل قاطع، بل الارضية لازالت كما هي الى حد كبير جدا، البنى التحتية والفوقية لهذا البلد لازالت تترنح في موقعها ومستواها المعلوم، وهذا ما يدع اي متتبع لظروف البلد ان يخشى اية مفاجئات او ردات في العملية السياسية وما فيها.

 طالما بقت المحرمات والمقدسات على حالها كما هي دون اي تغيير يذكر او بتغيير طفيف، طالما سيطرت النرجسية على اخلاقيات من يطمع في ادارة البلد وهو يحاول بكل السبل ان يصل اليها، طالما وجدت نسبة كبيرة من الانتهازيين والمتملقين ومن يقف ضد مصالح الجميع من اجل انفسهم وينتقلون من جبهة لاخرى ومن حزب لاخر من يوم لاخر، طالما لم تستقر الاوضاع ولم يعلو شان القانون، وبقيت كافة الاحتمالات والاجتهادات في كافة المواضيع السياسية، طالما سيطرت العقائد والفلسفات الاصولية وغطت على الاراء والافكار والمواقف التقدمية، بقت احتمالات عمل وعودة الاصنام على حالها كما هي ويجب ان يخشى الجميع من تلك المرحلة، طالما لم يمت الصنم لحد اليوم وان احتضر منذ مدة .

اذا كان استقرار المجتمع وتحرره مشروط بتحرر الشرائح والفئات المؤثرة من المثقفين الادباء والاعلاميين والصحفيين والشعراء، والمساواة المطلوب كشرط لحكم عادل مربوط بدور المراة وتحررها ومستوى معيشتها مع توفير النسبة المقنعة من العدالة الاجتماعية، والراي العام ملتزم بمدى فعالية هؤلاء فان العراق لازال في بداية الطريق.

ما تعرقل فعالية هذه الشرائح والفئات المؤثرة هي الاحزاب والتيارات والقيادات التقليدية التي ليست لها هدف غير السعي الدؤوب لاستلام السلطة والتلذذ بها مهما كانت الظروف المعيشية متدنية والخدمات العامة معدومة.

 ان كان الصنم في المرحلة السابقة يحكم بالحديد والنار ويقطع ايدي كل من يحس بانه يتحرك على غير هواه ويستخدم كل وسائل العنف والقمع، فاليوم ان توفرت حرية الكلام لكن الحرية المسؤولة على غير ما يتمناه الشعب . واصلت الاصنام في انتقالها ولكن باشكال اخرى مستغلين الديموقراطية النسبية في السيطرة على الامور، لم نجد ما يشجع الشارع والراي العام ليقول كلمته، فلم نجد انتقادا بناءا فعالا مؤثرا على خطى القيادة السياية، ولم تحسب القيادة لاي راي وموقف يعلن هنا وهناك قيد انملة، وهي سائرة على خططها ومنهجها دون اي اكتراث لاي احد مهما كانت الظروف .

هذه الاصنام تعد ببناء الجنة لمن يواليهم والجهنم لمن يعاديهم على هذه الارض، عدا ما يوعدون به للاخرة، انهم يرون الحياة من زاويتهم الضيقة، وهم في محاولاتهم المستمرة للانغلاق المحكم، بعيدا عن الشفافية الموعودة ومن دون مساحة  مطلوبة من الحرية والديموقراطية وحقوق الموطن الحقيقية المنتظرة.

 فان لم يثبت الصنم ركائزه المثيتة له لحد اليوم لاسباب معلومة يعلمها الجميع، فماذا ينتظر الشعب غدا بعد مغادرة القوات الامريكية العراق وما يزداد على العراق من الضغوطات والشروط من قبل دول الاقليم خارجيا، وما نشاهده من استعلاء شان شخصية معينة وتصل بها الظروف الموضوعية والذاتية لحد ضرب كل القوانين والاعراف عرض الحائط وتعيد الكرٌة الدكتاتورية والمرحلة الصنمية لامجادها، وتعاد المركزية القحة وتجمع السلطات في نقطة واحدة مركزة في مساحة ضيقة، انها حقا ستكون مرحلة تأليه القيادات وترسيخ الاستعباد بكافة انواعه الشخصية والحزبية والفكرية والايديولوجية.

 فان لم تكن هذه المرحلة بداية لتنفيذ هذه التوجهات فلماذا لم نجد تنازلا بسيطا للمتنافسين على منصب الصنم الموعود.

  لقطع دابر هذا التفكير والنوايا لابد من السماح لاي شخصية استلام السلطة في اي منصب سيادي لمرحلة واحدة فقط دون اي تكرار، وهذا له مزيتان، اولهما عدم عمل المسؤول لتثبيت اركانه لفترة ثانية ومحاولته جميع الموالين حول نفسه، ويضطر الى تقديم الجهد اللازم واقصى محاولاته لتقديم كافة المنجزات في مرحلة حكمه الواحدة . ومن ثم لم تقع المشاكل لتحديد الشخصيات التي يمكن ان تنوي اعادة استلام السلطة في المرحلة الثانية، فالبلد يخرج من دوامة التاثيرات السلبية لافرازات المصالح والاطماع الشخصية.

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1416 الخميس 27/05/2010)

 

في المثقف اليوم