أقلام حرة

المثقف العراقي: هل يتجاوز محنته؟

ان سؤالا من هذا النوع يقتضي رسم صورة جديدة لما آلت اليه الثقافة العراقية عقب احداث عام 2003 بالاستناد الى أصالتها وعمقها الذي اسهم فيه عدد كبير من الاسماء اللامعة وعلى مدى عقود طويلة من الزمن ، فالصراعات التي كانت تجري على الساحة الثقافية العراقية لم تكن من نوع الصراعات التي تؤدي الى الغاء الآخر أو تهميشه بقدر ماكانت تؤدي الى فتح قنوات جديدة للحوار تنعش الثقافة وتولد افكارا جديدة تصب في تطوير المنحى الثقافي العراقي ، وهذا ماولد ثقافة اصيلة على صعيد الوطن العربي كله ، فما الجواهري والسياب والبياتي ونازك الملائكة وعلي الوردي ومصطفى جواد وجواد علي وكامل مصطفى الشيبي وعلي الشرقي ومحمد رضا الشبيببي الا نماذج رائعة للثقافة العراقية بتنوعها الاصيل أسهمت في انشاء ثقافة عربية رصينة امتدت مساحتها من العراق وحتى المغرب . ولا نغالي اذا ماقلنا أن الثقافة العراقية هي خلاصة الفكر والثقافة العربية على امتداد العصور والاعوام . لكن مرحلة التهميش وتجيير الثقافة للانظمة الشمولية التي جاءت عقب انقلاب 8 شباط عام 1963 وما أعقبه غيب الكثير من مفردات الثقافة العراقية ، بل يمكن القول انها قد أخذت تغير حتى منطلقاتها لصالح المرحلة الجديدة مما  اسفر عن ولادة ثقافة منقطعة الجذر مع ما جبلت عليه الثقافة العراقية من رصانة وابداع ، وهذا ماانعكس سلبا على دور المثقف العراقي وجعله رهين رقابة خارجية تمثلها الدولة بمؤسساتها المتخلفة ورقابة أخرى بدأت تنمو في داخله خشية من تغييبه ، وعليه فالمحنة التي يعيشها المثقف العراقي اليوم هي تتويج لمرحلة استثنائية من المعاناة والخيبة الذاتية ، فاضطر الى توجيه انظاره نحو الرمزية والايحاء غير المباشر بعيدا عن الواقع الذي يحياه ليتخلص عبر ذلك من اشكالاته مع السلطة الحاكمة ناسيا انه قد ابتعد ضمنا عن حاضنته الاساسية ونعني بها جماهير الشعب ، ويبدو ان هذا الامر مازال واقع حال المثقف حتى عقب التغيير الذي حدث في العراق عقب احداث عام 2003 وقد يستمر لامد مقبل مالم تصحو السلطة الحاكمة الى واقع العراق المرير . ومن هنا فأن تجاوز المحنة يجب أن يستند الى فهم واع للحرية وقبول ارهاصات المثقف العراقي الحالية بكل ماتحمله من معاناة وتمرد على الواقع المعاش لكي تنمو لديه ثقافة عصرية متجددة تأخذ بنظر الاعتبار - ان لم نقل تستند اليه - انجازات الاسماء التي لمعت في تاريخ العراق الثقافي مع استلهامها لمعاناة الشعب العراقي لكي تعكس آماله وطموحاته في غد افضل وبالتالي تتحول انجازاته الى تعبير حقيقي ودقيق عن تلك الآمال في اطار حريته المنشودة . ومن هذا المنطلق تكون الحرية هي المناخ الطبيعي الذي تنمو فيه الثقافة العراقية ومن ثم يستطيع المثقف في هذه الحال تجاوز المحنة ليستشرف أفقا جديدا في انقاذ العراق من انهيار القيم

  

هيفاء الحسيني

  

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1417 الجمعة 04/06/2010)

 

 

في المثقف اليوم