أقلام حرة

وفي العراق جوع

أنا قنفذٌ لا غير في الغابة التي

قد امتلأت وحشاً من الأرض للسَّما

تذرَّعتُ بالإنسان حتى تآكلت

عبارات شعري ثمَّ أرهقها الظَّما

أنا أبغض الأشياء طراً وإنما

أريكم نفاقاً إذ أكون متيَّما

أشاهد وجهي في المرايا فلا أرى

سوى وجه مسخٍ ثمَّ يفجأني العمى

فكن أيها الوجهُ الجميلُ قمامةً

وكن أيها الماءُ الزلالُ هنا دما

 

2- الشرح

وجهُ المرء قرآن الجسد، هذا ما نطق به نبيٌّ مات وهو يتمتم بالكلمات الأخيرة إذ تحوَّل زبد شفتيه بعد الموت محيطاتٍ وبحاراً.

قد لا يكون الجسد ملاذ المرء في زمان النبوات، لكن قل لي بربِّك متى كان الجسد ملاذاً للمرء؟.

 متى عرف الإنسان حقيقة جسده، عرف أنَّ الملاذ كائنٌ في منطقةٍ أخرى، منطقةٍ غير الجسد، وغير الروح كذلك، لأنَّ الروح والجسد كلاهما متفقان على أنَّ العالم تنتهي حدوده عند أقصى حدود الخيال.

أما فكرة الملاذ، فلا يمكن لها أن توجد إلا حيث يكون الخيال عاجزاً عن قنص الفكرة من الأساس، فذلك هو ملاذ المرء في الحقيقة، وعلى هذا

فإنَّ المرء إن تخيَّل ملاذه في الجسد بادره القبر فأعلن خيبته فيه، فإن اعتقد الملاذ في روحه بادرته الروح بأن كشفت له عن سرِّها فبدت أمامه جسداً شفافاً جداً ليس غير.

***

الألم أيضاً لا يكشف الحقيقة

فعلى الرغم من أنَّ الألم

يشير إلى أنَّ الإنسان

يستطيع أن يبلغ مرحلة الملاك بسهولةٍ

أو أنه لو شاء أن يتخذ منه سلَّماً

إلى السماء السابعة

وهو كائنٌ في الأرض

فإنَّ الألم على الرغم من هذه الحقيقة

لا يتعدّى حدود الخيال أيضاً

وعلى هذا القياس ذاته

فإنَّ الفرح مقيَّدٌ بحبال الخيال حتى النهاية.

***

لن يكون الشعر فيلسوفاً حتى يكفر بأوزان الخليل، ولن تكون الفلسفة شاعرةً تطارح شاعرها بالغرام، حتى تكفر بمنطق أرسطو.

كفر الفلسفة بالفلسفة شعرٌ، وكفر الشعر بالشعر فلسفةٌ على هذا القياس.

ما يضحكني فعلاً أن يقال إنَّ الشعر مهنة العظماء من الناس، مع أنَّ كلَّ عظيمٍ لا يكون شاعراً أبداً إلا في الأوقات التي يحتاج فيها إلى الرجز، أي في الأوقات التي تجعله على مقربةٍ كبيرةٍ من الملاك عزرائيل.

 

هيهات يرتجز القصيدة شاعرٌ

ما لم يصافحْ كفَّ عزرائيلِ

أنا مذ كتبت الشعر كنت مقرَّباً

جداً إلى قبري خلافَ الجيلِ

بل كنت أكتب هكذا شعراً

 وأحسبه فم القرآن والإنجيلِ

الشعر موتٌ لا حياةٌ يا أخي

لكنَّه موتٌ من التقبيلِ

***

المشكلة أنَّ السياسة في هذه الأيام لا تعني إلا أن يكون المرء قادراً على الترشيح بوصفه حذاءً، أما مشكلة الثقافة فهي أعمق من هذه المشكلة بكثيرٍ، لأنك كي تكون مثقفاً مرموقاً عليك أن تتعلم مهنة الوقوف في طابور الزناة كلَّما دخلت مدينةً للغجر، ولا تقل إنَّ المثقف ليس مضطراً إلى أن يقصد تلك المناطق الموبوءة، فإنَّ أيَّ مثقفٍ في العراق مضطرٌّ إلى ذلك حتماً، إلا في حالةٍ واحدةٍ، وهي أن يتحلى بالصبر مثل أيوب، فيقول لكلِّ نمل العالم كُلْ من جسدي واهنأ، فأنا أعلم أنَّ هذا الجسد مآله إلى أن يكون طعام الدود في نهاية المطاف، فإذا عرفنا أنَّ الأنبياء أنفسهم ليسوا جميعاً مثل أيوب، أدركنا مدى الصعوبة في أن يكون المثقف نبياً إلى هذا الحدّ.

المثقف في العراق جربٌ في جربٍ، حتى وإن كان معقَّماً إلى أقصى حدّ.

السياسيُّ في العراق كلبٌ ابن كلبٍ حتى وإن كان منحدراً من صلب الضياء.

الشعب العراقيُّ شاء أن يكون ديمقراطياً فأكل ((القازوق)) رغم أنفه، ورأى كيف أنَّ طعم الديمقراطية مرٌّ جداً جداً، حتى أنه مضطرٌّ إلى أن يأكل بعد كلِّ وجبةٍ من وجباتها المرَّة قطعة حلوى.

أما أنا، فلست مقتنعاً إلا بعدم القناعة في شيءٍ على الإطلاق، وحتى عدم القناعة إن صار قناعةً بدوره فأنا غير مقتنعٍ بها أيضاً، ولا يتدخَّلْ أيُّ منطقيٍّ في العالم رجاءً ليقول إنَّ عدم اقتناعك بعدم القناعة يساوي القناعة من الناحية المنطقية، لأني سأجيب بأنَّ للعدم وجوداً في الأذهان، وبما أنه موجودٌ بهذه الصفة فأنا غير مقتنعٍ به في صقع الذهن أيضاً، بمعنى أني أرفض كلَّ معنىً ذهنيٍّ أو غير ذهنيٍّ متعلِّقٍ بالقناعة، شريطة أن يكون متعلّقَ القناعة شأنٌ سياسيٌّ أو شأنٌ ثقافيٌّ في العراق.

***

الله الله في بطون الجوعى أيها السياسيون اللئام، فلقد استكبرتكم واستأثرتم بالمال العامِّ حتى كاد الله أن يحدث الطوفان مرَّةً أخرى، فبأيِّ ذنبٍ نغرق، وبأيِّ جرمٍ تكون عاقبتنا إلى جهنم، طبعاً لا يفارق الله قسطاسه المستقيم في كلِّ الأحوال، فسوف نغرق جميعاً ونذهب إلى جهنم في أكبر حفل زفافٍ مشؤومٍ، لأنا أضعنا الحبال، ولم تعودوا في متناول المقاصل على أيدينا، لكني أعدكم أيها السياسيون البشعون، أعدكم بأن أشنقكم جميعاً ذات يومٍ، لأني عازمٌ على أن أجعل من مهنة الثورة مبدأً عاماً للعراق.

حزب الدعوة الإسلامية ليس حزباً للدعوة، بل هو حزبٌ يجمع الأفاقين والدجالين والكذابين والسارقين للمال العامِّ بلا خلاف.

القائمة العراقية ليست عراقيةً، وإنها لخدعةٌ أن يقال إنها تنبذ الطائفية، لأنَّ الوجوه القذرة التي كانت تخطط للحرب الطائفية سابقاً موجودةٌ فيها.

تباً للطالبانيّ، فهو الرابح الوحيد من كلِّ هذه المهزلة، والحقُّ أنه أريحيٌّ بما يكفي لأن يكون مرضياً عنه على الدوام، ثمَّ إنه يحفظ الكثير من شعر الجواهريّ، ولهذا فأنا أستغرب من الطالبانيّ أن يكون على هذه الدرجة من البلاهة بحيث يعتقد أنَّ إقليم كردستان يستحقُّ أن يكون دولةً مستقلةً ذات يومٍ، مع أنه يعلم أنَّ الكرد في كلِّ الأعصار لا يستغنون عن الجبال، والجبال هي التي تحاصرهم في كلِّ نزالٍ، فلا يكونون إلا في موضعٍ يحتِّم عليهم الرضوخ لمطالب السيد أردوغان.

ما يعنيني هنا هو أني لا أكره الطالبانيّ، بل أتمنى فقط أن أتبادل معه النكات ذات يومٍ، وأن أسأله عن سرِّ المهنة، لأنه فعلاً نجح في أن يكون رئيساً لجمهوية النهابين في العراق.

اليوم قابلت امرأةً في السبعين لا تجد ما تأكل، وبالأمس قابلت امرأةً في الثلاثين تعرض جسدها للبيع من فرط الإفلاس، وقبل الأمس قابلت العراق كلَّه وهو يندب حظه لأنَّ موته محتَّمٌ من الجوع في القريب العاجل مع الأسف.

أنا أتهم الإمارات بأنها سرقت أموالنا، أتهمها بأنها هي المسؤولة عن كلِّ هذا القحط والجوع في العراق، فأنا أعلم أنَّ خزينة العراق منذ سبعة أعوامٍ في الإمارات ليس إلا.

بدأت كتابة المقال بما يشبه لغة الشعر، ثمَّ تركت الفنَّ جانباً، ولعنت المجاز، وتحدثت بشيءٍ من فقدان الإتزان، فلقد أسكرني البؤس أيها السادة، وتخيلت الزناة في هذه اللحظة بالذات كيف يستمتعون بأن يصادفوا الأمهات المفلسات ليزنوا بهنَّ في غرفهم الخاصَّة، وربما كان أكثرهم ممن يعملون في أفواج الحمايات عند السياسيين، تخيلت هذا فلم أعد قادراً على الحديث إلا بمثل هذا الشتات.

الزامليُّ رجلٌ طيبٌ، وهو يحبُّ العراق، لكني أختلف معه جذرياً في تقييمه لأداء البولانيّ، فأنا أعتبر عادل إمام أولى منه بهذا التكريم كما صرَّح فعلاً في إحدى الفضائيات، لأنَّ البولانيَّ استطاع أن يجمع كدَّ عادل إمام مع أنه أكبر مهرِّجٍ وسافلٌ في العالم في خمسين عاماً كما قال في عامٍ واحدٍ فقط، فكيف يكون البولانيّ شريفاً بهذا القياس.

أشتهي أن أكتب مقالاً ضدَّ البولانيّ، ليس مقالاً موضوعياً أو علمياً، بل مقالاً شلتاغياً من الطراز الأوَّل، أشتهي ذلك فعلاً، لكنَّ الزامليَّ يقف حجر عثرةٍ أمام تحقيق الأمنيات.

 

[email protected]

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1417 الجمعة 04/06/2010)

 

 

في المثقف اليوم