أقلام حرة

ليس من اجل سواد عيون ابناء غزة

لماذاتجري كل هذه الامور والمناورات السياسية في هذا التوقيت وكيف ارتفع مقياس انسانية الدولة الراعية لاسطول الحرية فجأة في هذا التوقيت، وهي من نظم هذه العملية ومن اختار من كان على متن السفن، ولماذا في هذا الوقت بالذات وليس من قبل، وما وراء هذه العملية ولماذا لم تحس هذه الدولة طيل هذه السنين بالظروف الماساوية والجوع والالام التي يعيشها اهل غزة بالذات والشعب الفلسطيني المظلوم والمغدور والمنقسم على نفسه طيل هذه الفترة كما تدعي تركيا ومن يلف حولها من انها اختارت لرفع الحصار عليها بعد خراب البصرة كما يقول المثل العراقي.

الجميع على علم بان تركيا هي الدولة الاسلامية الاولى التي اعترفت باسرائيل ولم تقطع علاقاتها معها من قبل اية حكومة لها ومنها الاسلامية الحالية، وهي العضو الحليف لها وللغرب وعضو حلف الناتو، وخاضت هذا المسار وما ارتبطت مع اسرائيل بدافع المصالح المشتركة التي لا يمكنهما الابتعاد عن البعض ولو لحظة، ولنسال من لا يشك في هذه المناورة مَن اسر القائد الكوردي عبدالله اوجلان وسلمه لتركيا غير اسرائيل بنفسها.

ما تمنته تركيا طوال هذه السنين السابقة هو انضمامها الى الاتحاد الاوربي، وعندما تيقنت من انها ليست على عتبة بابه ادركت انه ليس بسهل امامها ان تستمر هكذا والمشوار طويل ويحتاج الى تخصيب ارضية واصلاحات طويلة عريضة وتغييرات متوالية، وهي تعتقد انها تدفع ضرائب عدة للوصول الى المبتغى، وهي اخيرا مكثت في مكانها وتنفست بعمق وراجعت حساباتها بعد عودتها من الانفلات وتراجعت خطوتين متمنيا ان تتقدم بعد تجهيز الذات وفرض النفس على الرافضين . واستذكرت مجدها وعظمتها في المرحلة الامبراطورية العثمانية التي حكمت المنطقة طوال عقود، وحللت وفسرت ما كانت اعتمادات هذه الامبراطورية واسباب نجاحها كقوة عظمى في المنطقة في تلك المرحلة، وهي الان لا تقل شانا منها ولا تختلف من حيث نظام الحكم والحزب الحاكم وطبيعته اعتقادا وفكرا وايديولوجية وايمانا بشيء عن المرحلة العثمانية وما تضمنتها من الصفات والخصائص، لذا اعتقدت جازمة من الافضل لها ان تلتفت الى الشرق والمنطقة التي تتواجد فيها بالذات لحين الوصول الى المأمن وعقدت العزم ان تكسب عاطفة دول المنطقة اليها باي شكل وطريقة كانت، وهي تعتقد انها تستفيد من خطوتها كثيرا ومن ثم يمكن ان توافقها الدول الغربية بعد ان تسحب البساط من تحت ارجل ايران التي توجهت في هذا الاتجاه منذ فترة طويلة واعتمدت على هذه المواقف ونجحت لحد كبير، والاسطول خطوة في هذه الرحلة ونجحت في تحقيق الاهداف السياسية لها والدليل رفع العلم التركي والتباهي به في معظم دول المنطقة، ونجحت في خطتها في هذا الجانب، اضافة الى تعاطف الدول الاسلامية كافة معها ومن خلال ناظور فلسطين والمزايدات التي خدعت بها مجموعة ليست بقليلة من المهتمين بشؤون فلسطين.

 اي، ما اقدمت عليه تركيا افادها كثيرا كمناورة كانت ام كخدمة لاستراتيجيتها، نجحت تركيا في تنافسها وصراعها مع ايران وتقدمت خطوات عنها ولم تدع ما سارت ايران عليه ان تنفرد به، وفرضت بنفسها من خلال الطريقة نفسها على المنطقة ولم تدع ان تطول هيمنة ايران لمدة اطول، وهي كانت تنظر من بعيد وتسيل لعابها الى المنافع الاقتصادية الموجودة في المنطقةعندما كانت متعاطفة وقريبة مع اسرائيل وان كانت كل هذه الخطوات ربما مناورات وتكتيكات لخدمة استراتيجيتها البعيدة المدى، ولم تنتظر ايضا رحمة اوربا، لذا بادرت بشكل سريع في هذا الاتجاه وضربت عصفورين بحجر واحد، اوله اعادة ثقة دول المنطقة بها على انها دولة اسلامية جارة مشابهة لهم في جميع النواحي وان كانت لها علاقة دبلوماسية مع اسرائيل وهي الان تختلط بهم واعادت ثقلها كدولة شرقية لها نفس المواصفات الاخرين الموجودين هنا، وثانيه اعلاء شأنها وتقوية ذاتها ووضعها على ان تكون هي الدولة الكبيرة التي يمكنها ان تدير شؤون المنطقة مهما تشدقت الاخرون.

على الجانب الاخر، اظهرت للاتحاد الاوربي وجها اخر غير التوسل، وبينت على انها قادرة على ان تهتم بنفسها وتعيش وتنتعش وتتطور قبل ان يمنوا هم عليها وما يمكن ان يوفروا لها فرصة الدخول الى الاتحاد الاوربي، وعليهم ان يفكروا مليا في اعادتها الى الحاضنة الغربية باي ثمن للاعتماد عليها كموقع وثقل استراتيجي من كافة النواحي، او على الاقل يحسبوها كبعدهم الاستراتيجي الهام في المنطقة ويضمنوا لها مصالحها.

 وما تتبعه تركيا من الاعتدال في التعامل مع القضايا الداخلية والخارجية الى حد ما اظهرت ما يمكن ان نسميه الوجه الانساني الظاهري لها على الرغم من ما لديها من المشاكل وما تصر عليه من القضايا المصيرية التي تفرض ان تبقى على حالها دون حل ومن اهمها القضية الكوردية والعلوية وعدم نجاحها في التقارب مع ارمينيا والى غير ذلك من الصراعات التي تواجهها في المنطقة.

 الاهم هنا ان يعلم الجميع والفلسطينيين والدول المنطقة بالذات قبل غيرهم ويدركوا ان تحركات تركيا هي من اجل نفسها فقط وتفيد استراتيجيتها قبل ان تكون لاشباع بطون اطفال غزة كما تدعي، والا هناك الملايين من ابناء شعبها لم يناموا يوما قرير العين وهم جوعى ويشدون بطونهم وينتظرون الرحمة اينما تصلهم والشفقة اينما تصلهم.

الأَولى بساسة تركيا ان تفكر بما لديهم من المظلومين في داخل بلادهم قبل ان يقفزوا الى خارج الحدود كمناورة سياسية ولتضليل العالم. وهي تريد بفعلتها هذه ان تغطي على ما تريد ان تقدم عليه من زيادة الخروقات لحقوق الانسان التي تستمر فيها، وخرقها لحدود جيرانها وقصفها المستمر للقرى الحدودية الامنة وقتل الاطفال الاخرين، من الاحرى بها ان تداوي جروح شعبها قبل ان تتظاهر على ما لديها من عاطفة غزيرة وانسانية لا حدود لها وتريد ان تسكبها على اطفال غزة.

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1418 السبت 05/06/2010)

 

في المثقف اليوم