أقلام حرة

مصادرة الحريات سمة ٌ لكل الأحزاب الدينية

ولانقسام في أرائها ومواقفها لا يجمع بينها رابط أبدا (سوى قاسم مشترك واحد فقط سنأتي على ذكره لاحقا)

وتصل حدة الخلاف إلى درجة الاحتقان الشديد حينما يتعلق الأمر بالمواقف العقائدية للأحزاب الشيعية من جهة والأحزاب السنية من جهة أخرى، وهذان الطرفان متشاكسان ومصران على الاختلاف كليا في تفسير النصوص والظواهر والوجود والماضي والحاضر والمستقبل، فإذا مدح أو مجدَ حزبٌ من هذه الأحزاب رجلا كان قد مات قبل أكثر من ألف ألف عام، لابد وأن تسارع أحزاب الطرف الآخر وتدين وتشتم هذا الرجل الميت وتختلق المبررات والحجج لهذا الشتائم والإدانة وتبثها بين الناس كعقيدة مذهبية راسخة

            (ليس نكاية بالرجل الميت إنما نكاية بالحزب الذي مدحه)

هذا ناهيك عن اختلافهم الشديد في مجال الممارسات اليومية والمواقف السياسية ذات المساس الهام بحياة المواطن العراقي

أما القاسم المشترك الذي ضل يجمع هذا الشتات الغير متجانس ويجعله خندقا واحدا، هو موقفهم المشترك والمتطابق في محاربة الحريات العامة وقمعها بشتى الوسائل والطرق ومنها القوة المسلحة والاستخدام الغاشم للسلطة والاحتيال في تطبيق القانون

وقد تجلت هذه الحقيقة سافرة للأعمى والبصير، بعد أن خلع هؤلاء الجبب والعمائم وغادروا المساجد والحسينيات والتكيات واستوطنوا مقرات الحكم ودوائر الدولة الرسمية في المنطقة الخضراء وأصبحوا صناع قرار يباشرون مسؤولياتهم الوظيفية بعقلية إمام الجامع المذهبية التي ضلت مستحكمة في نفوسهم لا يستطيعون منها فكاكا في دولة يفترض بها أن تكون دولة ديمقراطية كما نص على ذلك الدستور العراقي الجديد الذي كتبوه بأيديهم

                           (ثم اختلفوا في تفسيره أيضا)

إن التغيير الذي شهده العراق على يد القوات الأمريكية فتح الأفاق واسعة إمام رغبة العراقيين في التخلص من آثار الحملة الإيمانية التي صادر بها صدام حسين نصف الحريات العامة من أبناء الشعب العراقي، وتطلع كثيرون جدا منهم إلى استرداد ما ضاع من حرياتهم واستكمال نصفها الآخر، وكانوا واثقون من تحقيق ذلك الهدف لكون التغيير هذه المرة جاء على يد الدولة الأكثر ديمقراطية في العالم

لكن قوى التغيير (وبدلا من إن تنصفهم وتسن القوانين الكفيلة بحماية حرياتهم وتطلعاتهم المشروعة) صادرت النصف الثاني من حرياتهم الذي أبقته لهم حملة صدام حسين الإيمانية

وبصرف النظر عن ما يفعله صغار المتحزبين ومريدو الأحزاب الدينية من مضايقات واسعة النطاق في الاسوق والشوارع والمدارس والجامعات والدوائر الحكومية ودس قصاصات التهديد بالقتل ضد النساء والشباب وحتى كابر السن وتقنين ممارسات الناس اليومية والتدخل في شؤون حياتهم الخاصة ومظاهرهم وأشكالهم وملابسهم ومنعهم من لاحتفال والفرح في مناسباتهم العائلية مثل الإعراس والختان وغيرها، وإحراق وتفجير المقاهي العامة والمحال التي تزاول مهن لا تنسجم مع توجهاتهم العقائدية مثل محال صناعة الآلات الموسيقية (العود) ومحال بيع المشروبات الروحية وصالات الألعاب البليارد وكرة المنضدة وصالونات حلاقة النساء خصوصا تلك التي تحمل على واجهاتها صور نساء غير محجبات   

ويبقى كل هذا وغيره الكثير أيضا هينا قياسا بما يصدر من أفعال وتصريحات عن كبار المتحزبين الذين تسلقوا سلم المسؤولية وأصبحوا نواب ومحافظون يصدرون التشدد والتطرف من على منبر البرلمان ومن مقرات مجالس المحافظات وعبر وسائل الإعلام المتعددة

لقد تفنن هؤلاء النفر في صناعة التطرف فمنهم من اصدر قانون اللحى في البصرة ومنهم من دعا إلى استيفاء الجزية من أهل الذمة أو قتلهم إذا امتنعوا عن دفعها ومنهم من اشترط على مربي الماعز أكساء مؤخرات ماشيتهم بقماش اسود تجنبا للفتنة وهناك من أفتى بحرمة دخول المرأة إلى ألنت إلا ومعها محرم من أهلها

ومنهم أيضا السيد حمود محسن اليعقوبي رئيس هيئة السياحة العامة الذي استخدم السلطة الغاشمة لمنع تجديد وإصدار إجازات مزاولة المهنة لمحال بيع المشروبات الروحية كجزء من محاربة الحريات العامة وحين شعر إن سلطته  وصلاحياته الوظيفية لا تكفي ستعان بمجلس محافظة بغداد الذي هب عن بكره أبيه متناسيا خلافات أعضائه الحزبية وخنادقهم الطائفية وصراعاتهم الانتخابية ووقف الجميع صفا واحدا مع رئيس هيئة السياحة العامة وخصصوا الأموال الكافية لإنجاح هذا المسعى الوطني

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1420 الاثنين 07/06/2010)

 

 

في المثقف اليوم