أقلام حرة

سياسيون ولكن..مرضى عقليا!

ويدرّس وخرّج دكاتره خرّجوا بدورهم دكاتره، فانني كنت نشرت ما يبريء ذمتي من هذه المسؤولية الثقيلة التي نتحملها ازاء شعبنا.غير ان السياسيين صاروا كالمصابين بالشيزوفرينيا .. انفصلوا عن عالم الواقع الذي يعيشه الناس وخلقوا لهم واقعا خاصا بهم يعيشون فيه، وما عادوا يسمعون الا ما يدور في عالمهم السياسي.

وبلغة الطب النفسي، فان أبرز أعراض الشيزوفرينيا هو: الأوهام، التي تعني وجود معتقدات أو أفكار لدى الفرد لا يوافقه عليها المجتمع، أو ينظر لها الناس على أنها تفسيرات خاطئة لأحداث لا تستند على أسس واقعية.. وهذه أبرز خاصية يتصف بها الشيزوفريني، وربما كانت من أصعب صفات السلوك الذهاني، ليس من حيث اقتناع الفصامي بمعتقداته الخاطئة فحسب، وانما لكونه يسعى جاهدا لاقناع الآخرين وحملهم على التصديق بهذه المعتقدات.

ذلك هو التشخيص العلمي لما يدور في رأس وتفكير المصاب بالشيزوفرينيا..فطبّقوه على السياسيين عندنا، ليس من حيث محتوى الأوهام، بل من حيث التفكير والمعتقدات كعمليات عقلية تحديدا..فهل ترون ثمة فرق؟.

 فلو تفحصنا أوهامهم لوجدنا أن أول وهمّ مصابون به هو اقتناع كلّ فريق سياسي بأن "معتقده"هو الصح ومعتقد الآخر خطأ.. وكل {قفل} رأسه بقفل "أبو الطمغة" ورمى مفتاحه بالشط!.

وثاني وهمّ، اعتقاد كلّ فريق أن معظم الناس "الشعب" معه..مع ان السياسيين-الا قلّة-انسلخوا عن الشعب الذي تركوه يأكل الخبز والكرّاث فيما انطبقت على أكثرهم مقولة: "اذا رأيت السلطان قد سمن بعد هزال فاعلم أنه سرق"..وكمّ منهم تهدّل لغلغه وتهطّل كرشه.

 وثالث وهمّ، ان كلّ فريق يعمل جاهدا على اقناع أو ارغام الآخر على التصديق بمعتقده هو، فيما الآخر يعمل بالطريقة ذاتها.. ومؤمن حدّ النخاع بمعتقده هو، ولن يزحزحه عنه القبيس ولا أبو زيد الهلالي.

 أذكر أنني أخذت طلبتي بزيارة علمية لمستشفى (الشمّاعية) في ثمانينيات القرن الماضي، فالتقينا نزيلا فيه قال بصوت ممتليء يقينا:" ان انفجار جالنجر كان بسبب خطئهم".. وجالنجر سفينة الفضاء الأمريكية التي انفجرت بعد ثوان من اطلاقها وعلى متنها سبعة روّاد في أسوأ كارثة فضائية. ولما سألوه:كيف؟أجاب: كان عليهم ان يستشيرونني لأنني أنا الذي وضعت برنامج جالنجر!.

 ولدى السياسيين ما يماثل طريقة التفكير في هذا "اليقين". فكلّ فريق منهم يعتقد أنه هو الذي أطاح بالدكتاتورية، وأنه هو الأحق بسلطة الحكم، مع أن الذي أطاح بها هو الذي أوصلهم للحكم.

 واذا كان علاج الأوهام سهلا في مشافي الأمراض العقلية، وذلك "برّج" دماغ المصاب بها بصدمة كهربائية، فما العمل مع سياسيين قادرين هم أن "يرجّوا" أدمغتنا بصدمات أشدّ ايلاما من صعقة كهرباء.. بل أنهم "رجّوها"فعلا..وآخرها ما تزال الناس بها في غيبوبة!!.

 عذرا لكل سياسي ما يزال ماسكا عقله أمام محنة شعبه ومعركته مع ضميره..والكارثة أن هؤلاء قلّة.. يحترقون من الداخل وما بأيديهم شيء فصاروا في العملية السياسية مثل "بلاّع الموس". وأسفا على "شعب" خذل سياسيين مخلصين ومفكرين وأكاديميين لو أنه أوصلهم لما كان بمثل هذه المحنة.

 ويبقى ثمة فرق جوهري بين السياسيين الآخرين والمصابين بالشيزوفرينيا هو: ان المجانين لا يؤذون الناس ..ولا يسرقون!.

 

أ.د.قاسم حسين صالح

رئيس الجمعية النفسية العراقية

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1421 الثلاثاء 08/06/2010)

 

 

في المثقف اليوم