أقلام حرة

جمهورية العراق الجديدة

المواثيق والاتفاقات الإقليمية من التأثيرات السلبية التي تعكسها الإستراتيجيات المحيطة بها والتي تعتبر أشد تأثيراً وسلبية على واقع العملية السياسية في العراق من الاحتراب الداخلي الذي قد يغدر بوطن مثل العراق.. أنه بحق يجب أن يطلق عليه " دستور العراق الخارجي" والذي يجب أن يكتب بأسلوب يتناسب مع حجم تطلعات شعبه وأتجاهاته التي أن تتماشى ونسق السياسات الدولية الأخرى ويتحكم في تطويعها باتجاه التغيير الذي دبّ سريعاً في عموم مفاصل الدولة العراقية الجديدة .

لقد أفرزت العملية السياسية الجديدة هبوطاً واضحاً في مستوى علاقات العراق الخارجية حيث هب الجميع بصورة رسمية أو غير رسمية الى مناقشة الوضع السياسي ومستوى العلاقات الدولية مع دول الجوار، وعلى الرغم من أن وضع ستراتيجية العلاقات الدولية ليس من مسؤولية وزارة الخارجية العراق فتلك الوزارة ليست معنية بوضع الدستور آنف الذكر وإنما بمتابعة تطبيقه وتأشير مواطن الخلل بذلك التطبيق لذلك يجب وضع النخب في مجال العلاقات الدولية على أهبة الأستعداد في البرلمان الجديد لوضع ذلك الدستور موضع التنفيذ حتى لو تطلب إجراء التصويت عليه من قبل الشعب مباشرة كما المصادقة على دستور العراق .

لقد حدثت انحرافات أيدلوجية مؤثرة وكبيره في العالم خلال الخمسة عقود الماضية كان العراق بعيداً عنها بسبب الإستراتيجية التي أتبعها خلال تلك العقود والتي لا تتضمن في مجملها إلا أن العراق مظلوم من المجتمع الدولي والمجتمع الدولي بأكمله عدواً للعراق ودُرِّس الخبر حتى تملك من نفوس الشعب ذاته بسبب الأعلام المركز بقنواته المختلفة . دون إيجاد المبرر لتلك العداوة إذا أجزمنا بصدقها !

فالعلاقات الدولية العراقية بمجملها اخذت حيوداً سلبياً بفعل التأثيرات الجانبية للأحتلال الأمريكي وهذا الحيود كان له الأثر البالغ على التفاعلات التي يبغي الوصول اليها بعد أتخاذ العملية السياسية السلمية وسيلة لأقامة دولة عصرية تطغي على ملامحها الحرية والسلام، كما أن دخول العراقي في حربين شرستين أطاحت بكل أحلام شعبه بمستقبل كريم وقضت على موارده المالية وجعلت شعبه يقف على المحك أمام نظرة العالم الجديدة للعراق والتي وصلت الى مرحلة الخطر الذي يهدد كل مفاصل الحياة في العراق ويؤثر حتى على أخلاقيات العراقي في المهجر ونظرة شعوب العالم اليه  .

لقد تغيرت نظرة العالم للعراق في الفترة الأخيرة بفضل التضحيات الكبيرة التي نزفها العراقييون شعباً وحكومة في سبيل عملية التصحيح والتغيير الجذري لمتلازمة العلاقات الدولية التعاونية والصراعيه .. ولإدامة زخم هذه التغيرات علينا أن نجد سبيلاً قوياً يمسح عن وجه العراق تلك العنجهية والعنترية التي رافقت مسيرة ثلاثين ونيف من عمر الدولة العراقية ونرى أنه لا سبيل لأدامة هذا الزخم إلا بوضع دستور العلاقات الخارجية موضع التنفيذ .. دستوراً تتجسد فيه رؤى أبناء العراق وتصورات الدولة العراقية الحديثة ويحدد الملامح السامية لوجه العراق الحديث المسالم الفاعل بجدية في الأوساط الدولية .. الدستور الذي يضمن للعراق حسن العلاقات حتى مع المنظمات الدولية التي قدمت للعراق مساعدات شتى تحت وابل التردي السياسي والأقتصادي الذي رافق عملية التغيير الجذرية في واقعه .

لقد طغى على العلاقات الدولية العراقية النمط الصراعي المستفز مع دول الجوار ومحاولة فرض نفسه بقوة السلاح وأثبات وجوده بعيداً عن التصورات العقلانية .. علينا تغليب مصلحة شعب العراق على كل المصالح الفؤية الضيقة التي يحاول بعض الساسة الآن وفي تلك الضروف أن يميلوا اليها طمعاً في الحصول على أي نسبة من الدعم على طريق الحصول على السلطة .. لقد بدأو بتغليب مصلحة فئآت وتكتلات سياسية على المصلحة العليا للبلد .

نحن الآن أمام مسؤولية جسيمة أقل ما فيها أن نقدم للعالم صورة المواطن العراقي الجديدة التي كان العالم ينظر إليها في سبعينات القرن الماضي وأن نعيد الى تصوارته أن الشعب العراقي شعب محب للسلام تواق للثقافة وعاشقاً لوجه الأنسانية المشرق .

أن الهدف من بناء هذا الدستور هو الوصول الى أقصى درجات الثبات في العلاقات الخارجية العراقية وجعلها بعيدة عن التغييرات السياسية التي قد تطرأ على البلد بفعل تغيير سياسات الحكومات التي تتعاقب على حكمه

وبما أن الدستور العراق المقر في عام 2005 لم يشر الى العلاقات الدولية إلا في المادة (8) منه والتي نصت على أن " يرعى العراق مباديء حسن الجوار، ويلتزم بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، ويسعى لحل النزاعات بالوسائل السلمية، ويقيم علاقاته على أساس المصالح المشتركة والتعامل بالمثل، ويحترم إلتزاماته الدولية "، فعلينا أن ندخل في صلب تلك المادة وعلى أقل تقدير أن نحدد سياسة العراق الخارجية إزاء مباديء : التعامل بالمثل، الوسائل السلمية، مباديء حسن الجوار والمصالح المشتركة . وتلك بمجملها بحاجة الى قوانين دولية تحدد وفق رؤية قد تصبح مصيرية في يوم ما للعراق فليس من الحكمة أن ترى نوايا الدول الخارجية تجاه بلدك ونحن نتحدث عن التعامل بالمثل وتنتهك أرضك ونتحدث عن حسن الجوار ويهدد أقتصادك بالصميم وتتحدث عن المصالح المشتركة .. أنها بحق ستراتيجية الأمن القومي والدولي العراقي وعلينا إختيار الطريق القويم اليها .

 

زاهر الزبيدي

[email protected]

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1423 الخميس 10/06/2010)

 

في المثقف اليوم