أقلام حرة

راشيل كوري … والإنسانية العابرة للقارات

أقوى من أي انتماء آخر، أقوى من اللون الأبيض والأسود الذي أوجدته أنظمة التمييز العنصري وصنفت الأمم والشعوب والناس بموجبه ، أقوى من الرباط القومي الذي كرسته الأنظمة الشوفينية المتعصبة للون الواحد، أقوى من العقيدة التي تاجرت بها أنظمة دينية متخلفة تأخرت عن العصر فعجز أصحابها عن مواجهة النور وبقيت تتصرف بموجب ثقافة الكهوف والمغاور والقرون الحجرية، أقوى من كل الهويات الأخرى لأنه رباط مقدس وعقيدة سامية ربانية تصقلها وتشوهها عوامل كثيرة تأتي الأسرة في مقدمتها لأنها مدرسة الحياة الأولى .

لم تنتم راشيل إلى شرقنا المديد والمتمدد في هراء التقاليد، في الثقافة الشمولية، في صهر الغير في بوتقة القومية الغالبة المتسيدة، في التعالي والتكبر والترفع عن بقية المكونات وكأنها مجبولة من غير طينة البشر، رفضت الانصياع لثقافة " شعب الله المختار " وثقافة " كنتم خير أمة " لذلك ضحت بأغلى ما تملك لكي تثبت للعالم أن الإصلاح يبدأ من القلب وينتقل إلى الفرد ثم الأسرة ثم الأمة وأخيراً العالم في نهاية المطاف، وهذا هو الهدف السامي، حسب نظرية كونفوشيوس

لم تكن راشيل كوري صاحبة  عقل متكلس يتحرك في مسار معلب مسبق الصنع معد لها سلفاً ولم تترك عقلها فريسة سهلة رخيصة لأولئك الذين يتحكمون بالعقول عن بعد، بل كانت صاحبة ذهن متقد وعقل متفتح على الفضاء الإنساني الرحب يتجاوب مع المعاناة الإنسانية فيتجه إليها بشكل تلقائي ترشده بوصلة الضمير أينما كانت في أرض الله، لأنها تمردت على الفضاءات المسقوفة والمحددة بالخطوط الحمراء، تمردت على خطوط الطول والعرض التي جعلت الكرة الأرضية قارات ومحيطات، بلدان وبلدات، وانتسبت إلى فضاء أبيض خال من عبث البشر إلى  فضاء الإنسانية .

فمن هي راشيل كوري ؟

إنها المواطنة الأميركية  الناشطة في  " حركة التضامن الدولية " مع الشعب الفلسطيني( ism ) مبتكرة نظرية العولمة الإنسانية العابرة للقارات، في هذه القرية الكونية الصغيرة، والتي  حاولت حماية بيت غزاوي من أن يهدم على رؤوس أصحابه، لكن الجرافة الإسرائيلية كانت لها بالمرصاد فقتلت الحلم الإنساني في أعماقها، ولم تأبه لها بل مرت على جسدها الغض قبل أن تحقق الهدف .

فما أعظم هؤلاء الناس ما أنبلهم ما أكرمهم وهم يضحون بالأجساد لتحيى نفوس طفولية أخرى قد تترك بصماتها الإنسانية على بقاع من العالم بعد أن تتخرج من مدرسة راشيل كوري التي تلقت فيها مبادئ حقوق الإنسان  .

 

14 حزيران 2010

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1427 الاثنين 14/06/2010)

 

 

في المثقف اليوم