أقلام حرة

محاولة اندماج التحالف الشيعي الثانية ولعبة عمار الحكيم غير الدستورية

فقد حدث الأمر ذاته قبل عدة أسابيع إلا أنه لم يفعّل بشكل جيد بسبب استمرار الأحزاب المشاركة فيه بخلافاتها حول العديد من القضايا  الجوهرية، والتي من أهمها السؤال حول من يجب أن يكون مرشح رئاسة الوزراء للكتلة الكبيرة المتشكلة من القائمتين؟.

لكن الفرق الوحيد هذه المرة هو الاسم الجديد الذي أصبح التحالف الوطني، وهو اسم لا يبدو ملهما كثيرا كما يبدو للوهلة الأولى، لان 9 من عشرة أحزاب عراقية تدعو نفسها بأسماء مشابه له. ومن الجدير بالملاحظة أن مفهوم " دولة القانون " قد ضاع في هذا الاندماج وبذلك تم الرجوع إلى الطائفية السياسية، حيث يلجأ كل شخص بصورة غير جدية لفكرة الوطنية، وهكذا فان الشيء الوحيد الذي يمكن للائتلاف الشيعي الجديد أن يزعم انه اتفق عليه هو حقيقة اعتبار أنفسهم الكتلة الأكبر .

وأهم من ذلك كله بعض من الأفكار المثيرة التي سلط عليها الضوء عمار الحكيم رئيس المجلس الإسلامي الأعلى بعد لقاءه بالسيد السيستاني، الخميس، وتم توضيحها أيضا بواسطة بهاء الاعرجي القيادي في التيار الصدري، حيث قال الحكيم: ‏" ‏نتدارس فكرة طرح أكثر من مرشح واحد من الائتلافين، ونذهب بهم إلى الساحة الوطنية، وكل من يحظى بالقبول والغالبية من بين أصوات النواب سيكون هو المرشح الرسمي الذي ينبغي أن ينسحب لصالحه بقية المرشحين‏ ".‏

قد يصف البعض هذا الطرح بأنه جيد، لكنه في الحقيقة غير دستوري إلى حد كبير، فليس المهم ما يعتقده شخص ما حول المادة 76 من الدستور التي تتعامل مع تحديد الكتلة

الأكبر (وهي مادة لا تخلو من الغموض نوعا ما)، فمتطلبات نجاح مرشح واحد هي حصوله على 100 % بشكل صريح من قبل كافة أعضاء التكتل الجديد، وإذا لم يستطع الائتلاف الشيعي الجديد أن يُجمع على مرشح ما، فانه لا يستطيع أن ينجز الاستحقاق الدستوري، وهذا يعني انه لن يستطيع أن يصبح في نظر الاعتبار الكتلة الأكبر، مهما كان عدد نوابه، فالكتلة من غير مرشح وحيد لرئاسة الوزراء لن تكون كتلة طبقا لمفاهيم الدستور وما يقتضيه حق تشكيل الحكومة.

الحركة الأخيرة التي قام بها المجلس الأسلامي الاعلى ما هي إلا تحايل على المادة 76 من الدستور، والأسباب التي تقف وراء ذلك واضحة جدا، فمع 70 مقعد اغلبها للصدريين ، فان الائتلاف الوطني العراقي لن يكون له أي أمل في أن يصبح الكتلة الأكبر لوحده. وعلى الرغم من ضغطهم باتجاه التحالف مع دولة القانون من اجل التخلص من هذه المشكلة، الا أنهم  يواجهون مشكلة شائكة اخرى تتعلق بكيفية التخلص من نوري المالكي كمرشح لرئاسة الوزراء في التحالف الجديد.

إستراتيجية المجلس الأولى تكمن في الدعوة إلى الطاولة المستديرة للقوائم الفائزة بالانتخابات لمناقشة تشكيل الحكومة الجديدة، وهذا الأمر قد احدث صدى ايجابيا بالنسبة للمجتمع الدولي، لكنه بالطبع هو محاولة صارخة بواسطة كتلة عددها متوسط لأضعاف المادة 76 من الدستور التي من خلالها تُعطى أولوية لتأسيس الكتلة الأكبر في

البرلمان، والآن هنالك محاولة ثانية تتضمن الإجهاز على المادة 76 لان بقية أعضاء مجلس النواب ليس من حقهم اختيار المرشح لرئيس الوزراء.

من المؤسف حقا أن مثل هذا التوجه غير الدستوري قد قوبل بحماسة كبيرة من قبل المجتمع الدولي وبالأخص ممثل الأمم المتحدة في العراق(يونامي) وأدارة اوباما (التي تهتم بصورة أساسية بجدول الانسحاب ولا تمانع فكرة تولي عادل عبد المهدي رئاسة

الوزراء).

وفي زيارة ميلكرت الأخيرة إلى واشنطن أكد أن اليونامي تشجع مثل هذه التوجهات، متجاهلة الإجراءات ومركزة بدلا من ذلك على الهدف فقط،(وهي توحي أيضا بصورة علنية أن الموافقة على البرنامج السياسي هو أمر ثانوي بالنسبة لحل مشكلة تشكيل الحكومة) .

 لقد حان الوقت بالنسبة للقائمة العراقية لكي تدرك انه خلال هذه الخطوة فان أصدقائهم وشركائهم المفترضين في الائتلاف الوطني ينوون تجريد كل من العراقية ودولة القانون من رئاسة الوزراء وبذلك تصغيرهم الى شركاء في حكومة ضعيفة وكثيرة المقاعد الوزارية من اجل أن يأخذ فيها كل حزب مجموعة منها لأغراض شخصية .

أن من المثير للسخرية بشدة ان كل هذا يحدث متزامنا مع أول اجتماع حقيقي وعالي المستوى بين العراقية ودولة القانون في مقر حزب الدعوة في بغداد حيث حضر الاجتماع كل من السنيد، الساعدي، العسكري، العطية والركابي من دولة القانون ، اما من العراقية فقد حضر العيساوي ، النجيفي ، محمد علاوي والشعلان.

قد يتساءل شخص فيما اذا تم التحالف بين كل من دولة القانون والعراقية، فان النتيجة هي حصولهما على ما يكفي من مقاعد البرلمان من اجل حكم العراق بصورة مستقلة عن واشنطن وطهران ومن غير الحاجة لاسترضاء التيار الصدري والمجلس الأعلى والاكراد.

هذا هو نص المقالة التي كتبها الباحث النرويجي الصديق ريدر فيزر ونُشرت في موقع (Iraq and Gulf Analysis) بتاريخ 11 حزيران، ولنا وقفة مع اهم ماجاء فيها من اطروحات وافكار وكما يأتي :

1-   السيد ريدر فيزر باحث نرويجي متخصص بالشأن العراقي ويكتب مقالات كثيرة عنه ومايدور فيه من مستجدات يومية على الصعيد السياسي، واندهش شخصيا من معرفته الدقيقة التفصيلية بالشأن السياسي العراقي، وان كنت احيانا لا اوافقه على طرحه، كما ابلغه بذلك شخصيا ويتقبله مني بروح موضوعية اكاديمية تستحق الاحترام والتقدير .

2-   لا أظن  أن السيد عمار الحكيم يقصد التصويت لصالح المرشح لرئاسة الوزراء من قبل بقية الكتل، وإنما يقصد استمزاج أرائهم فيمن يكون أكثر مقبولية لرئاسة الوزراء حتى لا يتكرر السيناريو الذي حدث مع إبراهيم الجعفري سنة 2005 والحكيم قد أوضح ذلك بقوله" وكل من يحظى بالقبول والغالبية من بين أصوات النواب سيكون ...." والمقبولية والغالبية لا توحي بالتصويت الفعلي وانما بجس نبض الآخرين حول قبوله من عدمه.

3-   لايقتضي حصول مرشح التحالف الوطني على 100% من حجم الاصوات كي يكون مرشح لرئيس الوزراء كما يقول فيزر ، بل يحصل على 80% من لجنة الحكماء المُشكلة من قبل التحالف الجديد، وكما يقول فيزر نفسه في مقالة نشرها بعد يوم واحد من مقالته التي نترجمها الان ونعلق عليها وهي مقالة " الرجال الحكماء الاربع عشر " والتي قال فيها :من الصعب ان توافق لجنة الحكماء على اي شيء خصوصا مع المطلب الصريح المتألف من 80%  من لجنة الحكماء اي 11.2 عضوا ". 

4-   أن اندماج العراقية والقانون لن يؤدي إلى تشكيل الحكومة حتى وان جمعوا عددا كافيا من المقاعد يفوق 163 لان رئيس الوزراء في العراق يتم تكليفه من قبل رئيس جمهورية يتم انتخابه بعدد مقاعد يفوق ثلثي البرلمان أي 216  صوت وهذا ما لا يمكن أن يتوفر لدى دولة القانون والعراقية الذي يبلغ مجموع اصواتهم عند الاندماج 180 صوت فقط .  

5-   من الممكن عدم اشتراك التيار الصدري أو المجلس الأعلى من الحكومة ويكونون في صف المعارضة كما كان اعضاء التيار في الحكومة السابقة بعد خروجهم من الحكومة، كما يمكن ذلك بسبب وجود جهات أخرى يمكن أن تمثل الشيعة في الحكومة مثلا ، لكن لا يمكن أبدا استبعاد الأكراد منها لأنه لا يوجد بديل موازي لهم، ومن المستبعد واقعيا ان تُشكل حكومة في العراق تخلو من المكون الكردي الذي اثبتت التجارب انهم استطاعوا ادارة اقليمهم الخاص بنجاح وتفوق .

6-   يجب ان لايتعجب السيد ريدر مما يحدث في وقت تلتقي فيه القائمة العراقية بدولة القانون، والاجدر به ان يتعجب من المقالة التي كتبها اياد علاوي في  يوم الخميس الماضي وفي نفس يوم لقاء القائمتين في مقر حزب الدعوة، والتي وصف فيها الحكومة بالطائفية وشن فيها هجوما على المالكي .

 

مهند حبيب السماوي

[email protected]

  

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1427 الاثنين 14/06/2010)

 

 

في المثقف اليوم