أقلام حرة

كيف نحدد الفروقات الطبقية في اقليم كوردستان؟

لم تتوضح بعد في كوردستان بشكل عام، وكما هي معروفة ومحددة في مناطق العالم الاخرى ولاسبابه المختلفة التي فرضت على هذه البقعة دون غيرها من النواحي السياسية الاقتصادية الاجتماعية والثقافية. هناك خلط كبير وتمازج واضح بين الفئات والشرائح وما يمكن ان نسميها باشباه الطبقات ان سمح لي العلم والاقتصاد بشكل خاص، وهي التي افرزها التاريخ والاوضاع الاجتماعية قبل الاقتصادية وبتاثيرات السياسة وممارسات النظام المتسلط على رقاب هذا الشعب منذ عقود. عدم مرور المجتمع بتحولات وتغييرات مفروضة من الوضع الاقتصادي في مراحله المتتالية بشكل طبيعي، وما شاهده من حدوث قفزات وارتدادات وتراجعات في الظروف المعيشية العامة طوال تاريخه لم يدع الامور تجري على حالتها المطلوبة والمفروضة في تسيير تطوره كما هو حال الشعوب بشكل عام، هذا ناهيك عن تاثيرات الاوضاع السياسية القاسية لبعض الاجزاء دون اخرى وتفرد هذه المنطقة في رزوحها تحت نير الاحتلال الداخلي والخارجي بشكل واخر، ومن قبل جهات متعددة التي فرضت عليها ما لمصلحتها وسببت الخلط والتخبط في جميع النواحي، والى جانب ذلك تجسيد الاحساس بالنقص والاغتراب في عقلية وتفكير ابناء هذا الشعب في ظل وجود نوع من الفوضى في العلاقات العامة وخاصة الاجتماعية، والتدخل من قبل الاخرين في شؤونه وفي كافة مجالاة حياته وبكل السبل المتوفرة تحت ايديهم، هذا عدا ما موجود اصلا من الصفات المعيقة في كيانه والتخلف الاقتصادي بالاخص الذي يعيش فيه  منذ بروزه  للاسباب الجغرافية او ديموغرافية،و يتميز به لاسباب  اخرى ربما ليس لابناء هذا الشعب المستضعف يد فيه او حيلة في التحرر منه طيلة تاريخهم الطويل وتضحياتهم الكبيرة.

اليوم، ونحن نرى ونتلمس الفروقات الكبيرة بين الظروف المعيشية لاجزائها الاربعة وما تفرضها الدول التي تعيش كوردستان تحت كنفها، الا اننا يمكن ان نحدد وجه التشابه الكبير من نواحي عدة بين افراد مجتمع هذا الشعب المغلوب على امره رغم انعدام دولة خاصة به، وله كافة مقومات امتلاكه لها .

لو قصرنا كلامنا على اقليم كوردستان العراق كي نقترب من الدقة اكثر ونحن نتعايش يوميا ما نسير فيه ولا يمكننا ان نسرد تاريخ هذا الشعب وما حدث له في الجوانب المؤثرة على بناء المجتمع وبروز طبقاته بشكل طبيعي، وهذا يحتاج الى دراسات وبحوث طويلة، فيمكننا ان نسلط الضوء على العقود الماضية لاقليم كوردستان العراق وما وصلنا اليه من الناحية االتي تخص الاقتصاد والمجتمع، على الرغم من تاكيدنا على عدم امكانيتنا من تحديد الطبقات، فاننا نلمس الفسحات الكبيرة التي خُلقت جراء ما مرت به، بين الفقر والغنى على الاقل وبشكل سطحي ومختصر الذي يسمح به هذا المقال.

فقدان حدود الطبقات بين مكونات الشعب الكوردستاني شيء واضح والجميع مفرغون منه، ولكن الظروف المعيشية العامة تختلف بشكل كبير بين بعضهم والبعض الاخر، اي هناك من يعيش تحت مستوى الفقر المدقع مهما كان نوع عمله نسبة الى متطلبات المعيشة والحياة بشكل طبيعي، وفي المقابل هناك من يعيش في الابهة والترف وهو مريش ويسيٌر حياته في وضع لا يابه بما يجري على الساحة من اية ناحية كانت وهو يعيش في  هذا الوضع  مستمرا وعلى حساب غيره، اما الطبقة الوسطى في حال لا تحسد عليها من تضييق المساحة والى حد يمكن ان نعتقد بانها تنقرض في وقت قريب، وهذه مصيبة اي شعب ان اتصف بهذه الخصائص .

اتساع عدد المستهلكين في ظل الوضع الاقتصادي المعتمد على الواردات المحدودة الاتية من تصدير نوع واحد من الصادرات وفي ظروف تكون فيها البنى التحتية منحطة، وفقدان السياسة الاقتصادية الحكيمة اللازمة لانعاش الحالة المزرية لما يعيش وفق مقاييس الاقتصاد العالمي، يجعل اي مراقب ان يتشائم من الاصلاحات الممكنة المطلوبة في اقليم كوردستان.

قلة اعداد الخبراء المحليين المطلوبين وعدم الاهتمام بشكل جدي بما يجري والسير على ما يمليه الوقت دون اعادة النظر لما هو عليه المجتمع، وافرازات السياسة المتبعة والاستناد على ترسبات القبلية والعشائرية وما تفرضه اشباه الاقطاع والمصالح التي تفرض نفسها، ستكون الخطط وان كانت موجودة اصلا محدودة النفاذ او الفعالية ولم تصل حد الاعتماد عليها في بناء استراتيجية اقتصادية علمية مطلوبة لانعاش عملية التنمية المطلوبة في هذا الاقليم.

في جانب اخر، ان العقليات التي تدير القطاعات الاقتصادية والمرتكزة على التجارة فقط، تعمل بكل جهدها وما تمتلك من اجل ضمان ما يخص السياسة دون اي المام بما يهم جوهر الاقتصاد ذاتها وما تربطها بالسياسة، وتسير افعالهم على ما يضمن مصالحهم بكل الوسائل المتوفرة لديهم، وهذا ما يدع الحرية المطلوبة لصراع الطبقات ان تكون رهن هيمنة الايديولوجيا والشعارات الاهداف الحزبية كما هو حال اقليم كوردستان العراق في هذه المرحلة بالذات. وهذا لا يعني ان المحتلين لاجزاء كوردستان لم يفعلوا ما سهل تدمير اقتصادها وافناء ثرواتها طوال العقود الماضية، وكان كل ذلك من اجل استمرار سيطرتهم ودوام هيمنتهم مهما كلف الامر، بل الانظمة السياسية لهذه الدول هي بحد ذاتها وضعت العراقيل امام انتعاش الاقتصاد في بلدانهم بشتى الوسائل ايضا.

اذن، لو القينا نظرة فاحصة على مكونات الشعب الكوردستاني لم يجرا احد ان يعلن عن وجود طبقة بعينها وفق المقاييس العامة لها، لذا، هذا الامر الذي يعتبر من اكبر العوائق امام التنمية والانتعاش الاقتصادي، يحتاج لبحوث ودراسات عديدة من اجل تحليل الاسباب وتشخيص المعوقات بشكل تفصيلي والمحاولة في ايجاد نظرية موائمة وملائمة لظروف هذه المنطقةبالذات دون غيرها، ومن اجل تخصيب الارضية اللازمة للخطوة الاولى المطلوبة في اعادة النظر لما موجود من الاقتصاد والسياسة الاقتصادية على الارض واتباع سياسة علمية تقدمية للحد من الفوضى في الوضع الاجتماعي الاقتصادي السياسي العام.

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1432 السبت 19/06/2010)

 

في المثقف اليوم