أقلام حرة

الحل في رئيس وزارء مستقل تمــاما !

بعد اكثر من ثلاثة اشهر من اجراء الانتخابات من اجل تشكيل حكومة عراقية مستقلة عن القرار الامريكي والتاثير الايراني والضغوطات السعودية والعربية التي تسعى جاهدة، وتأمل، كل منها، عبر مختلف الوسائل والاساليب الشرعية وغير الشرعية، ان تكون هنالك حكومة عراقية تسبح في فلكها، ان لم اقل حكومة تابعة لها خائرة القوى ضعيفة تعمل لاهدافها بالوكالة.

ويظهر ان غيوم الهم والتشاؤم بدات تنزاح من سماء المواطن العراقي  بعد ان صادقت المحكمة الاتحادية على نتائج الانتخابات وجعلت الرئيس، طبقا للدستور، يدعو البرلمان للانعقاد في 14 من شهر حزيران الجاري، حيث فتحت بابا للتفاؤل ولاح في الافق ضوء شارد بعيد تلقفه المواطن الذي انكوى بحرارة المشهد العراقي الساخن التي تزامن مع حرارة الجو اللاهب ووعود وزارة الكهرباء الزائفة التي اتخذت من عرقوب مثلا لها، وبئس التابع والمتبوع !.

ولم تدم الفرحة العراقية النسبية، كما هي دوما، اذ ان الدقائق المعدودة التي كانت عمر الجلسة الاولى التي شهدت ترديد النواب للقسم، كانت بمثابة صدمة للعراقيين على المستوى الشعبي، وشهدت انتقادات واسعة دفعت بالسياسيين منحها عدة اوصاف، فقد أعتبرها السيد رئيس المجلس الاعلى عمار الحكيم في كلمة ألقاها في الملتقى الثقافي الاسبوعي للمجلس الاعل " خطوة محبطة "، بينما راى فيها عضو ائتلاف البرلمان العراقي عن دولة القانون جعفر محب باقر الصدر" هرطقة". و" بدعة جديدة " ليس لها سند دستوري ابتكرها  نائب رئيس البرلمان السابق خالد العطية كما قال ذلك النائب عن الائتلاف الوطني العراقي محمد البياتي.  

الجلسة التي عقدت في يوم الاثنين الماضي شابها، في راي المراقبين والمحللين السياسين ثلاثة مشكلات وعوائق مازالت تنتظر ان تُحل معضلاتها وتتوضح تشابكاتها وتتكشف غوامضها ،وهي اعتبار الجلسة البرلمانية الاولى مفتوحة من جهة وعدم حسم قضية الكتلة الاكبر ومعيار حصولها على هذه الصفة من جهة اخرى وعدم ترديد المسؤليين التنفيذيين وغيرهم القسم من جهة ثالثة، وهو الامر الذي نقده بشدة نائب رئيس الجمهورية عادل عبد المهدي  في بيان صحفي أصدره مكتبه الاعلامي في نفس يوم انعقاد البرلمان.

وعلى الرغم من هذه القضايا الشائكة والمشتبكة التي القت بضلالها على جلسة البرلمان الاولى بل، وعلى نحو ادق واوسع، وعلى مجمل مسار العملية السياسية، فان مجرد انعقاد الجلسة يعني الشيء الكثير بالنسبة للديمقراطية العراقية التي لها خصوصية معينة لامجال للتعرض لها الان. اذ بدأت، بجدية وبواقعية اكثر، المفاوضات والنقاشات واللقاءات بين  مختلف الاحزاب والقوائم السياسية من اجل الخروج بحصيلة مشتركة لما ينبغي او يجب ان تكون عليه شكل الحكومة العراقية .

ويجب علينا ان نضع في اعتبارنا التمييز المهم الذي اشار له نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي بين عملية تشكيل الحكومة العراقية وبين عملية اختيار رئيس الوزراء، فالاولى قضية يجب ان تخضع لمشاورات ونقاشات واستمزاج اراء الكتل والفرقاء من اجل التوصل لحكومة مشاركة وطنية يكون للكتل الفائزة جميعها راي وقرار نسبي في برنامجها وهي عملية تقتضيها المرحلة الحالية من حياة العراق السياسية وليس ايمانا بها من وجهة نظري الشخصية، حيث يجب ان يحكم من يفوز بالانتخابات ويترك هامشا من القرار لبقية الكتل السياسية الاخرى.  

اما عملية اختيار مرشح رئيس الوزراء فهي عملية استحقاق أنتخابي ودستوري يجب الرجوع فيه الى بنود وفقرات الدستور العراقي الذي اتفقت على مضمونه الكتل السياسية والشعب العراقي الذي صوت عليه مع اعترافنا بوجود ثغرات وهفوات فيه ينبغي تصويبها وتعديلها من قبل البرلمان القادم.

ان اختيار مرشح رئيس الوزراء في المرحلة الحالية يُعد العقبة المستعصية على الحل من قبل الكتل السياسية لحد الان، والخلاف حوله يتضمن محورين: الاول: اي قائمة يحق لها تقديم مرشح رئيس الوزراء في المرحلة المقبلة؟ وهو صراع قائم الان بين القائمة العراقية التي تقول، وتصر على ذلك، ان هذا الامر من حقها حصرا لكونها الفائزة بالانتخابات، وبين التحالف الوطني الذي تشكل من اتحاد دولة القانون(89 مقعد) مع الائتلاف الوطني(70 مقعد) الذي يرى ان امر تقديم مرشح رئيس الوزراء اصبح الان من حقها بعد تشكيلها الكتلة الاكبر في البرلمان.

اما المحور الثاني من الخلاف حول مرشح رئيس الوزراء فهو داخلي يرجع لما يدور في كواليس التحالف الوطني الذي يبدو انها مازالت عاجزة عن الاتفاق على مرشح يحوز الرضا من قبل بيتهم الداخلي اولا وبقية الاطراف السياسية ثانيا ، فما زالت دولة القانون مصر على مرشحها رئيس الوزراء الحالي نوري المالكي وسط رفض قطعي من قبل التيار الصدري والمجلس الاسلامي الذي يقدمون بديلا عنه ابراهيم الجعفري وعادل عبد المهدي على التوالي، ولهذا فــ" المفاوضات داخل الكتلة الشيعية لا تزال تراوح مكانها بشأن مرشحها لرئاسة الحكومة المقبلة" كما قال جعفر الصدر في حديث خاص لـ" صحيفة العالم " نُشر يوم الخميس 18-6-2010 .

بل يذهب بعض الكتاب الغربيين كامثال الباحث النرويجي" ريدر فيزر" في مقالته " محاولة اندماج التحالف الشيعي الثانية ولعبة عمار الحكيم غير الدستورية " المنشورة في 11 حزيران، الى ابعد من ذلك، اذ يرى أن " الاندماج الذي أعلن عنه الخميس بين قائمتي دولة القانون والائتلاف الوطني، لم يكن في حد ذاته مثيرا جدا، فقد حدث الأمر ذاته قبل عدة أسابيع إلا أنه لم يفعّل بشكل جيد بسبب استمرار الأحزاب المشاركة فيه بخلافاتها حول العديد من القضايا  الجوهرية، والتي من أهمها السؤال حول من يجب أن يكون مرشح رئاسة الوزراء للكتلة الكبيرة المتشكلة من القائمتين " .

وهو امر مهم لايجب ان يتغاضى عنه اعضاء التحالف الوطني من اجل الخروج برؤية موحدة تُثبت انهم قائمة واحد برئيس واحد ومرشح واحد لرئاسة الوزراء، بدلا من هذا التشتت في الرؤية والانفراد بالتصريحات حول مرشح التحالف لمنصب رئاسة الوزراء، حيث مافتئت الخلافات تعصف بالتحالف وكل منهم متمسك بمرشحه ويرفض النزول عند رغبة الاخرين .

في الواقع ان الاسباب التي تقف وراء اصرار دولة القانون على مرشحها لاتكاد تخفى على المراقب للاحداث السياسية، وهي تتجسد في ان اغلب الاعضاء في قائمة المالكي قد دخلوا البرلمان بواسطة اسم المالكي وشعبيته التي اكتسبها خلال سنوات عمله كرئيس وزارء رغما عما يؤشره عليه الفرقاء السياسيون من اخطاء ارتكبها او قرارات رأوا انه استحوذ عليها ولم يشركهم فيها. 

فائتلاف دولة القانون من غير نوري المالكي لا وجود له ولم يكن سيحصل على عشر الاصوات التي حصل عليها الان ، ولاينبغي، او لا يجب، ان يقدم، من وجهة نظر دولة القاون، مرشح اخر لهم غير المالكي وان كنت اشك ان هذا ال " لا يجب " سوف تتحول الى " يُستحسن " لتصبح " يُستحسن ان تُقدم  دولة القاون، مرشح اخر لهم غير المالكي" .

الازمة التي وصفتها بالداخلية والتي تعصف بالتحالف الوطني لاتتعلق فقط برفض المالكي من قبل جهات الائتلاف الوطني، بل تتواجد ايضا في الائتلاف الوطني العاجز عن تقديم مرشح متفق عليه من قبلهم اولا ويُرضي اطراف دولة القانون الذين من المفترض ان يوافقون، وهو امر مستبعد وربما مستحيل، على مرشح من قبل الائتلاف الوطني الذي حصد على اصوات اقل من دولة القانون بــ( 19 مقعد)، فمن غير الممكن بالنسبة لدولة القانون ان تمنح هذا المنصب لقائمة حصلت على اصوات اقل مما حصلوا عليه .

واعتقد من وجهة نظر سياسية تستقي معطياتها من خضم التجربة السياسية التي عاشها العراق طيلة السنوات السبع المنصرمة التي اعقبت سقوط النظام، ان ما حصل في بعض الوزارات من ممارسات مزرية قام بها السياسيون الذين رشحتهم احزابهم لشغل مناصب سيادية ووزارية بناء على معايير حزبية وشخصية تناست، بل نست، مصالح الشعب الذي لولاها لم وصلت الى هذه المناصب وضلت طيل حياتها مجرد تحلم بها، هذه الممارسات التي وصفتها بال " مزرية " والتجربة تدعو لكي نأخذ منها عبرة نستفيد منها قي المرحلة

القادمة.

وهو رأي قريب لراي عمار الحكيم الذي عبر عنه اخيرا وان كان على نحو اخر ، حيث يقول الحكيم " ان من يحظى بالمقبولية لرئاسة الحكومة سيعتمد كمرشح حصري للتحالف الوطني، واذا كان هذا الطرح غير مقبول نرفع اليد عن هؤلاء المرشحين ونذهب الى مرشح تسوية او شخصية مستقلة تحظى برضى جميع الاطراف لنرشحها ونلتزم بها ونحل هذه الازمة".

واحدس بانه من الافضل والواجب ان نعمل ونطبق الشطر الثاني من كلام الحكيم وهو الذهاب لمرشح تسوية او شخصية مستقلة، حيث يجب ان يكون المرشح للمنصب التنفيذي الاول في العراق شخصا مستقل لاينتمي لاي حزب او تيار سياسي بعد ان تتوفر فيه صفتي النزاهة والكفاءة التي نظن انها يجب ان تكون بديهية لاي مرشح واي منصب واي وظيفة في الدولة العراقية.

وهكذا نرى ان الحل للخروج من ازمة مرشح رئاسة الوزراء يكمن في شخصية مستقلة غير خاضعة لاجندة حزبية ضيقة او مرتبطة ببرنامج سياسي محدد او متعلقة باطارات فكرية لاتصب في مصلحة الوطن، بل انني ادعو الى ان يستقيل مرشح رئيس الوزراء المقبل من حزبه اذا كان من نصيب حزب او تيار سياسي ما، من اجل ان يكون عمله خالص لاجل الوطن ولا شيء غيره، وان كنا نستبعد ونشك في ان حزب ما يقبل ان يرشح شخصا لرئاسة الوزراء ثم يستقيل منه ويتفرغ للعمل الحكومي.     

     

مهند حبيب السماوي

[email protected]

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1432 السبت 19/06/2010)

 

 

في المثقف اليوم