تنبيه: نعتذر عن نشر المقالات السياسية بدءا من يوم 1/5/2024م، لتوفير مساحة كافية للمشاركات الفكرية والثقافية والأدبية. شكرا لتفهمكم مع التقدير

أقلام حرة

التمادي الاعلامي في ظل غياب التشريعات والمؤسساتية الاعلامية

اتجاه مجتمعه في توخي الدقة والموضوعية والالتزام بالامانة والحيادية والصدق في نقل المعلومة وفي تحمل كامل اعباء هذه المسؤولية والقيام بكل اخلاص في تنفيذ هذه المهمة فلا غش ولا خداع للمتلقي؛ بل خدمة انسانية ذات رسالة صادقة همها تنوير المجتمع وهدفها تثقيفه.

ولكن ما نشاهده للاسف الشديد من خلال اداء الاعلام بصورة عامة؛ (ليس فقط الاعلام العربي) الذي تطغي عليه السمة الغالبة لسياسات حكوماته ذات الطابع الشمولي مدعوما من قبل شلة المسبحين لاعمال السلطة وملمعي صورتها امام الراي العام العربي والعالمي خلاف الاعراف وألاخلاقيات التي يفترض ان يتحلى بها الاعلامي ويكون عليها الإعلام .

ومن هنا فان هذا الاداء اصبح يهدد أخلاقيات المهنة في ظل الاتشار الفوضوي لوسائل الاعلام بكل اشكاله .

ومما عزز ذلك هو التطور االتكنلوجي الهائل الذي حدث في نهاية القرن العشرين وبداية الواحد والعشرين، من جهة والتمتع باجواء من الحرية لبث رسائله؛ من جهة اخرى، وأضع هنا كلمة حرية الاعلام بين قابين ، بلحاظ ان الاعلام في بلداننا مقيد بشكل مرعب ومخيف في سابقة خطيرة ؛ لذا فليس ثمة من عجب ان تم حرف عمل الكثير من هذه الوسائل لاجل تسخير طاقاتها لخدمة اغراصها او مصالحها الخاصة بها .أو ربما لاغراض سياسية او فئوية معينة، وليس لاجل خدمة الصالح العام كما يجب ان يكون عليه عليه عمل هذا الاعلام؛ فما يحدث من تمييع لدور مهنة الاعلام ودوره يعد تنصلا من قبل الاعلامي عن كل المسؤليات الملقاة على عاتقه وعن جميع المواثيق التي الزم نفسه بها مسبقا قبل الولوج في مباشرته العمل في هذه المهنة .

ولكن ما يحدث الان ان الاعلامي للاسف تحول الى بوق كما قلت لغرض التضليل وليس الارشاد والنصح لابناء مجتمعه ,الذين ينتظرون منه الكثير في هذا الاتجاه.

 فما تقوم به بعض الفضائيات في ايامنا هذه يعتبر غاية في السوء يتمثل في الاداء المنحط لكثير من فقرات برامجها، وعلى سبيل المثال وليس الحصر، ما تقدمه من برامج قنوات الاي ار تي

والامبي سي بكل اشكالها لاجل تحويل المجتمع الى عبارة عن مجموعة من تافهين.

 بسبب مضامين برامج اللهو الخاوية التي تروج لها هذه القنوات؛ فلا بناء ولا مشاريع تنمية، تنتظر هؤلاء الشباب الذين يظهرون على هذه القنوات.

في مؤشر خطير بالغ السوء ؛ حيث لايختلف في يومنا هذا اثنان على وصف اعلامنا العربي اليوم بانه اعلام ذا رسالة مبتذلة همه تحويل المتلقي العربي الى كيان تافه ، نتيجة لمضامين رسائل فارغة المحتوى باستثناء اللهو والالهاء ،التي لاشك انها تقف وراءها جهات تمتلك اجندة خفية تصرعلى الاحتفاظ بهذا النوع من الاعلام والابقاء عليه قائما.

 وما يحدث في العراق في كل يوم من اعمال وحشية نتيجة ما تقوم به عصبات الاجرام من قتل مروع ومنظم بحق الابرياء من ابناء هذا البلد .

هو صورة اخرى لهذا الاعلام ايضا، فقد وقف موقف المتفرج او الداعم لهؤلاء المجرمين؛ خلاف كل اعراف الامانة التي يجب ان يتحلى بها الاعلام.

والذي ابتعد تماما عن مهامه الاساسية في دعم المجتمع ، بل بدل ذلك عمل هذا الاعلام بانانية وخبث مروع خلال اداءه ومضامين رسائله خصوصا ما تثوم به فضائياته التي عملت ولا تزال تعمل على تكريس التفرقة وزرع روح الياس وتعزيز روح الاحباط في المجتمع .

فما تقوم به بعض القنوات ذات الاهداف والاجندة المعروفة التي لم تعد خافية فدورها بات معروفا مكشوفا لدى ادنى صاحب بصيرة ولا سيما الصحفي المتمرس.

فما تلعبه هذه القنوات في هذا الخصوص، هو خير مثال على دور اغلب الفضائيات

ومن خلال مراقبتي لاداء بعض مقدمي البرامج عندما يتعلق الامر بما يحدث في العراق، يحاول مقدم البرنامج الاخباري التركيز على قدرة المجاميع المسلحة امام تراجع قدرات قوات الامن العراقية.

وان هؤلاء هم من يمتلك زمام المبادرة وليس العراقين ، وهو يرى بام عينيه مدى فضاعة ووحشية من يقوم بهذه الاعمال بحق الابرياء وكانه يشد على يدي مرتكبي هذه الفضائع لعمل المزيد ، في استخفاف واضح لدماء الابرياء التي تسيل في الشارع العراقي كل يوم.

هذا ناهيك عن التغطية المباشرة للحدث وتبعاته في محاولة الاتصال او اللقاء المباشر مع بعض السياسين او الصحفيين الذين يرسمون صورة سوداوية عما يحدث هنالك ،هذا كله لاجل ان يثبتوا للراي العام فشل الذين يديرون العملية السياسية، ليس الا ...

هذا ناهيك عن قيام هذه القنوات باذاعة بيانات بعض لمجاميع المسلحة التي تقوم بتفيذ عمليات القتل والنهب والسلب في العراق وفي غير العراق ، فجعلت هذه القنوات من نفسها منبرا لاخبار هؤلاء القتلة .

وفي هذه القنوات ايضا وفي بعض برامجها يقوم مقدم البرنامج من خلال اسئلة منتقاة بعناية في التركيز على كل المسائل االخلافية بين المذاهب وحتى بين ابناء المذهب الواحد ؛ خصوصا في ما يتعلق ببعض المسائل ذات الطابع الحساس لاجل تاجيج الفتنة الطائفية

هذه صورة مبسطة عن واقع اعلامنا العربي. الفاقد لامانة وظيفته منذ انظلاقته، ولا اعتقد ان هنالك امل في اصلاح هكذا اعلام مازال هنالك سياسي يقف وارءه وما زال هنالك اجندة سياسية تحركه .

 وما يحدث من ترويج لمذهب على آخر، او تخويف طائفة من من انتشار مذهب طائفة أخرى هو صورة أخرى لاداء هذا الاعلام ، فبلا ادنى شك ان هنالك من يروج الى تاجيج هذه العملية لاجل اشعال الفتنة بين فئات المجتمع الواحد، لاجل شرذمة المجتمع ، وليس تعزيز اواصر علاقاته.

إن الالتزام بالمعاييرالأخلاقية من جانب الإعلاميين يعد جزءا أساسيا من المسئولية الاجتماعية التي تنهض بها وسائل الإعلام وذلك في إطار المنافسة الكبيرة بين الصحف الحكومية والخاصة .

 وكذلك بين الصحف بنوعيها والتليفزيون الأرضي والفضائي حيث أدت هذه المنافسة الشرسة أثناء طرح ومعالجة بعض القضايا إلى إحداث نتائج سلبية ، لدورها في تشتيت المجتمع.

 ورغم ما تم تقديمه من دراسات في خصوص اخلاقيات العمل الصحفي وتعدد وتنوع هذه الدراسات التي تناولت قضية أخلاقيات العمل والممارسة الصحفية ؛الا انه لا يزال هناك الكثير من الإشكاليات المتمثلة في الخلط بين الإعلان والإعلام وبالتالي وقوع الإعلام تحت وطأة سلطة رأس المال ، وهذه اشكالية كبيرة تهدد الاعلام ورسالته الا وهي تدخل المصالح السياسية والاقتصادية للمال ورجال الأعمال في تحديد مضامين الرسائل الاعلامية ،مما جعل هذه الصحف والقنوات منحازة بشكل كبير لصالح هذه الفئات على حساب شرف وامانة المهنة. حينما تم إعطاء صورة زائفة عن ما يقوم به هؤلاء ومستوى أدوارهذه الفئات الفعلية داخل المجتمع.

 أن أخلاقيات العمل الصحفي غير موجودة لدينا ، في ظل غياب المرجعية التي ينبغي أن تستند إليها مواثيق الشرف الصحفية والإعلامية .

وفي ظل غياب هذا الميثاق المنضبط بمرجعية محددة . لابد من ان تكون هنالك ضوابط على مستوى أداء الممارسة الصحفية من خلال استخدام أسلوب الجزاء والعقاب المتمثل في التهديد المعنوي أو العقابي المتمثل في وقف الخدمات أوحتى إلغاء عضوية الصحفي من خلال نقابته إذا اقتضت الضرورة ذلك .

 كما أن النقد الهدام من جهة وغياب العمل البناء من جهة اخرى ادى الى تمادي المعارضة في الاعتزاز بما تقدمة من اعتراضات همها التخريب وليس البناء والتقويم، والتي تقدم من قبل القنوات الخاصة الامر الذي أدى الى إحداث فوضى في عمل هذه القنوات .

لذا لابد من الالتفات الى ضرورة إيجاد صيغة عمل اصلاحي مؤسساتي للإعلام الخاص وأن أهم مقومات هذا الإصلاح هو سن التشريعات والقوانين المنظمة بشكل يتواكب مع المتغيرات

وتشكيل الهياكل التنظيمية فى جميع المؤسسات الإعلامية ، وليس الاعلام الخاص فقط كما ان ضرورة الاهتمام باختيار العناصر الكفوؤة التي تدير العمل في الإعلام

هي الاخرى يجب ان توضع الى جنب هذه التشريعات.

 فلا بد من إبعاد كل الافراد الذين لاعلاقة لهم بالإعلام ولايزالون يمارسون العمل الإعلامي..

 أن حالة الانفلات الإعلامي االجارية الآن تحتاج إلى درجة كبيرة من العمل لاجل الخروج من حالة عدم الانضباط التي يعاني منها اعلامنا المعاصربكل اشكاله والوانه وعدم الالتزام الأدبي ومراعاة ما يجب ان يكون عليه الاعلام الذي يدار من قبل الممارسين له وبعض الأكاديميين الذين يدعمون هذه التوجهات على حد سواء .

فلابد من صيغة عمل يصار اليها للخروج من ازمة اعلامنا المعاصر والبحث عن حل تكاملي تشترك فيه كل الا طراف لاجل تامين اكبر مساحة تفاهم من خلال اوسع مشاركة جماهيرية لاجل التغيير.

لكنني ارى ان الاصلاح لهكذا اعلام امر بعيد المنال .

الامر ليس بهذه البساطة؛ بل يحتاج الى تدخل مثقفي بلداننا وجماهيرها في حملة على كل هذه الانحرافات التي تشوب اعلامنا.

والجلوس الى طاولة حوار حقيقي وتسمية الامور بمسمياتها الحقيقية بعيدا عن كل مجاملة ولكن شريطة عدم تدخل الحكومات في ذلك وهذا مالا يحدث ولا يمكن ان يحدث. الا بحلول معجزة .. منتظرة !!

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1434 الاثنين 21/06/2010)

 

في المثقف اليوم