أقلام حرة

حين تبتلع السياسة علم الاجتماع

فيما عالم الاجتماع يحلل الأمور بحسب طبيعة العلاقات والقيم التي تحكم المجتمع وحركة تطورها . ولأن في هذا التحليل ما لا يتفق، وأحيانا يتناقض، مع تنبؤات السياسي فانه لا توجد مودّة بينهما. . الا مع عالم اجتماع يقول للسياسي ما يريد ان يسمعه ويساير هواه.. وهذا ما حصل مع رئيس النظام السابق وكان أحد أسباب الكارثة التي جلبها لنفسه وعائلته وشعبه ووطنه. فقد أحاط نفسه بمستشارين اجتماعيين ونفسانيين وتربويين "يمنطقونّ" أفكاره غير المنطقية و"يعبقرون" بصيرته مع أنها لا تخص الواقع . . فيما علماء الاجتماع المؤمنون بعلمهم والمخلصون لوطنهم صاروا بين من هاجر ومن صمت ومن أمسك بشعرة معاوية مع النظام.

وينجم عن عدم الأخذ بآراء علماء الاجتماع كوارث احيانا. . نستشهد بأقساها وأوجعها. فادارة (بوش) لم تستشر علماء اجتماع ونفسانيين عراقيين موضوعيين بل استشارت من زيّن لها الأمور، وأن العراقيين سيستقبلون "جيش التحرير" بالأهازيج.

لم يقرأوا ما قاله الوردي، أن المجتمع العراقي مثقل بالنزاعات، وأن الجماعات فيه تميل الى الانقسام في معسكرات متعادية، وأن العرب المستوطنين في سهول الشمال الغربي من العراق ما زالت تتحكم بهم قيم البداوة والعشائرية، وأن الشعب العراقي منقسم تجاه نفسه، وأن كفاحه الطائفي والاثني والقبلي يفوق ما هو موجود في شعب آخر.

ولم ينتبهوا (الأمريكان) الى أن شن حرب كبرى على العراق دون تخطيط لما بعد الحرب، واسقاط نظام دكتاتوري بغزو خارجي . . يفضيان الى انقسام المجتمع الى جماعات لا تعرف لمن تكون ولاءاتها!. . وأن الأمر سينتهي الى صراع بحكم سيكولوجيا (الحاجة الى البقاء)!. ولم يأخذوا حتى بتحذير العلماء من أن الحرب قد تقضي على آثار العراق القديمة وذاكرته التاريخية.

ولم يطّلعوا على مذكّرات (المس بيل 1919)التي تنقلت بين العشائر العراقية وكتبت تحليلا عن الأحوال الاجتماعية في العراق . ولم يقرأوا ما كتبه عالم اجتماع امريكي مرموق(ميرتون-ت2003) الذي حذّر من تحكّم " المعطى العقائدي"بصياغة السياسة. . وكيف أن بوش، قبيل الهجوم على العراق "كان يصلّي من أجل القوة لتنفيذ ارادة الله" كما جاء في كتاب (خطة هجوم) لمؤلفه بوب وودورد .. وأن حرب العراق هي تنفيذ لعدد من النبؤات الخاصة بالآخرة!. . وأنها الخطوة الأكبر لمجيء المسيح الثاني الوشيك الوقوع!.

وما حصل من السياسيين العراقيين كان أكثر جهالة . لم يدركوا أن المجتمع العراقي صار بعد التغيير(2003)متشظيا، وأن الطرق المؤدية الى الثأر وأخذ الحيف والاحتراب الطائفي فتح "مجلس الحكم" بواباتها أمام جموع تحكمت بثلثيهم "سيكولوجيا المظلومية" وبالثلث الآخر "سيكولوجيا الاحتماء". . وأن الديمقراطية تصاب بالرعب في مجتمع تسوده سيكولوجيتان بقانون جاهلي.

ومع كل ما حصل فان السياسيين العراقيين لم يلتقطوا العبرة. . فكل مسؤول، بمستوى اتخاذ القرار، أحاط نفسه بمستشارين من "حزبه"أو "أبناء العمومة". . وفي تعامله معهم شبه كبير مع تعامل رئيس النظام السابق وان بدا بثوب ديمقراطي.

ترى هل تتعظ السياسة وتكف عن ابتلاع العلوم الاجتماعية، أم أن سيكولوجيا "انّا وجدنا. . . ونحن على خطاهم سائرون". . تبقى تتحكم بالسياسيين الجدد من حيث لا يشعرون؟!.

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1435 الثلاثاء 22/06/2010)

 

 

في المثقف اليوم