أقلام حرة

الأب العراقي .. سيد الأحبة

عيداً للأب كعيد الأم على الرغم من أن هناك مطالبات كثيرة بأن يكون هناك عيداً للأب .

في العراق الأم كانت وتبقى ست الحبايب ولكن الأب العراقي سيتربع على القلوب ليكون سيد الأحبة، أما لماذا ذاك فلأن الأب العراقي يختلف عن بقية الآباء في العالم .. الأب العراقي يتحمل يومياً كتلاً هائلة من مشاعر القلق والحزن والريبة والخوف والرهبة والقلق وهب  تعتري كيانه وتهزه على مدار اليوم .

الأب العراقي عليه أن يكون معلماً ويفقه جيداً بالمناهج التدريسية لأبناءه لأن المدرسة لم تعد كما كانت والمعلم لم يعد يعطي كما كان فالعطاء قل بعد أن ذهبت نخب المدرسين العظماء الذي تخرجنا على ايديهم منذ ستينات وسبعينات القرن الماضي وأعتقد أنهم أنقرضوا ولم تتبقى منهم إلا الذكريات العطرة والسيطرة النبيلة لهم، أولئك الذين تخرج على أيديهم عظماء الأطباء والمهندسين العراقيين الذين أنتشروا في بقاع المعمورة وحيثما وجودوا ملاذاً آمناَ لعقولهم وأرواحهم .

الأب العراقي عليه أن يكون شرطياً ورجل أمن فهو في صراع دائم مع الحياة من أجل الحفاظ على أرواح أبناءه وأعراض بناته من عاديات الزمن الرديء التي تجابههم كل يوم فأبناءنا معرضون للتهديد أينما حلوا وأينما وطأت أقدامهم أرض الوطن . لذلك فالأب تراه يلوذ بأبناءه ويبقى مشغول بسلامتهم حتى عودته من العمل وأول شيء يتفقدهم أن يكونوا جميعهم على قيد الحياة عند ذلك تهديء سريرته ويطمئن قلبه ليبدأ المرحلة الثانية من خطته الأمنية في الحفاظ على عائلته عندما يجن ليل المدينة المجنونة  .

الأب العراقي عليه أن يوفر قوت عائلته وبما أنه مهدد دائماً أما بالطرد لكونه مفصول سياسي أو أن المحاصصة ستطيح بوظيفته عند تشكيل الحكومة الجديدة أو أن أنفجاراً ما وهو ماراً إذا لم يقتله يبتر له أحد قدميه ليقعده المنزل يحلم بطرف صناعي والكثير من الآباء العراقيين هم آباء لما يقارب المليون عراقي ممن بترت أطرافهم بفعل المعارك الماضية والمعارك الحالية وعليهم أن يشاطروا أحلام أبناءهم بطرف صناعي .

الكثير من الأباء العراقيين هم آباء لمليون ونصف المليون عاطل وقد يكونوا هم أيضاً من أصحاب العوائل لذلك فأن الآب العراقي قد يعيل عائلتين أو أكثر أذما قتل له أخ بأطلاقة طائشة .

الأباء العراقيون يثكلون يومياً وهم ينظرون الى فلذات أكبادهم ونساءهم وهي مقطعة بفعل الأنفجارات الأرهابية التي تطالهم اينما كانوا .. مدارس، ملاهي، دور حضانه، مصارف، شوارع أو حتى في المنازل وكم هو صعباً أن تورد فلذة كبدك الى التراب عن المقابر البعيدة

الآباء العراقيون عليهم أن يوفروا الكهرباء في الزمن الحجري وبأي وسيله وهو فدائي روحه أمام أرواح أبناءه في كل معارك الحياة فهو يلتزم أبنه حتى بعد أن يتزوج وتصبح له عائلته .

الأب العراقي تراه يلعق جراحه بهدوء بعيداً عن عائلته لئلا يصيبهم بالإحباط فهو عمود البيت وعليه أن يكون قوياً دائماً .. فتراه والحيرة تقتله على الدواء لأبنته التي أصابها السرطان في مقتل فالعراق أصبح أرض السرطانات بكل أنواعها وليست لنا مستشفى متخصص كبير في هذا المرض .

هذا هو الأب العراقي كتلتة متحركة من دفيء المشاعر وعظم التمنيات .. وهو بحد ذاته عنوان للمشاعر وعنوان لأمنية أن تكبر وأن يبقى مع أبناءه وأن لا يطيح برأسه أنفجار غادر .. ترى ألا يستحق الأب العراقي عيداً وطنياً وعطلة رسمية نحتفي بها بهذا الصبور .

 

زاهر الزبيدي

[email protected]

 

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1436 الاربعاء 23/06/2010)

 

في المثقف اليوم