أقلام حرة

شعب يحترق وحاكم يفرق

وهي شهورا طالت بغباء الأقزام. هل يعقل أن تبقى اللعبة بيد من سنَ الأوهام..؟

نعم كانت الديمقراطية وهما كبيرا حينما تصور المواطن البسيط إن بها سيتحكم بزمام أموره ويسيطر على موارد بلده وسيُعامل مثل بقية شعوب الأرض حرا وتحفظ كرامته..! لكن ومع استحالة وجود القيادات الحكيمة والسياسية القادرة على دفع أنواع الشر والبلاء عن الوطن المنهك بالأغلال، وضعف إيمانها بقوة شعبها التي أوصلت من كان يحلم أن يرث عصت جده، وإذا ترى المتسلقين ينزون على منابر الحكم بالتمسح والتملق وغسل الجبين فارغين من أي حياء فهم يرمون بأنفسهم في حضن السماسرة وتجار الفوضى بدون عناء ولا واعز ضمير أو استحياء.

قبيل أمس كنا نتفرج ونبحث عن خبرا هنا أو هناك لعلنا نسمع خبرا عن نهاية أحد الأتراك فالدولة العثمانية قد عادت من جديد تتحكم بنا باسم الديمقراطية والإسلام موزعة فضل البركات على رعاياها فكل الفقراء لهم حقا في الأكواخ والأكشاك ومن يخرج ضد السلطان يصدر في حقه فرمان الموت رميا بثلاثة طلقات، وإذا بالمتحدث باسم الوالي يظهر شاحبا، خائر القوى، مصفر الوجه وقد بانت ملامحه وكأن العمر خار به إلى التسعين . تعجبت زوجتي وأظهرت حيرتها بسؤال : كم كبر هذا المسكين ؟ فأجبتها : أن الإنسان ليطغى، أن رآه استغنى .

نعم فمن قبل لم يكن قد ملك الفيلات والعمارات وهاهو يحسب إلف حساب لما درت عليه  البركات والإكراميات التي يغدق بها عليه  السلطان المستضعف وهو كالطفل لا يعرف أين يبدد كل تلك الثروات ولمن يرمي بما لديه من هبات

فمن حقه أن يتوجس الخوف على الثروات كبير الباشات اليوم وفي كل زمان آت.

وذات يوم كنت مدعوا عند أحد السادات.وبعد الإفراغ من الأكل بقينا أثنين مع صاحب البيت حينما غادر جميع المدعوين، فبادرني بالقول محذرا باستحياء، أحدهم، وراجيا مني عدم كشف ما سيرويه لنا لكي لا يفتضح أمر من

 أخبره الخبر اليقين والعامل في القصر والمؤتمن بجمع أكثر النقد من ديوان الخزين و المعبئ دائما بأكياس المال  وبجميع العملات والفئات من حوله كذاك الحانوتي الذي يحب أن يحيط نفسه بأكوام الكراتين وسط الدكان . ولم أجد  بدا، حتى  يسترسل  صاحبنا بكلامه، وينقل ما رواه له صاحبه، غير القبول والتسليم له بالإذعان بعدم البوح باسم المقرب من السلطان، بل أن شأت فلا تفصح عن الحكاية برمتها خوفا ألا تتقاذف صاحبه موجات الزلق عن    مكان له جاه كبير وعنوان، فوافقته بالحال على ما أراد وأعطيته أذنا صاغية وأمان . فنقل لنا ما رواه له  ذاك كصديق وإنسان. وكان يا ما  كان ، مع كل الأسف والخسران  في هذا الأغبر من الزمان، أن أرادة السلطان أمرت بتوزيع مكرمة لمستشار ومتحدث باسم الحكومة، وقد سجلها الواهب وهو رئيس الحكومة ووقع على صرف صكوكها بنفسه وأمر بتوزيعها عليهم كل حسب المبلغ الذي أختاره هو وقدَره. فجاء المستشار وأخذ صكه بمائة وخمسون ألف دولار أمريكي، وهذا كله تحت عنوان مكرمة، وجاء المتحدث المنهمك مرة بالتحدث باسم المحتل   ومرة باسم صاحب الجلالة، رئيس مجلس الوزراء واخذ صكه فوجده مكتوبا بخمسة وسبعون ألفا من الدولارات الأمريكية فقط لا غير. فاستشاط غضبا. وهاج هياجا لما رأى من قلة المبلغ مع ما منح للمستشار في نفس الوقت وتعالت منه صيحات بوجه المسكين المحاط بأكياس المال وموزعها المؤتمن. وعندها رد عليه صاحبنا أنها إرادة السلطان و ما وأنا إلا  عبد المأمور ..فثارت ثورته ولم تهدأ حتى أشار عليه بمراجعة خادم الشعب والحارس المؤتمن على ثروته وهو سلطان زمانه والتحدث إليه بنفسه عن الاهانه لرد الاعتبار بمنحه نفس مكرمة المستشار

إن لم تكن عليها زيادة، فأستحسن الفكرة، وأندفع بهمة، وماهيَ إلا هنيئة، وإذا به قد نال ما رجاه وأبدل الصك بآخر فتغيرت المكرمة على هواه.

 أقول وقد يكون لي الحق في القول، إذا  كان هذا عطاء سخي يا سلطان زمانه لمن يستحقه فالراتب أولى من المكارم وهؤلاء الذين ليس لديك الثقة الكاملة بهم وبجميع من حولك فتدفع إليهم أموال الشعب لتشتري به ذمامهم

أفما حسبت حساب ثقة الجماهير بك..؟! ومن ليس له الثقة بمن حوله، فكيف له أن يكون رئيس وزراء ناجح . ومن يهب لمن لا يستحق ما لا يملك فهل يستحق أن يكون أمينا على خدمة الشعب؟! لربما جاءت أسئلتي تلك متأخرة بعض الشيء ولكن من الأفضل لك أن تغادر مكان الصدارة لتتحكم من جديد قبل فوات الأوان فالتأخير لا ينفعك بقدر ما يضرك. وإذا لم تتحسس قرف الشعب منك ومن حولك فالعراق لازال فيه من يحسسك بعدم الفائدة منك.

       

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1437 الخميس 24/06/2010)

 

 

في المثقف اليوم